الْسَّمِيْعُ: هوَ
السَّامعُ للسِّرِّ والنَّجوى بلا كيفٍ ولا ءالةٍ ولا جارحةٍ وهوَ سميعُ الدعاءِ
أي مجيبُهُ ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱹ ﱺﱠ([1])
فالسمعُ صفةٌ أزليةٌ ثابتةٌ لذاتِ اللهِ فهوَ يسمعُ الأصواتَ بسمعٍ أزليٍّ أبديٍّ
لا كسمعِنَا ليسَ بأذنٍ وصماخٍ، فهوَ تعالى لا يعزبُ أي لا يغيبُ عنْ سمعِه مسموعٌ
وإنْ خَفِيَ – أي علَيْنَا – وبَعُدَ – أي عنَّا -، كمَا يعلمُ بغيرِ قلبٍ. ودليلُ
وجوبِ السمعِ لهُ عقلًا أَنَّه لو لم يكنْ مُتَّصِفًا بالسمعِ لكانَ مُتَّصِفًا
بالصَّمَمِ وهوَ نقصٌ على اللهِ والنقصُ عليهِ محالٌ، فمنْ قالَ إِنَّه يسمعُ بأذنٍ
فقدْ كفرَ، أما حديثُ ((لَلَّهُ أَشَدُّ أَذَنًا([2])))،
فالأَذَنُ فِي اللُّغَةِ الاسْتِمَاعُ([3])
فهوَ يسمعُ هذهِ الأصواتَ الحادثةَ بسمعِه الأزليِّ الأبديِّ الذي ليسَ لوجودِه
ابتداءٌ ولا انتهاءٌ بلْ هوَ باقٍ دائمٌ كسائرِ الصفاتِ. يسمعُ اللهُ كلامَه
الأزليَّ بسمعٍ أزليٍّ ويسمعُ كلامَ المخلوقاتِ وأصواتَهم بسمٍع أزليٍّ ليسَ بسمعٍ
يحدثُ في ذاتِه عندَ وجودِ الحادثاتِ.
جاءتِ الصحابيةُ الجليلةُ خَولَةُ بنتُ
ثَعْلَبَةَ رضيَ اللهُ عنها تَشتَكي إلىَ رسولِ اللهِ ﷺ
زوجَها تُسِرُّ إليهِ بحدِيثِها وعائشةُ رضيَ اللهُ عنهَا في نَاحيةٍ مِنَ الغُرفةِ
لا تسمَعُ حديثَها([4])،
فأنزلَ اللهُ على رسولِه ﷺ
أوائلَ سورةِ المجادلةِ ﭐﱡ ﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ ﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒ ﱓﱔﱠ فسبحانَ
الذي وسعَ سمعهُ الأصواتَ كلَّها يَسمَعُ الْمَسموعاتِ كلَّها بسمعٍ أزليٍّ يليقُ
بهِ سبحانَه. وقدْ وردَ عنْ أَبي سعيدٍ قَالَ:
((كَانَ رسولُ اللهِ ﷺ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ كَبَّرَ ثُمَّ قالَ: سبْحَانَكَ
اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِكَ وَتَبَارَكَ اسْمُكَ وَتَعَالَى جَدُّكَ([5])
وَلَا إِلهَ غَيْرُكَ، ثم يقولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ ثَلاَثًاثُمَّ يقولُ
اللهُ أَكْبَرُ كَبِيرًا ثَلاَثًا أَعُوذُ بالله السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنَ الشَّيْطَانِ
الرَّجِيمِ مِنْ هَمْزِهِ ونَفْخِهِ ونَفْثِهِ ثُمَّ يَقْرَأُ)) ([6]).
وعنْ عُثْمَانَ بنِ عَفَّانَ قالَ: قالَ
رَسُولُ اللهِ ﷺ: ((مَا مِنْ عَبْدٍ يَقُولُ في صَبَاحِ كُلِّ يَوْمٍ وَمَسَاءِ
كُلِّ لَيْلَةٍ بِسْمِ الله الَّذي لا يَضُرُّ مَعَ اسْمِهِ شَيْءٌ في الأرْضِ وَلَا
في السَّمَاءِ وَهُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ ثَلاَثَ مَرَّاتٍ لم يضُرَّهُ شَيْءٌ))([7]). قالَ
البيهقيُّ: “عنْ أبي موسى الأشعريِّ قالَ: كنَّا معَ النبيِّ ﷺ
كلَّمَا أَشْرَفْنَا على وادٍ هَلَّلْنَا وَسَبَّحْنَا وارتفعتْ أصواتُنا فقالَ
النبيُّ ﷺ:
((يَا أَيُّهَا النَّاسُ ارْبَعُوْا عَلَى أَنْفُسِكِمْ إنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ
أَصَمَّ وَلَا غائِبًا إِنَّهُ مَعَكُمْ سَمِيْعٌ قَرِيْبٌ([8])))([9])
وهذا الحديثُ رُوِيَ عنْ محمَّدِ بنِ يوسفَ الفريابيِّ([10])
وأخرجَاهُ مِنْ أوجهٍ أُخَرَ ورواهُ خالدُ الحذاءُ عَنْ أبي عثمانَ وزادَ فيهِ: ((إِنَّ
الذِيْ تَدْعُوْنَ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنِقِ رَاْحِلَتِهِ)) وقالَ
الخطابيُّ: معناهُ أَنَّه قريبٌ بعلمِه مِنْ خلقِه قريبٌ مِمَّنْ يدعوهُ بالإجابةِ
كقولِه: ﱡﭐﲷﲸﲹﲺ ﲻ ﲼﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳊﱠ([11])([12]).اهـ
وفي إثباتِ صفةِ السمعِ جاءَ قولُ اللهِ
تعالى: ﱡﭐﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖﱗﱠ([13])، ففي هذهِ الآيةِ نَفَى الشبيهَ وأثبتَ السمعَ والبصرَ،
وفيها ردٌ على المشبهةِ الذينَ يُشَبِّهونَ اللهَ بخلقهِ وَرَدٌّ على المعطلةِ
الذينَ ينفونَ الصفاتِ عنِ اللهِ تعالى، فكلمةُ شىءٍ نكرةٌ وجاءتْ في سياقِ النفيِّ
فهذَا يفيدُ العمومَ أيْ لا يشبِهُ اللهُ خلقَهُ ولا بوجْهٍ مِنَ الوجوهِ.
فهذهِ
الآيَةُ ﴿ﱐ ﱑ ﱒ﴾ هيَ أصرحُ
ءايةٍ في القرءانِ في تنزيهِ اللهِ تعالى التنزيهَ الكليَّ والكافُ فِي ﴿ﱑ﴾ صلةٌ لتأكيدِ
النفيِ([14])
ففي الآيةِ نفيُ ما لا يليقُ باللهِ عنِ اللهِ. وأمَّا قولُه تعالى: ﴿ﱔ ﱕ ﱖ﴾ ففيهِ إثباتُ
ما يليقُ باللهِ، السمعُ صفةٌ لائقةٌ باللهِ والبصرُ كذلكَ، وإِنَّما قَدَّمَ اللهُ
تعالى في هذهِ الآيةِ التنزيهَ ونفى الشبيهَ على إثباتِ الصفةِ حتى لا يُتَوَهَّمَ
أَنَّ سَمْعَهُ وبَصَرَهُ كسمعِ وبصرِ غيرِهِ.
فَاْئِدَةٌ: معنَى قولِنَا فِي الصَّلاةِ (سَمِعَ اللهُ لِمَنْ
حَمِدَهُ) أَيْ أَجَابَ اللهُ دُعَاءَ مَنْ حَمِدَهُ وَمعنَى يَسمعُ اللهُ
لكمْ يستجيبُ دعاءَكُمْ([15]).
([4])
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ قَالَ: قَالَتْ عَائِشَةُ:
تَبَارَكَ الَّذي وَسِعَ سَمْعُهُ كُلَّ شَيْءٍ. إِنِّي لأَسْمَعُ كَلاَمَ
خَوْلَةَ بِنْتِ ثَعْلَبَةَ وَيَخْفَى عَلَيَّ بَعْضُهُ وَهِيَ تَشْتَكِي زَوْجَها
إِلَى رَسُولِ اللهِ. وَهِيَ تَقُولُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَكَلَ شَبَابِي وَنَثَرْتُ
لَهُ بَطْنِي حَتَّى إِذَا كَبِرَتْ سِنِّي وَانْقَطَعَ وَلَدِي ظَاهَرَ مِنِّي اللهُمَّ
إِنِّي أَشْكُو إِلَيْكَ فَمَا بَرِحَتْ حَتَّى نَزَلَ جبْرَائِيلُ بِهؤُلَاءِ
الآيَاتِ: ﴿ ﭐﱁ ﱂ ﱃ ﱄ ﱅ ﱆ ﱇ ﱈ ﱉ ﱊ ﱋ﴾ سورة المجادلة / 1، سنن ابن ماجه ج1
ص666.
([5]) واعلم
أنَّ قوله عليه الصلاة والسلام: ((وَتَعَالَى جَدُّكَ)) فيه تمجيد للهِ
وتقديس لذاته وليس بمعنى الجد الذي هو والد الأب عز اللهُ وتعالى أن يكون له ولد
أو والد إنما المراد عظمة الله وجلاله، ويأتي لفظ الجد بمعنى العظمة وهذا يليق
بالله تعالى كما سيأتي في شرح اسم الله العظيم، وفي القرآن أن الجن قالوا: ﭐﱡﭐ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣﱠ سورة الجن /3، ولا يكون موحدا من اعتقد أن (الجد) هنا تتعلق
بمعنى التوالد والتناسل.
([8]) هذا الحديث
يستفاد منه فوائد منها أن الاجتماع على ذكر الله كان في زمن الصحابة، فقد كانوا في
سفر فوصلوا إلى وادي خيبر فصاروا يهللون ويكبرون بصوت مرتفع فقال رسول الله ﷺ شفقة عليهم: ((ارْبَعُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ))
أي هونوا على أنفسكم ولا تجهدوها برفع الصوت كثيرا، ((فإِنَّكُمْ لَا تَدْعُونَ
أَصَمَّ وَلاَ غَائِبًا)) أي اللهُ تعالى يسمع بسمعه الأزلي كل المسموعات قوية
كانت أم ضعيفة في أي مكان كانت، وأما قوله ((وَلَا غَائِبًا)) فمعناه أنه
لا يخفى عليه شىء، وقوله: ((إِنَّكُمْ تَدْعُونَ سَمِيْعًا قَرِيْبًا وَالذِيْ
تَدْعُوْنَهُ أَقْرَبُ إِلَى أَحَدِكُمْ مِنْ عُنُقِ رَاحِلَةِ أَحَدِكُمْ))
ليس معناه القربَ بالمسافة لأن ذلك مستحيل على الله فالعرش والفرش الذي هو أسفل
العالم بالنسبة إلى ذات الله على حد سواء ليس أحدهما أقرب من الآخر إلى الله
بالمسافة، وإنما معناه أن الله أعلم بالعبد من نفسه وأن الله مطلع على أحواله.
([10]) الحافظ محمد بن يوسف الضبي بالولاء، الفريابي: عالم بالحديث أخذ
بالكوفة عن سفيان، ونزل قيسارية بفلسطين وتوفي بها. روى عنه البخاري 26 حديثا. ولد
سنة 120هـ وتوفي سنة 212هـ.اهـ
انظر الأعلام ج 7 ص 147.