الْرَّؤُوْفُ: هوَ
شديدُ الرَّحمةِ قالَ تعالى: ﭐﱡﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱠ([1])،
فاللهُ تعالى رحمنٌ اللهُ تعالى رحيمٌ
اللهُ تعالى رؤوفٌ بنَا رحمتُه وسعتْ كلَّ شىءٍ، يرحمُ المؤمنَ والكافرَ في الدنيا
ويرحمُ المؤمنَ فقطْ بعدَ الموتِ، فعنْ أبي
هريرةَ قالَ: سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ
يقولُ: ((جَعَلَ اللهُ الرَّحمَةَ مِائِةَ جُزءٍ، فأمسَكَ عِندَهُ تِسعَةً
وتِسعِينَ، وأنزَلَ في الأرضِ جُزءًا واحِدًا، فمِن ذلكَ الجُزءِ يتَراحَمُ
الخَلائِقُ، حَتى تَرفَعَ الدَّابةُ حَاْفِرَهَا عَنْ وَلَدِهَا خَشيَةَ أَنْ
تُصِيبَهُ))([2]).
وفي روايةٍ: ((إِنَّ للهِ تعالى مِائَةَ رَحمَةٍ أنزَلَ مِنهَا رَحمَةً واحِدَةً
بَينَ الجِنِّ والإنسِ والبهائِمِ والهَوامِّ، فَبِهَا يَتَعاطَفُونَ وَبها
يَتَراحَمُونَ وَبها تَعطِفُ الوَحْشُ على وَلَدِهَا، وأخَّرَ اللهُ تعالى تِسعًا
وتِسعِينَ رَحمَةً يَرحَمُ بها عِبادَهُ يَومَ القِيامَةِ))([3])
، وفي روايةٍ: ((إِنَّ اللهَ تعالى خَلَقَ يومَ خلقَ السَّمَاواتِ والأرضَ
مِائةَ رحمةٍ كُلُّ رحمةٍ طِباقُ مَا بينَ السَّماءِ والأرضِ، فجَعَلَ منها في
الأرضِ رحمةً فَبِهَا تَعطِفُ الوالِدَةُ على وَلَدِها والوحشُ والطَّيرُ بعضُها
على بعضٍ، فإذا كانَ يومُ القيامةِ أَكْمَلَهَا بهذهِ الرحمةِ([4])))([5]).
ومِنْ صفاتِ نبينَا ﷺ في القرآنِ أَنَّه رؤوفٌ رحيمٌ قالَ
تعالى: ﱡﭐ ﲜ ﲝ ﲞ ﲟ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦ ﲧ ﲨ ﲩ ﲪﱠ([6]). وهوَ ﷺ نبيُّ الرحمةِ والمرحمةِ قالَ تعالى:
ﱡﭐ ﲀ ﲁ ﲂ ﲃ ﲄ ﲅﱠ([7]). ومِنْ صفةِ أمتِهِ ﷺ: أنها أمةٌ مرحومةٌ، قالَ اللهُ
تعالى فيهم: ﱡﭐ ﲿ ﳀ ﳁ ﳂ ﳃﱠ([8])، أيْ يرحمُ بعضُهم بعضًا، فبَعَثَهُ
ربُّهُ تعالى رحمةً لأمَّتِهِ ورحمةً للعالمينَ، وأمرَهم ﷺ بالتراحمِ فقالَ: ((إِنَّمَا
يَرْحَمُ اللهُ مِنْ عِبَادِهِ الرُّحَمَاءَ))([9])
وقالَ: ((الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوْا مَنْ فِي الأَرْضِ
يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ))([10])،
والمرادُ
بقولِهِ ﷺ “مَنْ فِيْ السَّمَاءِ”
الملائكةُ وليسَ اللهُ تعالى فاللهُ لا يحويهِ مكانٌ ولا يجري عليهِ زمانٌ، فمعنى
هذا الحديثِ
مُفَسَّرٌ
بالروايةِ الأُخرى لهُ وهيَ: ((ارْحَمُوْا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ))([11])،
لأنَّ خيرَ ما يُفسرُ بهِ الحديثُ الواردُ بالواردِ كمَا قالَ الحافظُ العراقيُّ
في ألفيتِه: وخيرُ مَا فسرتَه بالواردِ([12]).اهـ
ثُمَّ المرادُ بأهلِ
السماءِ الملائكةُ، ذكرَ ذلكَ الحافظُ العراقيُّ في أماليهِ عقيبَ هذا الحديثِ ونصُّ
عبارتِه: واستُدلَّ بقولِه: “أَهْلُ السَّمَاءِ” على أنَّ
المرادَ بقولِه تعالى في الآيةِ: ﱡﭐ ﱤ ﱥ ﱦ ﱧ ﱨ ﱩ ﱪ ﱫ ﱬ ﱭ ﱮ ﱯ ﱠ([13]) الملائكةُ.
اهـ لأنَّه لا يقالُ للهِ “أهلُ السماءِ”. و”مَنْ” تصلحُ
للمُفردِ وللجمعِ، ويقالُ مثلُ ذلكَ في الآيةِ التي تليها وهيَ: ﱡﭐ ﱰ ﱱ ﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶ ﱷ ﱸ ﱽ ﱠ([14]) فـ”مَنْ” في هذه
الآيةِ أيضًا أهلُ
السماءِ، فإِنَّ اللهَ يسلطُ على الكفارِ الملائكةَ إذا أرادَ أنْ يُحِلَّ عليهمْ
عقوبتَهُ في الدنيا كمَا أنَّهم في الآخرةِ همُ الموكلونَ بتسليطِ العقوبةِ على
الكفارِ لأنهم خَزَنَةُ جهنمَ وهمْ يجرُّونَ عُنُقًا مِنْ جهنمَ إلى الموقفِ
ليرتاعَ الكفارُ برؤيتِه. واللهُ تعالى كثيرُ الرحمةِ لكنْ رحمتُه لا تشملُ الكافرينَ
بعدَ الموتِ مهمَا عمِلوا في هذهِ الدنيا لأَنَّ الشرطَ لقبولِ الأعمالِ الصالحةِ
هوَ الإيمانُ باللهِ ورسولِه، فلا رحمةَ للكافرِ بعدَ الموتِ.
([4]) قال النووي: هذه الأحاديث من أحاديث الرجاء والبشارة للمسلمين،
قال العلماء: لأنه إذا حصل للإنسان من رحمة واحدة في هذه الدار المبنية على
الأكدار، الإسلام والقرءان والصلاة والرحمة في قلبه وغير ذلك مما أنعم الله به
عليه فكيف الظن بمائة رحمة في الدار الآخرة وهي دار القرار اهـ المنهاج
شرح صحيح مسلم بن الحجاج ج17 ص60