الْمُمِيْتُ: هوَ الذي يميتُ الأحياءَ ويوهِنُ بالموتِ قوةَ الأصحاءِ الأقوياءِ قالَ تعالى: ﭐﱡﭐﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲖ ﱠ([1]) وقالَ تعالى: ﱡﭐﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨﱩ ﱪ ﱫ ﱬﱭﱠ([2])وسكرةُ الموتِ أشدُّ مِنْ ألفِ ضربةٍ بسيفٍ لمنْ شاءَ اللهُ لهُ ذلكَ وَأَلَمُ سَكَرَاتِ الموتِ يَحْصُلُ للأنبياِء والأتقياءِ وغيرِهم كأيِّ مرضٍ يصابُونَ بهِ ففيهِ رفعٌ للدرجاتِ فليستْ خاصةً بالعصاةِ، أمَّا نزعُ الروحِ فتختلفُ شدَّتُهُ عندمَا يحصلُ للعاصي أو للتقيِّ فَتُنْزَعُ روحُ التقيِّ بحيثُ لا يُحِسُّ بألمٍ عندَ نزعِهَا وهوَ المرادُ بقولِهِ تعالى: ﱡﭐﲕ ﲖ ﲗ ﱠ([3]) أما روحُ الكافرِ فتخرجُ بشدةٍ وهوَ المرادُ بقولِهِ تعالى: ﱡﲒ ﲓ ﲔ ﱠ([4]). فسبحانَ منْ قهرَ عبادَهُ بالموتِ سبحانَ الذى قصمَ بالموتِ رقابَ الجبابرةِ وكسرَ بهِ ظهورَ الأكاسرةِ، وقصَّرَ بهِ آمالَ القياصرةِ الذين لم تزلْ قلوبُهم عنْ ذكرِ الموتِ نافرةً حتى جاءَهُم الوعدُ الحقُّ فأرداهُم في الحافرةِ فنُقِلوا منَ القصورِ إلى القبورِ، ومنْ ضياءِ المهودِ إلى ظلمةِ اللحودِ ومنْ ملاعبةِ الجواري والغلمانِ إلى مقاساةِ الهوامِّ والديدانِ، ومنَ التنعمِ بالطعامِ والشرابِ إلى التمرغِ فى الترابِ، ومِنْ أُنْسِ العِشرةِ إلى وحشةِ الوَحدةِ، ومِنَ المضجعِ الوفيرِ إلى المصرعِ الوبيلِ، فانظرْ هلْ وجدوا منَ الموتِ حصنًا وعزًا، أمِ اتخذوا مِنْ دونِه حجابًا وحرزًا، وانظرْ هلْ تحسُّ منهم مِنْ أحدٍ أوْ تسمعُ لهم ركزًا، فسبحانَ مَنْ جعلَ الموتَ مخلصًا للأتقياءِ، وجعلَ القبرَ سجنًا للأشقياءِ، وحبسًا ضيقًا عليهم إلى يومِ الفصلِ والقضاءِ، وجعلَ الآخرةَ موعدًا فى حقِّهم للقاءِ، فَلَهُ الإنعامُ بالنعمِ المتظاهرةِ، ولهُ الانتقامُ بالنقمِ القاهرةِ ولهُ الشكرُ فى السمواتِ والأرضِ، فجديرٌ بمنْ كانَ الموتُ مصرَعَهُ، والترابُ مضجَعَهُ والدودُ أنيسَهُ، ومنكرٌ ونكيرٌ جليسَهُ والقبرُ مَقَرَّهُ وبطنُ الأرضِ مستقَرَّهُ والقيامةُ موعدَه والجنةُ أوِ النارُ مورِدَهُ، أنْ لا يكونَ لهُ فكرٌ إلا فى الموتِ، ولا ذِكْرٌ إلا لهُ، ولا استعدادٌ إلَّا لأجلِه، ولا تدبيرٌ إلا فيهِ ولا تطلُّعٌ إلا إليهِ ولا تعريجٌ إلا عليهِ ولا اهتمامٌ إلَّا بهِ ولا انتظارٌ وتربصٌ إلَّا لهُ، حقيقٌ بأنْ يَعُدَّ نفسَه مِنَ الموتى ويراها فى أصحابِ القبورِ، فإِنَّ كلَّ ما هو آتٍ قريبٌ وقدْ قالَ رسولُ اللهِ ﷺ: ((الكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ لِمَا بَعْدَ الْمَوتِ))([5]) ولنْ يتيسرَ الاستعدادُ للشىءِ إلا عندَ تجددِ ذكرِه على القلبِ، ولا يتجدَّدُ ذِكْرُهُ إلَّا عندَ التذكرِ بالإصغاءِ إلى المذكراتِ لهُ والنظرِ في المنبهاتِ عليهِ، فقدْ قَرُبَ لما بعدَ الموتِ الرحيلُ فما بقيَ مِنَ العمرِ إلَّا القليلُ والخلقُ عنهُ غافلونَ ﭐﱡﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱠ([6]) فسبحانَ المحيي المميتِ الذي قهرَ عبادَه بالموتِ. فسبحانَ المحيي المميتِ القادرِ على بعثِ مَنْ يشاءُ وعلى إماتَتِهِ، ولا يُعْجِزُهُ ذلكَ سبحانَهُ ودلائلُ قدرةِ اللهِ على هذا بينَ النَّاسِ كثيرةٌ، كمَا حصَلَ مَعَ عزيرٍ ذلكَ الرجلُ الصالحُ فقدْ أَمَاتَهُ اللهُ في هذهِ الدنيا وأحياهُ بعدَ مائةِ سنةٍ ([7]). وفي الحديث أَنَّ رَسُولَ اللهِ ﷺ كان إذا أَوَى إِلَى فِرَاشِهِ قَالَ: ((بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ أَحْيَا وَأَمُوتُ)) وَإِذَا اسْتَيْقَظَ قَالَ: ((الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَحْيَانَا بَعْدَمَا أَمَاتَنَا وَإِلَيْهِ النُّشُورُ([8])))