الْمُتَكَبِّرُ: هوَ
العظيمُ المتعالي عن صفاتِ الخَلقِ القاهِرُ لعُتَاةِ خَلقِهِ ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐﲪ ﲫﲱﱠ([1])،
وقالَ اللهُ تعالى: ﭐﱡﭐﱷ ﱸ ﱹ ﱺ ﱻﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀﱠ([2])
وهوَ وصفُ مدحٍ في حقِّ اللهِ تعالى، ويطلقُ على البشرِ بمعنى الذمِّ لهم، ولا
يجوزُ وصفُ اللهِ بهِ بالمعنى المرادِ في حقِّ البشرِ، فهوَ كمالٌ في حقِّ اللهِ وذمٌّ في حقِّ الإنسانِ، لذلكَ يقولُ
علماءُ التوحيدِ: “اللهُ تعالى موصوفٌ بكلِّ كمالٍ يليقُ بهِ”([3])
وإنَّمَا قُيِّدَتْ هذهِ العبارةُ بلفظِ “يليقُ بهِ” لأنَّ
الكمالَ إمَّا أنْ يكونَ كمالًا في حقِّ اللهِ وفي حقِّ غيرِه كالعلمِ، وإمَّا أنْ
يكونَ كمالًا في حقِّ غيرِه وليسَ كمالًا في حقِّه سبحانَه كالوصفِ برجاحةِ العقلِ،
وقد يكونُ الوصفُ مدحًا للهِ وذمًّا في حقِّ الإنسانِ، وذلكَ كالوصفِ بالجبارِ
والمتكبرِ هوَ مدحٌ في حقِّ اللهِ وذمٌّ في حقِّ الإنسانِ.
فاللهُ هوَ
المتكبرُ العظيمُ([4])،
المتعالي عن صفاتِ الخلقِ، ولذلكَ قالَ الإمامُ أبو جعفرٍ الطحاويُّ في العقيدةِ
الطحاويةِ: “مَنْ وَصَفَ اللهَ بِمَعْنًى مِنْ مَعَانِيْ الْبَشَرِ فَقَدْ
كَفَرَ، فَمَنْ أَبْصَرَ هَذَا اعْتَبَرَ، وَعَنْ مِثْلِ قَوْلِ الْكُفَّارِ انْزَجَرَ
وَعَلِمَ أَنَّهُ بِصِفَاتِهِ لَيْسَ كَالبَشَرِ”.
عندما
أرسلَ اللهُ تعالى موسى وهارونَ لبني إسرائيلَ كانَ جوابُ بني إسرائيلَ لموسى
وهارونَ عليهمَا الصلاةُ والسلامُ ما أخبرَ اللهُ تعالى عنهُ في القرآنِ الكريمِ: ﱡﭐﳉ ﳊ ﳋ ﳌ ﳍ ﳎ ﳏ ﳐ ﳑ ﳒ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘﳙﱠ([5])،
قالَ الرازيُّ: “قالَ المفسرونُ: المعنى ويكونَ لكما الملكُ والعزُّ في أرضِ
مصرَ، والخطابُ لموسى وهارونَ، قالَ الزجاجُ: سَمَّى الْمُلْكَ كبرياءً لأنَّهُ
أكبرُ ما يطلبُ مِنْ أمرِ الدنيا، وأيضًا فالنبيُّ إذا اعترفَ القومُ بصدقِهِ صارتْ
مقاليدُ أمرِ أمَّتِهِ إليهِ فصارَ أكبرَ القومِ” ([6]).اهـ
وقدْ جاءَ في الحديثِ القدسيِّ: ((الْكَبْرِيَاءُ
رِدَائِيْ وَالْعَظَمَةُ إِزَارِيْ فَمَنْ نَازَعَنِيْ وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُه
فِيْ النَّاْرِ)) ([7]).
§
قَالَ
الطِّيْبِيُّ: “الكِبْرِيَاءُ العَظَمَةُ وَالْمُلْكُ، وَقِيْلَ: هِيَ
عِبَارَةٌ عَنْ كَمَالِ الذَّاتِ وَكَمَالِ الوُجُوْدِ”، ثُمَّ قَالَ:
“كَمَا أَنَّ رِدَاءَ الرَّجُلِ وَإِزَارَهُ مُخْتَصَّانِ بِهِ لَا
يُشَارِكُهُ فِيْهِمَا غَيْرُهُ، كَذَلِكَ الكِبْرِيَاءُ وَالعَظَمَةُ
مُخْتَصَّانِ باِللهِ تَعَالَى لَا يُوْصَفُ بِهِمَا غَيْرُهُ” ([8]).
§
وَقَالَ
مُلَّا عَلِيٌّ القَارِي: “فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا أَيْ مِنَ الْوَصْفَيْنِ
بِأَنْ تَكَبَّرَ بِاعْتِبَارِ ذَاتِهِ أَوْ تَعَظَّمَ مِنْ حَيْثِيَّةِ صِفَاتِهِ
وَأَرَادَ نَوْعًا مِنَ الْمُشَارَكَةِ مَعِي فِي نُعُوتِ ذَاتِي وَصِفَاتِي
أَدْخَلْتُهُ النَّارَ” ([9]).
§
وَقَالَ
الْمُنَاوِيُّ: “وَضَرَبَ الإِزَارَ وَالرِّدَاءَ مَثَلًا فِي انْفِرَادِهِ
جَلَّ ذِكْرُهُ بِصِفَةِ العَظَمَةِ وَالكِبْرِيَاءِ وَالعِزِّ وَالقُوَّةِ”،
ثُمَّ قَالَ: “وَفِيْهِ الزَّجْرُ عَنِ ادِّعَاءِ العِزَّةِ وَالكِبْرِيَاءِ
وَالعَظَمَةِ وَالقُوَّةِ لِأَنَّهَا لَا يُوْصَفُ بِهَا فِي الحَقِيْقَةِ عَلَى
الإِطْلَاقِ غَيْرُ الخَالِقِ” ([10]).
وهوَ سبحانَه المتكبرُ الذي انفردَ
بالكبرياءِ والملكوتِ والعظمةِ والجبروتِ، الذي قصمَ رقابَ الجبابرةِ وكسرَ ظهورَ
الأكاسرةِ.
التكبرُ إذا وُصِفَ بهِ بعضُ بني
آدمَ:
والتكبرُ في الخلقِ صفةٌ مذمومةٌ نَهَى
الشرعُ عنهَا، والمتكبرُ مِنَ البشرِ الذي يرى نفسَه بعينِ العظمةِ أي يستحقرُ
الناسَ، أو أنْ يَرُدَّ الحقَّ على قائلِه معَ العلمِ أنَّ الحقَّ معَ المتكلمِ. ففي
الحديثِ عن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ عنِ
النبيِّ ﷺ
قالَ([11]):
((لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ مِنْ
كِبْرٍ، قَالَ رَجُلٌ: إِنَّ الرَّجُلَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ ثَوْبُهُ حَسَنًا
وَنَعْلُهُ حَسَنَةً. قَالَ: إِنَّ الله جَمِيلٌ ([12])
يُحِبُّ الْجَمَالَ، الْكِبْرُ: بَطَرُ الْحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ([13])))،
وعنْ جابرٍ عنِ النبيِّ ﷺ قالَ: ((يَبْعَثُ
اللهُ يَوْمَ القِيَامَةِ نَاسًا في صُوَرِ الذَّرِّ يَطَؤُهُمُ النَّاسُ بأقْدَامِهِمْ،
فَيُقَالُ: مَا هَؤُلاءِ فِي صُوَرِ الذَّرِّ؟ فَيُقَالُ: هَؤُلاءِ
المتَكَبِّرُونَ في الدُّنْيَا([14]))).
قصةٌ عجيبةٌ تدلُّ على شُؤمِ الكِبْرِ([15]):
أخبرَ الرسولُ ﷺ
أنَّ رجلًا ممنْ كانَ قبلَ هذهِ الأمةِ كانَ يمشي متبخترًا ينظرُ فى جانبَيْهِ أعجَبَهُ
ثَوبُهُ وشَعَرُه وهيئةُ شعَرِه وحُسْنُ شعَرِه، بينمَا هوَ يمشي متبخترًا أمرَ
اللهُ تباركَ وتعالى بهِ الأرضَ فبلعتْهُ فهوَ يتجلجلُ([16])
إلى يومِ القيامةِ.اهـ فهذهُ الحادثةُ أرادَ اللهُ تعالى أنْ يجعلَها عبرةً حتى
يعتبرَ بها بعضُ الناسِ.
فائدةٌ:
قولُ “يا الله يا جبَّارُ ارزقني”، أو “يا اللهُ يا متكبّرُ”
لا يدلُّ على النقصِ في حقِّ اللهِ، أمَّا الذي يدلُّ على النقصِ فهوَ مثلُ أنْ
يقالَ في حقِّ اللهِ “يا مخادعُ” أو “يا ناسي” أو “يا
مستهزىءُ” أو “يا ماكرُ” فهذا لا يجوزُ ولا يليقُ باللهِ عزَّ
وجلَّ.
دُعَاءٌ:
اللهُمَّ يَا عَزِيْزُ يَا جَبَّارُ يَا مُتَكَبِّرُ عَلَيْكَ بِمَنْ
يَتَكَبَّرُوْنَ عَلَىْ أَوْلِيَائِكَ يَا اللهُ.
عِظَمُ
الله تعالى ليس بِعِظَمِ حجم وحدٍّ وجثة بل هو علوُّ قدرٍ كما سيأتي عند شرح اسم
الله العظيم. ([4])