الثلاثاء مارس 18, 2025

الْكَبِيْرُ: هو الجليلُ كبيرُ الشَّأنِ واللهُ أكبرُ معناه أنَّ اللهَ أكبرُ مِنُ كلِّ شيءٍ قَدرًا فهوَ أقدرُ مِن كُلِّ قادرٍ وأَعلمُ مِن كلِّ عليمٍ، ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫﱬ([1]) وقالَ تعالى: ﱽ ﱾ  ﱿﲀ([2]) قالَ الرازيُّ: ﴿ وهو تَعالى يمتَنِعُ أنْ يكونَ كبيرًا بحسَبِ الجُثَّةِ والحجمِ والمِقدارِ فوَجَبَ أنْ يكونَ كبيرًا بحسَبِ القُدرةِ والمقاديرِ الإلهيةِ ثُمَّ وَصَفَ تعالى نفسَهُ بأنَّه المتعالِ وهو المنَزَّهُ عنْ كلِّ ما لا يجوزُ عليهِ وذلك يَدُلُّ على كونِهِ مُنزَّهًا في ذاتِهِ وصِفاتِهِ وأفعالِهِ فهذه الآيةُ دالَّةٌ على كونِهِ تعالى موصوفًا بالعلمِ الكامِلِ والقدرةِ التامَّةِ ومُنزَّهًا عن كلِّ ما لا يَنبغِي([3]).اهـ قال البيهقيُّ: قال اللهُ عزَّ وجَلَّ: ﱡﭐ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿﲀ([4]) ورَوَيناهُ في خبرِ الأَسامِي قال الحَلِيمِيُّ: ومعناه([5]) المرتفعُ عن أنْ يجوزَ عليه ما يجوزُ على المحدَثين مِنَ الأَزْواجِ والأولادِ والجوارحِ والأعضاءِ واتِّخاذِ السريرِ للجلوسِ عليه، والاحتِجابِ بالسُّتُورِ عَن أنْ تَنْفُذَ الأبصارُ إليه والانتقالِ مِن مكانٍ إلى مكانٍ ونحوِ ذلك فإنَّ إثباتَ بعضِ هذه الأشياءِ يُوجِبُ النِّهايةَ، وبعضِها يُوجِبُ الحاجةَ وبعضِها يُوجِبُ التغيُّرَ والاستحالةَ، وشيءٌ مِن ذلك غيرُ لائقٍ بالقديمِ ولا جائزٌ عليه([6])“.اهـ

فائدةٌ في تَنزِيهِ اللهِ عنِ الجسميةِ منْ كلامِ الإمامِ أحمدَ بنِ حنبلٍ :

نَفْيُ الجسميةِ عن اللهِ ممَّا أجمعَتْ عليه الأمةُ ومما نصَّ عليه السلفُ الصالحُ فقد نَقَلَ أبو الفَضْلِ التميميُّ البغداديُّ([7]) رئيسُ الحنابِلةِ في بغدادَ في زمانِهِ وابنُ رئيسِها([8]) أنَّ أحمدَ بنَ حنبلٍ أَنكَرَ على مَنْ قال بالجسمِ أي في حَقِّ اللهِ وقال إنَّ الأسماءَ مأخوذةٌ مِنَ الشريعةِ واللغةِ، وأهلُ اللغةِ وَضعُوا هذا الاسمَ أيِ الجسمَ لِذِى طولٍ وعَرضٍ وسَمْكٍ وتركيبٍ وصورةٍ وتأليفٍ، واللهُ سبحانه وتعَالَى خارجٌ عن ذلك كلِّهِ ولم يَجِئْ ذلك في الشريعةِ- أي ولم يَرِدْ إطلاقُ الجسمِ على اللهِ في الشرعِ فبَطَلَ أي إطلاقُ ذلك على اللهِ شَرْعًا ولغةً-“([9]).اهـ  ومعنى كلامِهِ إجمالًا أنَّ أسماءَ الأشياءِ تُعرَفُ إمَّا مِنَ اللغةِ وإمَّا مِنَ الشرعِ، فهناك أشياءُ عُرِفَتْ أسماؤُهَا مِن اللغةِ كالرَّجُلِ والفرسِ وأشياءُ عُرِفَتْ أسماؤُهَا مِن طريقِ الشرعِ مثلُ الصلاةِ الشرعيةِ. والجسمُ في اللغةِ يُطلَقُ على ما له طُولٌ وعَرضٌ وسَمْكٌ وتركيبٌ وصورةٌ وتأليفٌ واللهُ لا يُوصَفُ بشىءٍ مِن ذلك وإِلَّالَكَان مُشابِها لِخَلقِهِ وذلك ضِدُّ قولِهِ تَعَالى: ﱡﭐ ﱒﱓ   ([10]) ثم لو كان اللهُ جسمًا ذا طولٍ وعرضٍ وسمكٍ وتركيبٍ وصورةٍ وتأليفٍ لاحتاجَ لمن خَصَّصَهُ بذلك الطولِ وذلك العرضِ وذلك السَّمكِ وذلك التركيبِ وتلك الصورةِ، والمحتاجُ لا يَصِحُّ في العقلِ أنْ يكونَ إلهًا فمعنى الجسمِ لا يَجُوزُ وَصْفُ اللهِ بهِ شرعًا ولا عقلًا ولفظُ الجسمِ لم يَرِدْ في الشرعِ إطلاقُهُ عليه ولا يَجوزُ في الشرعِ تسميةُ اللهِ إِلَّابما سَمَّى بهِ نفسَهُ أي إلا بما ثَبَتَ في الشرعَ تسميتُهُ بهِ فبَطَلَ إطلاقُ ذلك على اللهِ تعَالَى، بل نَقَلَ صاحبُ الخِصالِ مِن الحنابلةِ عن الإمامِ أحمدَ نفسِهِ تكفيرَ مَنْ قال عن اللهِ جسمٌ لا كالأجسامِ ([11])، وهذا موافقٌ لما جاء عن باقِى الأئمةِ فقد ثَبَتَ عن الشافعيِّ تكفيرُ المجسِّمِ كما نَقَلَ عنه ذلك السيوطيُّ([12]) بل قالَ ابنُ حَجَرٍ الهيتميُّ: واعلمْ أَنَّ القرافيَّ وغيرَهُ حَكَوا عن الشافعيِّ ومالكٍ وأحمدَ وأبي حنيفةَ القولَ بكُفرِ القائلين بالجهةِ والتَّجسِيمِ وهمْ حقيقونَ بذلكَ([13]).اهـ أي بكُفرِ مَن يَنسُبُ إلى اللهِ سبحانه وتعَالَى الجسميةَ أو الكونَ في جهةٍ لأنَّه مِن معاني البشرِ، وقد ذَكَرَ الإمامُ أبو جعفرٍ الطَّحاوِيُّ في عقيدتِهِ التى ذَكَرَ أنَّها بيانٌ لِعقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعةِ أنَّ “مَن وَصَفَ اللهَ بمعنًى مِن مَعاني البشرِ فَقَد كَفَرَ([14])“.اهـ والجسميةُ والتركيبُ والصورةُ والهيئةُ كُلُّ ذلك مِن معاني البشرِ، وقال الإمامُ أبو الحَسَنِ الأشعريُّ: مَنِ اعتقدَ أنَّ اللهَ جِسمٌ فهو غيرُ عارِفٍ برَبِّهِ وإنَّهُ كافِرٌ بهِ([15]).اهـ

مَوْعِظَةٌ: رُويَ عن أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ الْخَثْعَمِيَّةِ رضي الله عنها، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: ((بِئْسَ الْعَبْدُ عَبْدٌ تَخَيَّلَ وَاخْتَالَ وَنَسِيَ الكَبِيرَ المتَعَالَ، وَبِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ تَجَبَّرَ وَاعْتَدَى وَنَسِيَ الْجَبَّارَ الأَعْلَى، بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ سَهَى وَلَهَى وَنَسِيَ المقَابِرَ وَالْبِلَى، بِئْسَ العَبْدُ عَبْدٌ عَتَا وَطَغَى وَنَسِيَ المبْتَدأَ وَالمُنْتَهَى([16]))).

فائدةٌ في معنى التكبيرِ: أمَّا معنى التكبيرِ وهُو قولُنا “اللهُ أَكْبَرُ“: أي أنَّ اللهَ أكبرُ مِن كلِّ كبيرٍ قَدْرًا وعَظمةً لا حَجمًا ومَسافةً، لأنَّ اللهَ مُنزَّهٌ عَنِ الحجمِ، ويَصِحُّ تفسيرُهُ بمعنى الكبيرِ فكلمةُ “اللهُ أكبرُ” على هذا مُرادفةٌ لكلمةِ “اللهُ كبيرٌ”، ولْيُحْذَرْ مِمَّا يفعلُهُ البعضُ عندَ التكبيرِ فإنَّهم يَمُدُّوْنَ أَلِفًا بعدَ الباءِ مِنَ التكبيرِ وهذَا لا يجوزُ فإنَّ المعنى يصيرُ فاسدًا، فتصيرُ الكلمةُ عندَهُم “أَكْبَار” بَدَلَ “أَكْبَر” وَأَكْبَار مُفْرَدُهَا “كَبَرٌ” وهوَ الطبلُ وهذَا لا شكَّ فِي فسادِهِ([17]).



سورة لقمان / 30. ([1])

سورة الرعد / 9. ([2])

التفسير الكبير ج 19  ص 16. ([3])

  سورة الرعد / 9.([4])

 أي اسم الله المتعال.([5])

الأسماء والصفات للبيهقي ج1 ص96. ([6])

 ([7]) أبو الفضل التميمي عبد الواحد بن عبد العزيز رئيس الحنابلة، قال الخطيب البغدادي: كان صدوقا، دفن إلى جنب قبر الإمام أحمد.اهـ توفي: سنة 410هـ.اهـ سير أعلام النبلاء للذهبي ج17 ص273، تاريخ بغداد ” 11 / 14، 15.

([8]) عبد العزيز بن الحارث التميمي، صنف في الأصول والفروع والفرائض، وكان له أولاد: أبو الفضل وأبو الفرج، وقيل إنه حج ثلاثًا وعشرين حجة، ولد سنة 317هـ وتوفي سنة 371هـ. اهـ طبقات الحنابلة لأبي يعلى ج2 ص120.

اعتقاد الإمام أحمد للتميمي ص45. ([9])

 سورة الشورى / 11.  ([10])

 تشنيف المسامع للزركشي ج4 ص 648.  ([11])

الأشباه والنَظائر في قواعد وفروع الفقه الشافعي للسيوطي باب صفة الأئمة. ([12])

المنهاج القويم لابن حجر الهيتمي ج2 ص 224. ([13])

العقيدة الطحاوية لأبي جعفر الطحاوي ص13. ([14])

ذكره في كتابه النوادر له. ([15])

سنن الترمذي ج 7 ص 161. ([16])

إعانة الطالبين للدمياطي ج1 ص20. ([17]