الْفَتَّاْحُ:
هوَ الذي يَفتَحُ على خَلقِهِ ما
انغلَقَ عليهم من أمورِهِم فيُيَسِّرُها لهم فَضلًا منه وكَرَمًا ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐﲂ ﲃ ﲄ ﲅﱠ([1])،
قالَ الزجاجُ: “هوَ مِنْ قولِكَ
فتحتُ البابَ أفتحُهُ فتحًا ثمَّ كثرَ واتسعَ فيهِ حتى سُمِّيَ الحاكمُ فاتحًا
وذلكَ لأَنَّه يفتحُ المستغلقَ بينَ الخصمينِ” ([2])
.اهـ واللهُ تعالى ذِكْرُهُ فَتَحَ بينَ الحقِّ والباطلِ فَأَوْضَحَ الحقَّ وَبَيَّنَهُ
وأَدْحَضَ الباطلَ وأَبْطَلَهُ فهوَ الفتاحُ.
قالَ
ابنُ جزيّ([3]):
“الفتَّاحُ: خالقُ الفتحِ والنصرِ”([4]).
اهـ وقالَ البيهقيُّ:
“الفتاحُ: قالَ اللهُ عزَّ وجلَّ: ﱡﭐﲂ ﲃ ﲄ ﲅﱠ([5])
قالَ الحليميُّ: وهوَ الحاكمُ أي يفتحُ ما انغلقَ بينَ عبادِه ويميزُ الحقَّ مِنَ
الباطلِ ويعلي المحقَّ ويخزي المبطلَ، وقد يكونُ ذلكَ منهُ في الدنيا والآخرةِ قالَ
الخطابيُّ: ويكونُ معنى الفتاحِ أيضًا الذي يفتحُ أبوابَ الرزقِ والرحمةِ لعبادِه،
ويفتحُ المنغلقَ عليهمْ مِنْ أمورِهم وأسبابِهم، ويفتحُ قلوبَهم وعيونَ بصائِرِهم
ليبصروا الحقَّ، ويكونُ الفاتحُ أيضًا بمعنى الناصرِ كقولِه سبحانَه وتعالى: ﭐﱡﭐﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤﱺﱠ([6]) قالَ أهلُ
التفسيرِ: معناهُ إنْ تستنصرُوا فقدْ جاءَكم النصرُ([7])
([8]).اهـ
قالَ
اللهُ تعالى حكايةً عن سيدِنا شعيبٍ عليهِ السلامُ: ﱡﭐ ﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱤ ﱥ ﱦﱧ ﱨ ﱩ
ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱰ ﱱ ﱲﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸﱹ ﱺ ﱻ ﱼﱽ ﱾ
ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆﲇﱠ([9])، وقالَ
تعالى: ﭐﱡﭐﱺ ﱻ ﱼ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ
ﲄ ﲅﱠ([10]) قالَ
النسفيُّ: ﭐﱡﭐﱺ ﱻ ﱼ﴾
يومَ القيامةِ ﴿ﱾ ﱿ﴾
يحكمُ ﴿ﲀ ﲁ﴾
بلا جورٍ ولا ميلٍ ﴿ﲂ ﲃ﴾
الحاكمُ ﴿ﲄ﴾
بالحكمِ([11]).اهـ
وقالَ
تعالى: ﭐﱡﭐﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮ ﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳ
ﲴ ﲵ ﲶ ﲷ ﲸ ﲹ ﲺﲻ ﲼ ﲽ ﲾﲿﱠ([12]) فهوَ
الذي فتحَ أبوابَ الخيرِ على عبادِه وسَهَّلَ عليهم ما كانَ صعبًا، فتارةً يكونُ
الفتحُ في أمورِ الدينِ وهوَ العلمُ، وتارةً يكونُ في أمورِ الدنيا والرزقِ فيغني
فقيرًا وينصرُ مظلومًا ويكشفُ كربًا، فاللهُ الذي فتحَ على الطائعينَ أبوابَ طاعتِه
وفتحَ قلوبَهم بمحبتِه ومحبةِ رسولِه ﷺ،
واللهُ هوَ الذي فتحَ على العصاةِ التائبينَ أبوابَ التوبةِ والمغفرةِ.
مَنْ فتحَ اللهُ قلبَه للإيمانِ وجعلَه مِنْ
أوليائِه وأهلِ طاعتِه هنيئًا لهُ، كانَ بعضُ الصحابةِ قبلَ الإسلامِ يعادي رسولَ
اللهِ ﷺ
ويعادي المسلمينَ وبعدَ أنْ فتحَ اللهُ قلبَه للإيمانِ تجدُه مِنْ أكبرِ المدافعينَ
عنْ هذا الدينِ وتجري على يديهِ الكراماتُ فسبحانَ الفتاحِ العظيمِ، كعمرَ بنِ
الخطابِ قبلَ الإسلامِ كانَ يجلدُ بعضَ
المسلمينَ ممنْ آمنَ برسولِ اللهِ ﷺ
ليصدَّهم عنْ دينِهِمُ، ولكنَّ اللهَ تعالى فتحَ قلبَه بنورِ الهدايةِ وشرحَ صدرَه
للإيمانِ فكانَ بعدَ ذلكَ الفاروقَ عمرَ ، فاللهُ تعالى هوَ الفتاحُ العليمُ يفتحُ
على مَنْ يشاءُ مِنْ عبادِه، مَنْ صدقَ في الدعوةِ لدينِ اللهِ وخدمةِ الدينِ فاللهُ
تعالى يفتحُ عليهِ بما يشاءُ مِنَ الخيرِ يفتحُ اللهُ عليهِ مِنْ أبوابِ الخيراتِ
مِنْ شتى العلومِ، فربُّنا يفتحُ على مَنْ يشاءُ مِنْ عبادِهِ المخلصينَ، فَمَنْ فتحَ اللهُ عليهِ مِنْ أرزاقِ الدنيا فاستعملَ هذهِ
النِّعَمَ في طاعةِ اللهِ تعالى وشكرِ ربِّه فهذا عبدٌ موفقٌ وَفَّقَهُ اللهُ عزَّ
وجلَّ، ومَنْ فتحَ اللهُ عليهِ في العلمِ الشرعيِّ فاتقى اللهَ تعالى وعَمِلَ بما
تَعَلَّمَ وعَلَّمَ ما تَعَلَّمَ وعَلِمَ أَنَّهُ سَيُسْأَلُ يومَ القيامةِ عن
علمِه ماذا عملَ بهِ فهذا يكونُ ذكرُه عظيمًا في السماواتِ بينَ الملائكةِ فقدْ
رُوِيَ عن عيسى عليهِ الصلاةُ والسلامُ أنَّه قالَ: “مَنْ تَعَلَّمَ وَعَلَّمَ
وَعَمِلَ فَذَاكَ يُدْعَى عَظِيْمًا فِيْ مَلَكُوْتِ السَّمَاءِ“ ([13])
اهـ أيِ الذي يتعلمُ علمَ الدينِ أيِ العقيدةَ والأحكامَ وعَلَّمَ غيرَهُ
وعملَ هوَ بما تَعَلَّمَ ليسَ مجرد أَنَّه عرفَ الأحكامَ بلْ أَتْبَعَ عِلْمَهُ
بالعملِ تعلمَ علمَ الدينِ ولوِ الضرورياتِ فقطْ ثم عَلَّمَ غيرَه يسمى في السماءِ
بينَ الملائكةِ عظيمًا، وقدْ قالَ الإمامُ أحمدُ : زكاةُ العلمِ أنْ يُعَلَّمَ.اهـ
الإمامُ أحمدُ الرفاعيُّ([14])
رحمَه اللهُ فتحَ اللهُ عليهِ فتوحَ العارفينَ بهِ وأجرى خيرًا عظيمًا على قلبِه
فكانَ رضيَ اللهُ تعالى عنهُ مِنَ الأولياءِ الصالحينَ بلْ كانَ رأسَ أولياءِ
عصرِه بلا خلافٍ كمَا يقولُ الرافعيُّ والسيوطيُّ ([15])
وغيرُهما، ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ
ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎ ﱏﱐﱠ([16]).
([3])
هو أبو القاسم محمد بن أحمد بن جزي الكلبي الغرناطي ولد سنة
693هـ في غرناطة، تعلم العلم منذ صغره
وتفقه وكان إماما في التفسير والفقه والأصول واللغة وكان يحب الجهاد، ومات في
الجهاد مع صغر سنه سنة 741 هـ وعمره ثمان وأربعون سنة .اهـ الدرر الكامنة لابن حجر
ج5 ص89، نفح الطيب للمقري التلمساني ج5 ص514.
([14]) هو الشيخ أبو العباس أحمد بن الشيخ أبي الحسن علي بن رفاعة
المغربي المعروف بابن الرفاعي صاحب الكرامات وأستاذ الطائفة المعروفة. كان فقيها
شافعيا وقيل كان كتابه التنبيه. قدم أبوه من المغرب إلى العراق وسكن البطائح بقرية
يقال لها أم عَبيدة، ومات أبوه وهو حمل فرباه خاله. ولد سنة 500هـ وتوفي سنة 578هـ.اهـ
وفيات الأعيان لابن خلكان ج1 ص171.