الْكَرِيْمُ:
هوَ الكثيرُ الخيرِ فيبدأُ بالنعمةِ
قبلَ الاستحقاقِ ويتفضَّلُ بالإحسانِ مِنْ غيرِ استثابةٍ ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜﱝﱠ([1])
قالَ الطبريُّ: ورويَ أَنَّه عليهِ الصلاةُ والسلامُ قرأَ: ﱡﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝﱠ
فقالَ: غَرَّهُ جَهْلُهُ، وقالَه عمرُ وقرأَ: ﭐﱡﭐﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﱠ([2])، وهذا يترتبُ في الكافرِ والعاصي،
وقالَ قتادةُ: عدوُّه المسلطُ عليهِ، وقيلَ: سَتْرُ اللهِ عليهِ، وقيلَ: كَرَمُ
اللهِ وَلُطْفُهُ، وَقِيلَ: عَفْوُهُ عَنْهُ إِنْ لَمْ يُعَاقِبْهُ أَوَّلَ مرةٍ،
وقالَ الفضيلُ : سَتْرُهُ الْمُرْخَىْ، وَقَالَ ابنُ السماكِ([3]):
(السريع)
يا كاتمَ الذنبِ أما تستحي واللهُ في الخَلــوةِ
رائيكَا
غَرَّكَ مِنْ ربِّكَ إمهـــالُهُ وسَتْرُهُ طُولَ مسَاوِيكَا([4])
قَالَ
اللهُ تعالى: ﭐﱡﭐﲐ ﲑ ﲒﲓﱠ([5]) قالَ
القرطبيُّ: “ ﭐﱡﭐﲐ ﲑ ﲒﲓﱠ
أيِ الكريمُ وقالَ الكلبيُّ: يعني
الحليمَ عنْ جهلِ العبادِ فلم يُعَجِّلْ بعقوبتِهم([6]).اهـ
فَمِنْ كرمِ اللهِ سبحانَه وتعالى أَنَّه يعطي النعمةَ دونَ طلبٍ مِنَ العبدِ
ويفيضُ بالإحسانِ مِنْ غيرِ سؤالٍ ومِنْ كرمِهِ أَنَّه في الدنيا يسترُ العيوبَ
ويغفرُ الذنوبَ ومِنْ كرمِه أَنَّ العبدَ إذا أتى بالطاعاتِ اليسيرةِ أعطاهُمُ
الثوابَ الجزيلَ وجعلَ الصالحينَ أهلًا لمحبتِهِ فقالَ تعالى: ﱡﭐﲗ ﲘ ﲲ ﱠ([7])،
ومِنْ كرمِه أَنَّه سَخَّرَ للإنسانِ كلَّ ما في السماواتِ والأرضِ فقالَ: ﭐﱡﭐ ﳓ ﳔ ﳕ ﳖ ﳗ ﳘ ﳙ ﳚ ﳛ
ﳜ ([8])ﳤ ﱠ([9]).
قالَ الحارثُ المحاسبيُّ: “الكريمُ الذي لا يبالي مَنْ أعطَى، وقيلَ الكريمُ
الذي لا يضيعُ مَنْ تَوَسَّلَ إليهِ ولا يتركُ مَنِ التجَأَ إليهِ”. قالَ
البَيْهَقِيُّ: قالَ رسولُ اللهِ ﷺ:
((إِنَّ اللهَ تَعَالَى كَرِيمٌ يُحِبُّ مَعَالِيَ الْأَخْلَاقِ وَيَكْرَهُ
سَفْسَافَهَا([10])))([11])
قالَ الحليميُّ: “الكريمُ”: إِنَّه النَفَّاعُ مِنْ قولِهم: شاةٌ
كريمةٌ إذا كانتْ غزيرةَ اللبنِ تدرُّ على الحالبِ ولا تقلصُ بأخلافِها ولا تحبسُ
لبنَها، ولا شكَّ في كثرةِ المنافعِ التي مَنَّ اللهُ عزَّ وجلَّ بها على عبادِه
ابتداءً منهُ وتفضُّلًا فهوَ باسمِ الكريمِ أحقُّ. قالَ أبو سليمانَ: مِنْ كرمِ
اللهِ سبحانَه وتعالى أَنَّه يبتدئُ بالنعمةِ مِنْ غيرِ استحقاقِ ويتبرعُ بالإحسانِ
مِنْ غيرِ استثابةٍ ويغفرُ الذنبَ ويعفو عنِ المسيءِ ويقولُ الداعي في دعائِهِ: يا
كريمَ العفوِ”([12]).اهـ وقالَ
البَيْهَقِيُّ: في ذِكْرِ معنى الأكرمِ “قَالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﭐﱡﭐﲐ ﲑ ﲒﲓﱠ
([13])
قَالَ أَبُو سُلَيْمَانَ: هُوَ أَكْرَمُ الْأَكْرَمِينَ لَا يُوَازِيهِ كَرِيمٌ
وَلَا يُعَادِلُهُ فِيهِ نَظِيرٌ وَقَدْ يَكُونُ الْأَكْرَمُ بِمَعْنَى الْكَرِيمِ([14]).اهـ
وعنِ ابنِ عباسٍ رضيَ اللهُ عنهما في قولِه تعالى: ﭐﱡﭐﱁ ﱂ ﱠ قالَ: كافٌ مِنْ كريمٍ وهَا مِنْ
هادي ويَا مِنْ حكيمٍ وعَيْنٌ مِنْ عليمٍ وصَادٌ مِنْ صادقٍ([15])“اهـ وعَن سَلْمَانَ
الفَارِسِيِّ عَنِ النبيِّ ﷺ
قالَ: ((إِنَّ الله حَيِيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحْيِي إذَا رَفَعَ([16])
الرَّجُلُ إِلَيْهِ يَدَيْهِ أَنْ يَرُدَّهُمَا صِفْرًا خَائِبَتَيْنِ([17])))،
وعن ابنِ
عمرَ رضيَ اللهُ عنهما أَنَّ النبيَّ ﷺ قالَ:
“إِنَّ رَبَّكُمْ حَيٌّ كَرِيمٌ يَسْتَحِي أَنْ يَرْفَعَ العَبْدُ
يَدَيْهِ فَيَرُدَّهُمَا صِفْرًا لا خَيْرَ فِيهِمَا فِاذَا رَفَعَ أَحَدُكُمْ
يَدَيْهِ فَلْيَقُلْ: يا حَيُّ يا قَيُّومُ لا إِلهَ إِلَّا أَنْتَ يا أَرْحَمَ
الرَّاحِمينَ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ثُمَّ إِذَا رَدَّ يَدَيْهِ فَلْيُفْرِغِ الخَيْرَ
عَلى وَجْهِهِ([18]))).اهـ
فَائِدَةٌ: معنى
الحياءِ إذا أُطلِقَ على اللهِ أَنَّ اللهَ لا يُخَيِّبُهُ إمَّا أنْ يُعْطِيَهُ
الثَّوابَ أو يُعْطِيَهُ مَا طَلَبَ وليسَ معناهُ نسبةَ الحياءِ الذي يكونُ
انفعالًا إلى اللهِ كمَا في المخلوقِ([19]).
([3]) محمد بن صبيح أبو العباس بن السماك الواعظ الزاهد أحد الأعيان كان
صدوقا له مقام وعظ بين يدي هارون الرشيد توفي سنة 183هـ.اهـ الوافي بالوفيات
للصفدي ج1 ص365.
معناه أن كل ما في السماوات والأرض بخلق الله
وتكوينه لا أنها أجزاء منه فهو منزه عن التجزئ والتبعض.([8])
([16]) قال القرطبي: وإنما ترفع الأيدي بالدعاء إلى السماء لأن السماء
مهبط الوحي ومنزل القطر ومحل القُدس ومعدن المطهرين من الملائكة، وإليها ترفع
أعمال العباد وفوقها عرشه وجنته كما جعل الله الكعبة قِبلةً للصلاة ولأنه خلق
الأمكنة وهو غير محتاج إليها وكان في أزله قبل خلق المكان والزمان ولا مكان له ولا
زمان وهو الآن على ما عليه كان.اهـ الجامع لأحكام القرآن ج18 ص 215.