الْحَيُّ:
هوَ الذي لم يَزَل موجودًا وبالحياةِ
موصوفًا قالَ تعالى: ﭐﱡﭐ ﲠ ﲡ ﲢ ﲣ ﲤ
ﲥﲯﱠ([1])،
وقالَ الإمامُ الطحاويُّ: “وَمَنْ
وَصَفَ اللهَ بمعنًى مِنْ مَعَاني البَشَرِ فَقَدْ كَفَرَ”([2]).اهـ
إِنَّ مما نصَّ عليهِ القرءانُ والأحاديثُ
الصحيحةُ وأجمعتْ عليهِ الأمةُ وجاءَ بهِ الأنبياءُ ودعا إليهِ الإسلامُ أَنَّ
اللهَ سبحانَه وتعالى أزليٌ أبديٌ لا بدايةَ ولا نهايةَ لهُ وأَنَّه متصفٌ بصفاتٍ
أزليةٍ أبديةٍ، ومِنْ صفاتِه سبحانَه الحياةُ وهيَ صفةٌ ليستْ كصفاتِ الأحياءِ،
ليستْ بجسدٍ ولا روحٍ ولا قلبٍ ولا غذاءٍ ولا تنفسٍ ولا شرايين، وهوَ سبحانَه لا
يحتاجُ إلى طعامٍ ولا شرابٍ وهوَ يُطعِمُ ولا يُطعَمُ. والآياتُ التي تدلُّ على
صفةِ الحياةِ كثيرةٌ جدًا منها قولُه تعالى: ﭐﱡﭐ ﱖ ﱗ ﱘ ﱙ ﱚ ﱛ ﱤﱠ([3]) وقولُه
تعالى: ﱡﭐ ﲘ ﲙ ﳍﱠ([4])،
والدليلُ العقليُّ على وجوبِ حياتِه
سبحانَه وجودُ هذا العالمِ، فلو لم يكنْ حيًّا لم يوجَدْ شىءٌ مِنَ العالمِ،
لأَنَّ مَنْ ليسَ حيًّا لا يتصفُ بالقدرةِ والإرادةِ والعلمِ، لكنْ وجودُ العالمِ
ثابتٌ بالحسِّ والضرورةِ بلا شكٍ.
وأمَّا
مَا وردَ في القرءانِ الكريمِ في قولِ اللهِ تعالى:ﭐﱡﭐ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﳆ ﱠ([5])
فليسَ معناهُ أَنَّ اللهَ تعالى متصفٌ
بالروحِ، بلْ قالَ العلماءُ: مَنْ وصفَ اللهَ بالروحِ، أو قالَ إِنَّهُ روحٌ أو
قالَ إِنَّه يُشبِهُ الروحَ فهوَ مُكَذِّبٌ للهِ لأَنَّه شبَّهَهُ بخلقِه وهوَ
كافرٌ باللهِ العظيمِ، أمَّا تفسيرُ هذهِ الآيةِ الكريمةِ: ﭐﱡﭐ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﳆ ﱠ فهوَ كما سأُبَيِّنُ وَلَكِنْ لِيُعْلَمْ
أولًا أَنَّ اللهَ تعالى خالقُ الرّوحِ والجسدِ فليسَ روحًا ولا جسدًا، ومعَ ذلكَ
أضافَ اللهُ تعالى روحَ عيسى ﷺ
إلى نفسِه على معنى المِلكِ والتشريفِ لا للجزئيَّةِ في قولِه تعالى: ﭐﱡﭐ ﲽ ﲾ ﳆ ﱠ أي
أَمَرْنَا جبريلَ عليهِ السلامُ أنْ ينفخَ في مريمَ الرّوحَ الذي هوَ مِلكٌ لنا
ومشرَّفٌ عندنا. وكذلكَ مَا وردَ في حقِّ آدمَ عليهِ السلامُ، بقولِه تعالى: ﭐﱡﭐ ﲻ ﲼ ﲽ ﲾ ﲿ ﳀ ﳄ ﱠ([6])، قَالَ الفخرُ
الرازيُّ: وإنَّمَا أضافَ اللهُ سبحانَهُ روحَ آدمَ إِلَى نفسِهِ تشريفًا لَهُ([7])
وتكريمًا”([8]).
فكلتَا الإضافتينِ للتشريفِ معَ إثباتِ الملكِ أي أنهما مِلكٌ للهِ وخلقٌ لهُ، فإنْ
قيلَ: كلُّ الأرواحِ ملكٌ للهِ وخلقٌ لهُ فما فائدةُ الإضافةِ؟ قيلَ: فائدةُ
الإضافةِ الدِّلالةُ على شَرَفِهِما عندَ اللهِ. ولا يجوزُ عقلًا أْن يكونَ اللهُ
روحًا لأنَّ الرُّوحَ حادثٌ. الشىءُ يضافُ إلى اللهِ إمَّا بمعنى أنَّه خَلْقٌ لهُ
هوَ خَلَقَهُ وكَوَّنَه أو يضافُ إلى اللهِ على أنَّه صفتُه، فإذَا قلنَا: قدرةُ
اللهِ علمُ اللهِ، هذهِ الإضافةُ إضافةُ الصفةِ إلى الموصوفِ، أمَّا إذا قلنَا: ناقةُ
اللهِ بيتُ اللهِ هذهِ إضافةُ المِلكِ والتَّشريفِ. وقدْ نقلَ الإمامُ أبو منصورٍ البغداديُّ الإجماعَ على
أنَّ حياةَ الإلهِ بلا روحٍ، فقالَ ما نصُّهُ: وأجمعَ أهلُ السنةِ على أنَّ حياةَ
الإلهِ سبحانَهُ بلا روحٍ ولا اغتذاءٍ وأنَّ الأرواحَ كلَّها مخلوقةٌ([9])“، وقالَ الإمامُ المجتهدُ الحافظُ محمَّدُ بنُ
نصرٍ المروزيُّ([10]): “الروحُ مُحْدَثَةٌ بإجماعِ الأمَّةِ”.
فَاْئِدَةٌ: وردَ عنْ أنسِ بنِ مالكٍ قالَ: ((كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا كَرَبَهُ أَمْرٌ قَالَ: يَاْ حَيُّ يَاْ قَيُّوْمُ
بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيْثُ)) ([11]) وقدْ ثبتَ أنَّ الرسولَ ﷺ كانَ يومَ بدرٍ يكثرُ مِنْ قولِ: ((يَاْ حَيُّ
يَاْ قَيُّوْمُ)) وَعَنْ زيدِ بنِ ثابتٍ قالَ: شَكَوْتُ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ ﷺ أَرَقًا
أَصَابَنِي فَقَالَ: (( قُلْ اللَّهُمَّ غَارَتِ النُّجُومُ وَهَدَأَتِ
الْعُيُونُ وَأَنْتَ حَيٌّ قَيُّومٌ لاَ تَأْخُذُكَ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ يَا حَيُّ
يَا قَيُّومُ أَهْدِىء لَيْلِي وَأَنِمْ عَيْنِي فَقُلْتُهَا فَأَذْهَبَ اللهُ
عَني مَا كُنْتُ أَجِدُ)) ([12])، وقدْ جاءَ عنْ محمدِ بنِ عليٍّ الكتانيِّ([13])
رحمَهُ اللهُ تعالى أنَّهُ قالَ: رأيتُ النبيَّ ﷺ في النومِ، فقلتُ: ” يَا رسولَ اللهِ ادعُ
اللهَ ألَّا يميتَ قلبي قالَ: قلْ – كلَّ يومٍ أربعينَ مرةً – يَا حيُّ يَا
قيومُ لَا إلهَ إلَّا أنتَ فإنَّهُ لَا يموتُ قلبُكَ ويكونُ قلبُكَ حيًا([14]).اهـ
دعاءٌ: يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ يا حَيُّ يَا قَيُّومُ
يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ فرِّجْ عَنَّا مَا أَهَمَّنَا يَا اللهُ.
([10]) محمد بن نصر المروزي إمام في الفقه والحديث، كان من أعلم الناس
باختلاف الصحابة فمن بعدهم في الأحكام، ولد ببغداد سنة 202 هـ ونشأ بنيسابور وتوفي
بها سنة 294 هـ . الأعلام للزركلي ج7 ص125.