الإثنين أبريل 21, 2025

بابُ زِيارةِ أهلِ الخَيرِ وَصُحْبَتِهم وَمَحَبَّتِهِم

  • عن أبي الهَيثَم عن أبِي سَعيدٍ رضي الله عنه أنّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قال: «لا تَصْحَبْ إِلَّا مُؤْمِنًا وَلا يَأْكُلْ طَعامَكَ إِلَّا تَقِيٌّ»([1]). هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه ابنُ حِبّان والترمّذِيُّ.
  • عن أبِي هُريرةَ رضي الله عنه قالَ: قالَ رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «الـمَرْءُ عَلَى دِيْنِ خَلِيلِهِ، فَليَنْظُرْ أَحَدُكُم مَن يُخَالِلُ»([2]). هذا حدِيثٌ حسَنٌ أخرجَه أحمد([3]).
  • عن عَبدِ الله بنِ مَسعُودٍ رضي الله عنه قال: «اعتَبِرُوا الأرضَ بأسمائِها([4]) والصّاحِبَ بالصّاحِبِ». هذا موقُوفٌ صحِيحٌ أخرجَه مُسَدَّدٌ في «مُسنَدِه».
  • عن عَبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضي الله عنهُما قال: قال رَسولُ الله صلى الله عليه وسلم: «خَيْرُ الأَصْحابِ عِندَ اللهِ خَيْرُهُم لِصاحِبِهِ([5])، وَخَيرُ الجِيْرانِ عِندَ اللهِ خَيْرُهُم لِجَارِهِ». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه أحمدُ والبخاريُّ في «الأدَب المفرَد».
  • عن أبِي مُوسَى الأشعرِيّ رضي الله عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ مَثَلَ جَلِيسِ السُّوْءِ كَمَثَلِ القَيْنِ([6])، إِذَا جَلَسْتَ إِلَيْهِ نَفَخَ بِكِيْرِه فَيُصِيبُكَ دُخَانُه وَشَرَارُهُ([7])». هذا حدِيثٌ صحِيحٌ أخرجَه ابنُ حِبّان.

[1])) قال شيخنا رحمه الله: «(لَا تَصْحَبْ إِلَّا مُؤْمِنًا)، أي: إلّا مؤمِنًا تَقِيًّا لا يأخُذُك إلى المعاصِي، لا يأخُذُك إلّا إلى الخَيرِ. بَعضُ التّلاميذِ فِيما يَرَوْنَه في التّلفزيون نفُوسُهم تَفسُدُ، قُلوبُهم تَفسُدُ فيَنجرُّونَ إلى هَلاكٍ، فإْن صَاحَبَ إنسانًا لا يُصاحِبْ إنسانًا يُفسِدُ علَيه دِينَه، انتَقُوا مِن بَين الطَّلَبة مَن حالُه حسَنٌ فإنْ وَجَدتُم وإلّا فلا تُصاحِبُوا واحدًا منهُم. فهذَا الحدِيثُ معَ وجُودِ أداة النَّهيِ فيه ليسَ دلِيلًا علَى تَحريمِ أنْ يُطعِمَ الرَّجلُ غيرَ تقيٍّ، وإنّما المعنَى أنّ الأَولَى أن تُطعِمَ طَعامكَ التّقِيّ. فكيفَ تجرَّأَتِ الوهّابِيّةُ علَى الاستِدلالِ بهذا الحدِيث لِمَنع التوسُّلِ بالأنبياءِ والأولِياء؟! ما أَجرَأَهُم علَى التَّحرِيم والتَّكفِير بغَير سَبَبٍ، لا يُفهَمُ مِن هذا الحديثِ عدَمُ جَوازِ صُحبةِ غَيرِ الـمُؤمِن وإطعامِ غَيرِ التَّقِيّ، وإنّما يُفهَمُ مِنهُ أنّ الأَولَى في الصُّحبةِ الـمُؤمِنُ وأنّ الأَولَى بالإِطعامِ هو التّقِيُّ. وفي حدِيث أبِي داودَ: «الـمَرْءُ علَى دِينِ خَلِيلِهِ فَلْيَنْظُرْ أَحَدُكُم مَنْ يُخَالِلُ»، معناهُ: انتَقُوا مَن تَتَّخِذُونَه خلِيلًا أي صَدِيقًا، فمَن كان يَنفَعُكُم في دِينكُم فعلَيكُم بمُصادقَتِه، ومَن كان لا يَنفَعُكُم في دِينِكُم بل يَضُرُّكُم فابتَعِدُوا مِنهُ ولا تُصادِقُوه».

[2])) قال شيخنا رحمه الله: «معناهُ انتقوا واختارُوا مَن تتَّخِذُونَهُ خلَيلاً أي صَديقًا، فمن كانَ ينفعُكُم لدينِكُم فعليكُم بِمصاَدقتِهِ، ومَن لا ينفعُكُم في دينِكُم بل يضرُّكُم فابتعدُوا عنهُ، أي: لا تصادقُوهُ. الإنسانُ يَهلِكُ من طريقِ الأصدقاءِ الأشرارِ. الشخصُ قد يكونُ قريبًا من الاسِتقامةِ فإذَا بهِ صَاحَبَ إنسانًا مِن شيَاطينِ الإنسِ انقلبَ على عَقبِهِ يَتْرُكُ الطاعاتِ وينغَمِسُ في الفجورِ. فمعنى الحديث: الشّخصُ يتَأَثَّر بحال خَلِيلِه غنْ كانَ صَدِيقُه طَيّبًا يَستَفِيدُ الطِّيبُ بصُحبَته وإن كان خَبِيثًا يُصِيبُه الخُبث. «فَلْيَنظُرْ أَحدُكُم مَن يُخالِلُ»، أي: لا يُصاحِبْ أيَّ إنسانٍ كانَ، الصّاحِبُ إمّا أنْ يَنَفَعَك وإما أنْ يَضُرَّك».

[3])) قال السُّيوطي في مرقاة الصُّعود (3/1235): «هذا الحدِيثُ أحَدُ الأحاديثِ الّتي انتَقَدَها الحافظ سِراجُ الدّين القَزوِينيّ على الـمَصابِيح وقال: إنه مَوضوعٌ وقال الحافظ ابنُ حجَرٍ في رَدِّه عليه: قد حسَّنَه الترمذِيُّ وصَحَّحه الحاكِمُ، وقد أَورَدَه ابنُ عَدِيّ في تَرجمَة زُهَير».

[4])) قال المناوي في فيض القدير (1/552): «فإنّ مَعاني الأَسماءِ مُرتِبطةٌ بها مأخُوذةٌ مِنها، حتّى كأَنّها مِنها اشتُقَّتْ».

وقال العَزِيزي في شرح الجامع الصغير (1/232): «قال ابنُ الـمُقرِي: لعَلّ مَعناهُ النّظَرُ على الفأْلِ ولِذَا غَيَّرَ النّبِيُّ r كَثِيرًا مِن الأَسماءِ وكَرِهَ تَسمِيةَ الـمَدِينةِ بِيَثْرِبَ».

[5])) قال الملّا عليّ في المرقاة (10/3192): «(خَيْرُ الأَصْحابِ)، أي: أكثَرُهم ثَوابًا (عِنْدَ اللهِ)، أي: في حُكمِه الّذي هو مُعتَبرٌ عِندَ الكُلّ (خَيْرُهُمُ لِصَاحِبِهِ)، أي: أكثَرُهم إحسانًا ولو بالنَّصِيحةِ».

[6])) القينُ هنا الحدّادُ: قال ابنُ دُريد في جَمهَرة اللُّغة (2/980): «والقَيْنُ أَصلُه الحَدّاد، ثُمّ صارَ كُلُّ صانِعٍ قَينًا. يُقَال: قانَ الحَدّادُ الحدِيدةَ يَقِينُها قَيْنًا إذا طرَقها بالـمِطرَقة».

[7])) قال الأزهريّ في الصَّحاح (2/695): «والشَّرارةُ واحِدةُ الشَّرارِ، وهو ما يَتطايَرُ مِن النّار، وكذلك الشَّرَرُ الواحِدُةُ شَررَةٌ».