الْقَهَّاْرُ: هوَ
الذي قَهَرَ المخلوقاتِ بالموتِ ﭧﭐﭨﭐﱡ ﭐﲜ ﲝ ﲞ ﲟﱠ([1])
وقالَ اللهُ تعالى حكايةً عنْ سيدِنا يوسفَ عليهِ الصلاةُ والسلامُ: ﱡﭐﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧﱠ([2])([3])،
وَقالَ تعالى: ﱡﳆ ﳇ ﳈﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍﱠ([4])،
ينادي مَلَكٌ في أهلِ المحشرِ بينَ يديِ الساعةِ لِمَنِ الْمُلْكُ اليومَ فيقولُ
هذا الملكُ بعدَ ذلكَ: للهِ الواحدِ القهارِ([5]).
ذهبَ مُلْكُ الدنيا بمَا فيها وبقيَ مُلْكُ الواحدِ الدَّيَّانِ([6])
سبحانَه، فأينَ الجبابرةُ والأكاسرةُ عندَ ظهورِ هذا الخطابِ؟ وأينَ أهلُ الضلالِ
والإلحادِ؟ وأينَ إبليسُ وشيعَتُهُ؟ زهقتِ النفوسُ وتَلِفَتِ الأجسامُ والأشباحُ.
تَنْبِيْهٌ: وهنا يَحْسُنُ التنبيهُ إلى ما في بعضِ التفاسيرِ مِنْ أَنَّ اللهَ يسألُ
يومَ القيامةِ لِمَنِ الملكُ اليومَ، ثمَّ هوَ يجيبُ نفسَهُ للهِ الواحدِ القهارِ
فهذهِ الروايةُ غيرُ صحيحةٍ، وإنما الْمَلَكُ هوَ الذي ينادي لِمَنِ الملكُ اليومَ
ثُمَّ يجيبُ الملَكُ للهِ الواحدِ القهارِ وهذهِ الروايةُ أقربُ إلى الصحةِ. ومَنْ
شاءَ الاطلاعَ على عدمِ صحةِ أيِّ حديثٍ في نسبةِ الصوتِ إلى اللهِ
فليطالعْ ما أَلَّفَ الحافظُ أبو المكارمِ المقدسيُّ فقدْ أَلَّفَ جزءً
في تضعيفِ أحاديثِ الصوتِ على وجهِ التحقيقِ([7])، وكذلكَ ابنُ حجرٍ([8])
في الفتحِ نفى نسبةَ الصوتِ للهِ، والبيهقيُّ ([9])
رحمَهُ اللهُ قدْ صَرَّحَ بأَنَّهُ لا يصحُّ حديثٌ
في نسبةِ الصوتِ إلى اللهِ تعالَى، فينبغي التنبهُ مِنْ هذا كيْ لا يدخلَ إلى قلبِ امرئٍ بسببِ غفلتِهِ أو
جهلهِ وتَسَرُّعِهِ أَنَّ اللهَ تعالى يتكلمُ ثمَّ يسكتُ ثمَّ يتكلمُ -حاشا للهِ-
فمنِ اعتقدَ هذا فقدْ كذَّبَ الدينَ ونسبَ الشَّبَهَ للهِ. فكلامُ اللهِ تعالى واحدٌ لا
يَتعددُ ولا يَتجزأُ ولا يُبتدأُ ولا يُختتمُ ولا يَتَخَلَّلُهُ انقطاعٌ، ولا يصلُ
العبدُ إلى الإحاطةِ بحقيقةِ كلامِ اللهِ مهما تفكرَ وأطلقَ فكرَهُ في ساحاتِ
الوهمِ يصولُ أو يجولُ فإنَّهُ لا يصلُ، واللهُ الهادي إلى الصوابِ.
وليُعلمْ أَنَّ مِنْ أصولِ العقيدةِ اعتقادَ
أنَّ كلامَ اللهِ تعالى قديمٌ أزليٌ لا ابتداءَ لهُ وما كانَ كذلكَ فلا يكونُ حرفًا
ولا صوتًا ولا لغةً ولا يبتدأُ ولا يختتمُ، ولذلكَ لا يقالُ عنِ اللهِ ناطقٌ،
لأَنَّ النطقَ لا يكونُ إلا بحرفٍ وصوتٍ واللهُ لا يتكلمُ بحرفٍ وصوتٍ، بلْ يقالُ
متكلمٌ لأنَّه يتكلمُ بكلامٍ ليسَ بحرفٍ وصوتٍ. القرءانُ والتوراةُ والإنجيلُ
والزبورُ وسائرُ كتبِ اللهِ إنْ قُصِدَ بها الكلامُ الذاتيُّ فهيَ أزليةٌ ليستْ
بحرفٍ ولا صوتٍ، وإنْ قُصِدَ بها اللفظُ المنزلُ الذي بعضُهُ بلغةِ العربِ وبعضُهُ
بالعبرانيةِ وبعضُهُ بالسريانيَّةِ فهوَ حادثٌ مخلوقٌ للهِ، لكنَّها ليستْ مِنْ
تصنيفِ مَلَكٍ ولا بشرٍ، وهيَ عباراتٌ عنِ الكلامِ الذاتيِّ الذي لا يوصفُ بأَنَّه
عربيٌ ولا بأَنَّهُ عبرانيٌ ولا بأنَهُ سريانيٌ، وكلٌ يطلقُ عليهِ كلام اللهِ، أيْ
أَنَّ صفةَ الكلامِ القائمةَ بذاتِ اللهِ أي الثابتةَ لهُ يقالُ لها كلام اللهِ،
واللفظُ المنزلُ الذي هوَ عبارةٌ عنْ كلامِ اللهِ الذاتيِّ الأزليِّ الأبديِّ يقالُ
لهُ كلام اللهِ، فتبينَ أَنَّ القرءانَ لهُ إطلاقانِ أيْ لهُ معنيانِ، الأولُ
إطلاقُهُ على الكلامِ الذاتيِّ الذي ليسَ هوَ بحرفٍ ولا صوتٍ ولا لغةٍ عربيةٍ ولا
غيرِها، والثاني إطلاقُهُ على اللفظِ المنزلِ الذي يقرؤُهُ المؤمنونَ. وتقريبُ ذلكَ
أَنَّ لفظَ الجلالةِ (اللهَ) عبارةٌ عن ذاتٍ أزليٍّ قديمٍ أبديٍّ، فإذا قلنَا نعبدُ
اللهَ فذلكَ الذاتُ هوَ المقصودُ، وإذا كُتِبَ هذا اللفظُ فقيلَ: ما هذا؟ يقالُ
اللهُ، بمعنى أَنَّ هذهِ الحروفَ تدلَّ على ذلكَ الذاتِ الأزليِّ الأبديِّ، لا
بمعنى أَنَّ هذهِ الحروفَ هيَ الذاتُ الذي نعبدُهُ.
فائدةٌ: وردَ من حديثِ أمِّ المؤمنينَ عَائِشَةَ رضيَ اللهُ
عنها قَالَتْ: كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ إِذَا تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ قَالَ: ((لَا إِلَهَ
إِلَّا اللهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ، رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا
بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الغَفَّارُ))([10]).
تَعَارَّ مِنَ اللَّيْلِ أَيِ اسْتَيْقَظَ في اللَّيْلِ عِنْدَ تَقَلُّبِهِ([11]).
دُعَاءٌ: اللَّهُمَّ يَا قَهَّارُ عَلَيْكَ
بِأَعْدَائِكَ أَعْدَاءِ نَبِيِّكَ أَعْدَاءِ هَذَا الدِّيْنِ يَا اللهُ.
([3]) سيدنُا يوسفُ عليهِ السلامُ دعا إلى توحيدِ اللهِ
تعالى وهوَ في السجنِ وهذهِ دعوةُ جميعِ الأنبياءِ.
([6])أي الذي يحاسب
العباد، قال السندي: الديَّان: أي لا مجازي إلا أنا.اهـ حاشية السندي على البخاري
ج4 ص530
([8])
قال: لأن لفظ الصوت مما
يتوقف في إطلاق نسبته إلى الرب ويحتاج إلى تأويل .اهـ فتح الباري ج 1 ص 234.