وإنْ فَتَحتَ النُّطقَ باسمٍ مُبتدا *** فارْفَعهُ والأخبارَ عنهُ أبدا
تقولُ مِنْ ذلكَ زيدٌ عاقلُ *** والصُّلحُ خيرٌ والأميرُ عادِلُ
المبتدأ هو الاسم المجرد عن العوامل اللفظية ليُخبَر عنه، والخبر ما تتم به فائدة الكلام، وهو وخبره مرفوعان كقولك: زيد عاقل، وزيد في الدار، وزيد عندك، وزيد قام، وزيد يقوم، فزيد في جميع هذه الأمثلة هو المبتدأ، وعاقل والجار والمجرور والظرف والفعل خبرُه في الجميع ولا يظهر فيه الرفع إلا إذا كان اسمًا ظاهرًا، وأما المبتدأ فلا يكون إلا اسمًا إما معرفة من أنواع المعارف الستة السابقة كقولك: الصلح خير، وزيد عاقل، وأنا مؤمن، وهذا كتاب، والذي جاءك فقيه، وغلام زيد قائم، ونحو ذلك، وإما نكرة تحصل بها الفائدة كقوله تعالى: {ولَعَبْدٌ مُؤمِنٌ خيرٌ منْ مُشرِكٍ} [سورة البقرة/221] ونحو ذلك، وقد يكون للمبتدأ الواحد خبران فأكثر فترفع كلها كقولك: زيد فقيه عاقل أديب، ولهذا قال الناظم: “فارفعه والأخبار عنه أبدا”.
تنبيه: عبارته توهم اشتراطَ فتح النطق بالمبتدأ وعدم تقديم الخبر عليه وليس كذلك كما سيأتي، وإنما مراده تجرده عن العوامل وحيث قُدّم الخبرُ فأصله التأخير، واحترزنا بقولنا المجرد عن العوامل عن مثل قولك: كان زيد قائمًا، وإن زيدًا قائمٌ، وظننت زيدًا قائم، لأن هذه العوامل تغير حكمه فكان ترفع الاسم الذي أصله المبتدأ وتنصب الخبر، وإنّ بالعكس، وظننت: تنصبهما معًا كما سيأتي في أبوابها، فلو أُدخل عليه ما لا يعمل أصلاً لم يُغيّر حُكمُه ولهذا قال:
ولا يُحوَّل حُكمُهُ مَتَى [1] دَخَلْ *** لكِنْ على جُملَتِهِ وهَلْ وبَلْ
أي ولا يتحول حكم المبتدأ إذا دخلت لكن الخفيفة [2] على جملته أي عليه وعلى خبره كقولك: لكن زيد عاقل، وكذا هل كقولك: هل زيد قائم، وبل كقولك: بل زيد قاعد، وما أشبه ذلك مما يفيد معنى ولا يعمل شيئًا في جملة المبتدأ كهمزة الاستفهام ولولا [3]، وإنما احترزنا بالخفيفة عن المشددة فإنها تدخل على جملته فتنصب الاسم وترفع الخبر.
فائدة: “لا يحول” بالحاء المهملة أي يتحول ولكن فاعل دخل ولو قال دخلتْ لكان أظهر، وإنما قال: “على جملته” لأن المبتدأ مع خبره يسمى جملة اسمية كما سبق، والداخل عليها من العوامل إما أن يغير المبتدأ فقط أو الخبر فقط أو يغيرهما معًا.
وقَدّم الأخبارَ إذْ تَسْتَفْهِمُ *** كقولِهِم أينَ الكريمُ المُنْعِمُ
ومِثلُهُ كيفَ المريضُ المُدنِفُ *** وأيُّها الغادي متى المُنصَرَفُ
اعلم أن الأصل تقديم المبتدأ على خبره ويجوز تقديم الخبر عليه كقولك: زيد في الدار، وفي الدار زيد. وقد يجب تقديم الخبر إذا كان من أسماء الاستفهام كقولك: أين الكريم المنعم، وكيف المريض المدنف، ومتى المنصرف، وكم مالك [4]، فـ”أين” خبر مقدم “والكريم” مبتدأ مؤخر وهكذا ما بعدها وذلك لأن لاسم الاستفهام صدر الكلام.
فائدة: المدنف بكسر النون وفتحها يقال أدنفه المرض وأدنف المريض إذا لازمه المرض يتعدى ولا يتعدى [5].
وإنْ يَكُنْ بَعْضُ الظروفِ الخَبَرا *** فأوْلِهِ النَّصبَ ودَعْ عنكَ المِرا
تقولُ زيدٌ خلفَ عَمرو قَعَدا *** والصَّومُ يومَ السبتِ والسيرُ غَدا
قد ذكرنا أن الخبر إنما يرتفع إذا كان اسمًا ظاهرًا وأنه قد يكون غيرَ اسم فيبقى حينئذ على حكمه، وسيأتي أن الظرف منصوب فإذا كان الخبر ظرف مكان كأمام وخلف، أو ظرفَ زمان كيوم وغدًا رفعت المبتدأ ونصبت الخبر والظرف كما مثّل به الناظم، والخبر في الحقيقة ما يتعلق به الظرف [6].
تنبيه: الأسماء تنقسم إلى أسماء أعيان وأسماء معان فظرف المكان يصح أن يُخبر به عنهما كزيد خلفك، والعلم عندك، ولا يُخبر بظرف الزمان إلا عن المعاني فقط كالصومُ يوم السبت، والسيرُ غدا، وفي تمثيله بقوله: “زيد خلف عمرو قعدا [7]” نظرٌ فإن الخبر فيه قعدا وخلفَ متعلق به لا خبر له.
وإنْ تقُلْ أينَ الأميرُ جالسُ *** وفي فِناءِ الدارِ بِشرٌ مائِسُ
فجالسٌ ومائِسٌ قدْ رُفِعا *** وقدْ أُجيزَ النصبُ والرفعُ معا
قد سبق أن الخبر قد يكون غير اسم، وقد يكون اسم استفهام وجارًّا ومجرورًا وظرفًا، وأن الخبر هو ما تتِم به الفائدة فإذا أتيت بمبتدأ وأخبرت عنه باسم استفهام مقدَّم عليه كقولك: أين الأمير، وكيف زيد، أو بجار ومجرور أو ظرف متقدمين أو متأخرين كقولك: في الدار بشر وزيد خلفك، وما أشبه ذلك مما يعدُّ كلامًا مفيدًا ثم أتيت بعد تمام الكلام باسمٍ نكرة جاز لك أن تجعله الخبرَ فترفعها وتلغيَ اسمَ الاستفهام والجار والمجرور والظرف، وأن تجعلها حالاً فتنصبها كما سيأتي أن الحال منصوب وأنه يأتي فضلة [8] منكرًا بعد تمام الجملة فتقول: أين الأمير جالسًا، وفي فناء الدار بشر مائسًا أي مائلاً، وفناء الدار ساحتها، وزيد خلفك قاعدًا، فلو أتيت بالاسم النكرة قبل تمام الكلام كقولك: متى قادم زيد، وزيد قاعد خلفك، وعمرو قائم في الدار لم يجز فيها إلا الرفع على أنها الخبر وذلك مفهوم مما مَثَّل به الناظم.
[1] في نسخة: “إذا”.
[2] “لكن” المخففة التي غير مشددة تختلف عن “لكنَّ” المشددة، فالمخففة لا تعمل.
[3] لولا ليس لها عمل إن دخلت على المبتدأ والخبر.
[4] كم هذه خبر، ومال مبتدأ مؤخر قدمت كم وجوبًا اصطلاحًا لأنها اسم استفهام واسم الاستفهام يلزم صدر الكلام.
[5] يجوز تعديته إلى المفعول ويجوز ترك تعديته بأن يكون مقتصرًا على الفاعل إن أريد المفعول.
[6] الظرف يقال له خبر بحسب الظاهر أما بحسب الحقيقة الخبر متعلق هذا الظرف. فإذا قلنا: “زيد عندك”، عند بحسب الظاهر يقال له خبر وإنما زيد استقر عندك.
[7] هذا “زيد خلف عمرو قعدا” خلف ظرف مكان ليس هو الخبر هنا في هذه الجملة إنما الخبر جملة قعدا من الفعل والفاعل المستتر خلف إنما هو ظرف متعلق بقعد وليس هذا في حكم السير غدا.
[8] أي ليس عمدة.