الْمَجِيْدُ: هوَ الواسعُ الكرمِ العالي القدرِ ﭧﭐﭨ ﱡﱜ ﱝ ﱞﱟﱠ([1]) وقالَ تعالَى: ﱡﭐﲬ ﲭ ﲮ ﲯﱠ([2]) وَلِيُعْلَمْ أَنَّ عُلُوَّ الله تَعَالَى عُلُوُّ قَدْرٍ وَمَكَانَةٍ وَرُتْبَةٍ وَلَيْسَ عُلُوَّ مَكَانٍ وَجِهَةٍ تَعَالَى اللهُ عَنْ ذَلِكَ، فَالله خَلَقَ الأَرْضَ وَجَعَلَهَا مَسْكَنًا لِأَبْنَاءِ آدَمَ وَلِغَيرِهِم، وَخَلَقَ السَّمَاءَ وَجَعَلَهَا مَسْكَنًا لِلمَلَائِكَةِ كَمَا يَقُولُ عَلَيْهِ الصَلَاةُ وَالسَلَامُ: ((أَطَّتِ([3]) السَّمَاءُ وَحُقَّ لَهَا أَنْ تَئِطَّ مَا فِيهَا مَوْضِعُ أَرْبَعِ أَصَابِعٍ إِلَّاوَمَلَكٌ وَاضِعٌ جَبْهَتَهُ للهِ سَاجِدًا))([4]) واللهُ تَعَالَى لَا يَحْتَاجُ إِلَى السَّمَاءِ وَلَا إِلَى سُكَّانِ السَّمَاءِ فَهُوَ غَنِيٌّ عَنِ العَالَمِينَ، وَإِنَّما نَرْفَعُ أَيْدِيَنَا بِالدُّعَاءِ إِلَى السَّمَاءِ لِأَنَّهَا قِبْلَةُ الدُّعَاءِ وَهِيَ مَهْبِطُ الرحماتِ وَالبَرَكَاتِ لَا أَنَّ اللهَ يَسْكُنُهَا نَدْعُو الله تَعَالَى المجِيدَ سُبْحَانَهُ فَهُوَ الَّذِي قَالَ: ﱡﭐﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺ ﳇﱠ([5]). أَيْ أَنَّ الْكَلِمَ الطَّيِّبَ كَكلمةِ لا إِلَهَ إِلَّا اللهُ يَصْعَدُ إِلَى مَحَلِّ كَرَامَتِهِ وَهُوَ السَّمَاءُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ أَيِ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ يَرْفَعُ الْعَمَلَ الصَّالِحَ وَهَذَا مُنْطَبِقٌ وَمُنْسَجِمٌ مَعَ الآيَةِ الْمُحْكَمَةِ: ﭐﱡﭐﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔﱕ ﱖﱗﱠ، قَالَ الخَازِنُ: “يَقْبَلُ الكَلِمَ الطيِّبَ وَيَرْفَعُ العَمَلَ الصَّالِحَ”([6]).اهـ وَقَالَ القُشَيْرِيُّ: أَرَادَ بِهِ صُعُودَ قَبُولٍ([7]).اهـ وَقَالَ البَيضَاوِيُّ: “وَصُعُودُهُمَا إِلَيهِ مَجَازٌ عَنْ قَبُولِهِ إِيَّاهُمَا” ([8]).اهـ وَقَالَ تعالَى: ﱡﭐﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲸﱠ([9]): قَالَ الفَخْرُ الرَّازِيُّ: “وَأَمَّا حَرْفُ” إِلَى “فَلَيْسَ المرَادُ مِنْهُ المكَانَ بَلِ المرَادُ انتِهَاءُ الأُمُورِ إِلَى مُرَادِهِ، كَقَوْلِهِ:ﭐ ﱡﭐﲄ ﲅ ﲆ ﲇﲑﱠ([10]) المرَادُ الانْتِهَاءُ إِلَى مَوْضِعِ العِزِّ وَالكَرَامَةِ” ([11]).
وَقَدْ وَرَدَ فِي السِّيَرِ قِصَّةُ أَبِي المعَلَّقِ الأنصاري عَنْ أَنَسِ بِنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ ﷺ يُكْنَى أَبَا مُعَلَّقٍ، وَكَانَ تَاجِرًا يَتْجُرُ بِمَالٍ لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَكَانَ لَهُ نسكٌ وورعٌ فَخَرَجَ مَرَّةً فَلَقِيَهُ لِصٌّ مُتَقَنِّعٌ فِي السِّلَاحِ فَقَالَ: ضَعْ مَتَاعَكَ فَإنِّي قَاتِلُكَ قَالَ: شَأْنُكَ بِالمالِ قَالَ: لَسْتُ أُرِيدُ إِلَّا دَمَكَ قَالَ: فَذَرْنِي أُصَلِّي، قَالَ: صَلِّ مَا بَدَا لَكَ فَتَوَضَّأَ ثُمَّ صَلَّى فَكَانَ مِنْ دُعَائِهِ: يَا وَدُودُ يَا ذَا العَرْشِ المجِيد يَا فَعَّالًا لِمَا يُرِيدُ أَسْأَلُكَ بِعِزَّتِكَ الَّتِي لَا تُرَامُ وَمُلْكِكَ الَّذِي لَا يُضَامُ أَنْ تَكْفِيَنِي شَرَّ هَذَا اللِّصِّ، يَا مُغِيثُ أَغِثْنِي قَالَهَا ثَلَاثًا، فَإِذَا هُوَ بِفَارِسٍ بِيَدِهِ حَرْبَةٌ رَافِعُهَا بَيْنَ أُذْنَيْ فَرَسِهِ فَطَعَنَ اللِّصَّ فَقَتَلَهَ ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى التَّاجِرِ فَقَالَ: مَنْ أَنْتَ فَقَدْ أَغَاثَنِي اللهُ بِكَ؟ قَالَ: إِنَّي مَلَكٌ مِنْ أَهَّلِ السَّمَاءِ الرَّابِعَةِ عِنْدَمَا دَعْوَتَ سَمِعْتُ لِأَبْوَابِ السَّمَاءِ قَعْقَعَةً ثُمَّ دَعَوْتَ ثَانِيًا فَسَمِعْتُ لِأَهْلِ السَّمَاءِ ضَجَّةً ثُمَّ دَعَوْتَ ثَالِثًا فَقِيلَ: دُعَاءُ مَكْرُوبٍ فَسَأَلَتُ اللهَ أَنْ يُوَلِّيَنِي قَتْلَهُ ثُمَّ قَالَ: أَبْشِرْ وَاعْلَمْ أَنَّهُ مَنْ تَوَضَّأَ وَصَلَّى أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ وَدْعَا بِهَذَا الدُّعَاءِ اسْتُجِيبَ لَهُ مَكْرُوبًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَكْرُوبٍ” ([12]).
([3]) قال المناوي: ((أَطَّتِ الْسَّمَاءُ)) بفتح الهمزة وشد الطاء: صاحت وأنَّتْ من ثقل ما عليها من ازدحام الملائكة وكثرة الساجدين فيها منهم من الأطيط وهو صوت الرحل والإبل من حمل أثقالها.اهـ فيض القدير ج1 ص537.
لباب التأويل في معاني التنزيل للخازن ج 2 ص 452. ([6])
أنوار التنزيل وأسرار التأويل للبيضاوي ج 4 ص 411. ([8])
التفسير الكبير للرازي ج 30 ص 640. ([11])
(1) قال الحافظ: “رويناه في كتاب مجابي الدعوة لابن أبي الدنيا وساقَ سندَه عن أنس بن مالك”. الإصابة لابن حجر ج 7 ص 313، قلتُ: ويحمل قتل الملك للص على أنه كان كافرا.