وسِتةٌ تَنْصِبُ الأسماءَ *** بها كما ترتفعُ الأنباءُ
وهْيَ إذا رَوَيْتَ أوْ أمْلَيْتا *** إنَّ وأنَّ يا فتى وَلَيتا
ثمَّ كأنَّ ثمَّ لكِنَّ وعّل *** واللغةُ المشهورةُ الفُصحى لعل
أي أن هذه الستة الأحرف تدخل على جملة المبتدإ والخبر وهي إنَّ وأنَّ: للتأكيد، ولكن: للاستدراك، ولعل: للرجاء والخوف، وليت: للتمني، وكأن: للتشبيه، فتغير حكم المبتدأ كما سبقت الإشارة إلى ذلك، فتنصب الاسم المبتدأ اسمًا لها وترفع الأخبار كقولك: إن زيدًا قائم، وسمعت أن زيدًا قائم، ولكن عمرًا كاذب، ولعل زيدًا قريب، وكذا علّ لكن الأفصح لعل كما ذكره الناظم، وليت زيدًا مقيم، وكأن زيدًا أسد.
وكل ما جاز أن يكون خبرًا للمبتدإ جاز أن يكون خبرًا لهذه الأحرف نحو: إن زيدًا قام، وفي الدار وعندك.
فائدة: الأنباءُ جمع نبأ وهي الأخبار، والرواية حكاية القول لمن ينقله، والإملاء حكايته لمن يكتبه، والكاف في قوله: “كما”: للتشبيه، وما: مصدرية أي كرفع الأنباء بها.
وإنَّ بالكسرةِ أُمُّ الأحرفِ *** تأتي معَ القولِ وبعدَ الحَلِفِ
واللامُ تختصُّ بمعمولاتِها *** لِيَسْتَبِينَ فَضْلُها في ذاتِها
مِثالهُ إنَّ الاميرَ عادلُ *** وقدْ سَمِعتُ أنَّ زيدًا راحِلُ
وقيلَ إنَّ خالدًا لَقادِمُ *** وإنَّ هندًا لأبوها عالمُ
أي أن أمَّ هذه الأحرف الستة إنَّ المكسورة كما أن أمَّ حروف الجر من، وأمّ أدوات الشرط إن المكسورة الخفيفة، وأمّ نواصب الفعل أن المفتوحة الخفيفة، ومما تتميز به في هذا الباب إنَّ المكسورة عن المفتوحة أنَّ المكسورة تأتي مع القول أي محكية به نحو: {قالَ إني عبدُ اللهِ} [سورة مريم/30]، وقيل إن خالدًا قادم، ومنه تقول وقل وما اشتُق منه، وتأتي بعد الحلف بكسر اللام وهو اليمين أي في جواب القسم سواء كانت اللامُ في خبرها نحو: {يس* والقرءانِ الحكيمِ* إنَّكَ لمنَ المُرسَلين} [سورة يس/1-2-3] أم لا نحو: {حم* والكتابِ المُبينِ* إنَّا أنزلناهُ} [سورة الدخان/1-2-3]، وتأتي أيضًا في ابتداء الكلام نحو: {إنَّا أنزلناهُ في ليلةِ القدرِ} [سورة القدر/1] وإن الأمير عادل، ومعرفة الفرق بين المكسورة والمفتوحة مهم جدًا وضابط المفتوحة أن يصح تأويلها مع معموليها [1] بمصدر نحو: سمعت أن زيدًا قادم أي بقدومه، وبلغني أنه قادم أي قدومُه إلا أن تدخل اللام على أحد معموليها فيجب الكسر لأنَّ المفتوحةِ نحو: سمعتُ إن زيدًا لقادم، وبلغني إنه لقادم، لأن اللام تختص بمعمولاتِ المكسورة وهي خبرُها كالأمثلة المذكورة، واسمُها المتأخرُ عنها نحو: إن في الدار لزيدًا، ومعمولُ خبرِها نحو:
إن زيدًا لِعَمرو لضاربٌ، ولفي الدار مقيم، ومعنى قوله: “ليستبين فضلها” أي ليظهرَ تمييزُها في هذا الباب على أخواتها في ذاتها أي في نفسها وأنها أم الباب لاختصاص معمولاتها باللام دون أخواتها، فتحصَّل أن المكسورة كثر مجيئها في ثلاثة مواضع: بعد القول والحلف وقبل لام الابتداء كما ذكره الناظم في ابتداء الكلام كما ذكرنا.
ولا تُقدّمْ خبرَ الحروفِ *** إلا معَ المجرورِ والظروفِ
كقولِهِمْ إنَّ لِزيدٍ مالا *** وإنَّ عندَ عامرٍ جِمالا
أي ولا تقدم خبر هذه الحروف الستة على أسمائها، فاللام للعهد أي الزم الترتيب بذكرها ثم أخبارِها كالأمثلة السابقة إلا إذا كان الخبر ظرفًا أو جارًا ومجرورًا فيجوز تقديمه على الاسم كما مثّل به، ومنه: {إنَّ في ذلكَ لَعِبرةً} [سورة النازعات/13]، و{إنَّ في ذلكَ لآيةً} [سورة ءال عمران/49]، و{إنَّ لدَينا أنكالاً} [سورة المزمل/12]، و{وإنَّ عليكُم لحافِظينَ} [سورة الانفطار/10].
وإنْ تُزَدْ ما بعدَ هذي الأحرفِ *** فالرفعُ والنصبُ أُجيزا فاْعْرِفِ
والنصبُ في ليتَ لعلَّ [2] أظهرُ *** وفي كأنَّ فاسْتَمِعْ ما يُؤْثَرُ [3]
أي وإذا زيدت “ما” بعد هذه الأحرف الستة نحو: {إنَّما إلهُكُمُ اللهُ} [سورة طه/98]، جاز في الاسم الرفعُ على أنها كَفَّت عملهن فصيّرتهن مثل هل وبل مما لا يغير حكم المبتدإ، والنصبُ على إعمالهن وإلغائها كما ألغيت في نحو: {مما خَطِيئاتِهم} [سورة نوح/25]، {فبِما رحمةٍ منَ اللهِ} [سورة ءال عمران/159].
تنبيه: وما ذهب إليه الناظم من جواز الوجهين في الأحرف كلها قد قال به جماعة كالزجاج وابن السراج وابن مالك قياسًا على ليت لأنه لم يسمع إلا في ليت، واختار الناظم أن النصب في ليت ولعل وكأن أظهرُ لقوة شبههنَّ بالفعل الناسخ للابتداء ومذهب سيبويه والجمهور أنه لا يجوز إلا في ليت وحدَها وروي بالوجهين قول الشاعر:
قالت ألا ليتما هذا الحمام لنا *** إلى حمامتنا ونصفه فَقَدِ
ومعنى ما يؤثر أي ما ينقلُ يقال أثرَ الحديثَ يأثره كنصرَ وضربَ أي نقله.
[1] أي اسمها وخبرها.
[2] وفي نسخة: “وعلَّ”.
[3] وفي نسخة: “يُذكَرُ”.