الْرَّحْمَنُ:
وهوَ مِنَ الأسماءِ الخاصةِ باللهِ،
ومعناهُ أنَّ اللهَ شمِلَتْ رحمتُه المؤمنَ والكافرَ في الدنيا، وهوَ الذي يَرْحَمُ
المؤمنينَ فقط في الآخِرَةِ ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱋ ﱌ ﱍ ﱠ([1])،
فاللهُ تعالى أخبرَنا أنَّ رحمتَه في
الآخرَةِ خاصةٌ بالمؤمنينَ ﭧﭐﭨﭐﱡﭐ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱙ ﱚ ﱛ ﱜ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡ ﱢ ﱣ ﱠ([2])
وهذهِ الآيةُ دليلٌ على أنَّ اللهَ تعالى يَرْحَمُ
المؤمنينَ والكافرينَ في الدنيا، ومعنى رحمَتُهُ للكافرينَ أنْ يُعطيَهم الصحةَ
والرزقَ والهواءَ العليلَ والماءَ الباردَ وما أشبَهَ ذلك أمَّا في الآخرَةِ فهيَ
خاصةٌ بالمؤمنينَ، ومعنى قولِه تعالى: ﱡﭐ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱣ ﱠ
أي في
الدنيا، ﱡﱚ ﱣ ﱠ أي في الآخرةِ ﱡﱛ ﱜ ﱣ ﱠ أيْ يجتنبونَ الشِّرْكَ وجميعَ أنواعِ الكفرِ،
فرحمةُ اللهِ
وسِعَتْ في الدنيا المؤمنَ والكافرَ لكنَّها في الآخرةِ خاصةٌ لمنِ اتَّقى الشركَ
وسائرَ أنواعِ الكفرِ ([3]).
فمِنْ هنا علمنا
أنَّ اللهَ تعالى لا يرحمُ الكافرَ يومَ القيامَةِ إنما يَرحَمُه في هذه الدنيا،
فلا يَجوزُ أنْ يُتمسَّكَ بالجزءِ الأوَّلِ مِن هذه الآيةِ وهوَ قولُه تعالى: ﱡﭐ ﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱣ ﱠ([4])
ويُظَنَّ أنَّ
ذلكَ شاملٌ للدنيا والآخرةِ، إنَّما رحمةُ الله تعُمُّ وتشملُ المؤمنَ والكافرَ في
هذه الدنيا فقط أما في الآخرةِ فلا يَرحَمُ الكافرَ، وهذا التفسيرُ هوَ الموافقُ
للنصِّ القرآنيِّ وهوَ قولُ اللهِ تعالى: ﭐﱡﭐﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮﲲﱠ([5])، وموافقٌ للحديثِ الصحيحِ فَعَنْ عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ عنْ رسولِ
اللهِ ﷺ قالَ: ((إِنَّ اللهَ تَعَالَىٰ قَسَمَ بَيْنَكُمْ
أَخْلاَقَكُمْ كَمَا قَسَمَ بَيْنَكُمْ أَرْزَاقَكُمْ، فَإِنَّ اللهَ يُعْطِي الدُّنْيَا
لمنْ يُحِبُّ وَمَنْ لَا يُحِبُّ، وَلَا يُعْطِي الدِّينَ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ،
فَمَنْ أَعْطَاهُ اللهُ الدِّينَ فَقَدْ أَحَبَّهُ)) ([6])
وفي روايةٍ: ((وَإِنَّ اللهَ يُعْطِي الْمَالَ مَنْ يُحِبُّ وَمَنْ لا يُحِبُّ،
ولا يُعْطي الإيمانَ إِلَّا مَنْ يُحِبُّ)) ([7]).اهـ
فاللهُ تباركَ وتعالى فضلًا منهُ وكرمًا جعلَ رحمتَه في الدنيا عامَّةً شاملةً
للمؤمنينَ والكافرينَ، وجَعَلَهَا خاصةً في الآخرةِ بالمؤمنينَ دونَ الكافرينَ عدلًا
منهُ لأنَّه تباركَ وتعالى ليسَ مُلْزَمًا بشىءٍ، وعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ([8]): ((إِنَّ اللهَ لا يَظْلِمُ مُؤْمِنًا حَسَنَةً
يُعْطَى بِهَا فِي الدُّنْيَا وَيُجْزَى بِهَا فِي الآخِرَةِ، وَأَمَّا الْكَافِرُ
فَيُطْعَمُ بِحَسَنَاتِ مَا عَمِلَ بِهَا للهِ([9])
فِي الدُّنْيَا، حَتَّى إِذَا أَفْضَى إِلَى الآخِرَةِ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَةٌ
يُجْزَى بِهَا)).
فَاْئِدَةٌ: معنى قولِ اللهِ تعالَى في سورة الإسراء: ﭐﱡﭐ ﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅ ﲆ ﲇ ﲈ ﲉﲊ ﲋ ﲌ ﲍ ﲎ ﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﱠ قالَ النسفيُّ: ﭐﱡﭐﱽ ﱾ ﱿ ﲀ ﲁ ﲂ ﲕﱠ لَمَّا سمِعَه أبو جهلٍ يقولُ يا اللهُ يا رحمنُ قالَ:
إنَّه نهانا أنْ نعبدَ إلهينِ وهوَ يدعو إلهًا آخَرَ، فنزلَت. وقيلَ: إنَّ أهلَ
الكتابِ قالوا: إنَّك لَتُقِلُّ ذكرَ الرحمنِ وقد أكثرَ اللهُ في التوراةِ هذا
الاسمَ فنزلت. والمعنى سمُّوا بهذا الاسمِ أو بهذا، أو اذكروا إما هذا وإما هذا ﱡﲇ ﲈ ﲉ ﲕﱠ أي أيًّا ما تدعوا فهو حَسَنٌ”([10]).اهـ
وقالَ اللهُ تعالى: ﱡﭐﱧﱨﱩ ﱪﱫﱬ ﱭﱮﱯ ﱰﱱﱠ([11]) قالَ السيوطيُّ: “سورةُ الرحمنِ سميتْ في حديثٍ
عروسَ القرآنِ أخرجَه البيهقيُّ عن عليٍّ مرفوعًا”([12])([13]). واسمُ اللهِ
الرحمنُ مِن الأسماءِ الخاصةِ باللهِ تعالى التي لا يُسمَّى بها غيرُ اللهِ تعالى، فلا يجوزُ أن يُسمِّيَ شخصٌ
نفسَه أو ابنَه رحمانًا أمَّا عبدُ الرحمن فلا يَخفى أنَّه جائزٌ.
([3]) قال الدمياطي: (قوله: لرحمة الله الخاصة) أي لعباده المؤمنين في
الآخرة (وقوله: والعامة) أي في الدنيا لعباده المؤمنين والكافرين وللطائعين
والعاصين. قال في حاشية الجمل: وفي الخطيب: ﱡﭐﱕ ﱖ ﱗ ﱘﱣﱠ
سورة
الأعراف / 156، أي عمت وشملت كل شيء من خلقي في الدنيا، ما من مسلم ولا كافر ولا
مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في نعمتي، وهذا معنى حديث أبي هريرة في الصحيحين: ((إِنَّ
رَحْمَتِيْ سَبَقَتْ غَضَبِيْ)) وفي رواية: ((غَلَبَتْ غَضَبِيْ)) وأما في
الآخرة فقال: ﱡﱚ ﱛ ﱜﱠ الخ. اهـ الحاصل أن رحمة الله تعمّ
البرَّ والفاجر في الدنيا، وتخص المؤمنين في الآخرة.اهـ إعانة الطالبين للدمياطي ج 4 ص 323.