الأحد نوفمبر 3, 2024

الْحَمِيْدُ: هوَ المستحقُّ للحمدِ والثناءِ والمدحِ ﭧﭐﭨﱡﭐ ﲿ ([1])، وقالَ تعالَى: ﱡﭐﱆ ﱇ ﱈ ﱉﱊ([2]). فالحمدُ مستَحَقٌّ للهِ تعالى، فنحنُ نحمَدُ اللهَ أيْ نثني على اللهِ تعالى ونمدحُهُ بألسنَتِنَا على ما أَنْعَمَ بِهِ عَلَينَا مِنَ النِّعَمِ التي لَا نُحصِيهَا مِنْ غَيرِ وُجُوبٍ عَلَيهِ، وَالمعنَى إِثباتُ استِحْقَاقِ الحمدِ للهِ تعالى لأَنَّه المنعِمُ علَى الحقيقَةِ فَمَا مِنْ نِعمَةٍ إِلَّا وَهِيَ خَلْقٌ للهِ تعالى قالَ اللهُ تعالى: ﱡﭐ           ﳏﳐ              ([3]).

        أَنْعَمَ عَلَيْنَا بِالوُجُودِ وَأنْعَمَ عَلَيْنَا بِالحَوَاسِّ الخَمْسِ وَبِالعَقْلِ وَبِالمعْرَفَةِ بِمَعْرِفَةِ المنَافِعِ وَالمضَارِّ، يَخْرُجُ الإِنْسَانُ مِنْ بَطْنِ أُمِّهِ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا وَلَا يَتَكَلَّمُ وَلَا يَمْشِي وَلَا يُمَيِّزُ مَا يَنْفَعُهُ وَمَا يَضُرُّهُ، اللهُ تَعَالَى هُوَ الَّذِي أَنْطَقَ الإِنْسَانَ الَّذِي كَان نُطْفَةً ثُمَّ سَوَّاهُ رَجُلًا، فَالعَبْدُ وَمَا فِيهِ مِنْ نِعْمَةٍ مِلْكٌ للهِ تَعَالَى وَتَحْتَ تَصَرُّفِهِ، بَعْضُ النِّعَمِ يَشْتَرِكُ فِيهَا المؤمِنُونَ وَالكَافِرُونَ لَكِنَّ النِّعَمَ التي تنزلُ على الكَافِرِينَ تَعُودُ وَبَالًا عَلَيْهِمْ فِي الآخِرَةِ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُؤَدُّوا شُكْرَهَا لِلهِ تَعَالَى فَلِذَلِكَ هِيَ وَإِنْ كَانَتْ نِعْمَةً فِي الدُّنْيَا فَهِيَ نِقْمَةٌ عَلَيْهُمْ فِي الآخِرَةِ، بِمُجَرَّدِ أَنْ يُفَارِقُوا الحَيَاةَ حُرِمُوا رَحْمَةَ الله تَعَالَى لَا تَتَنَعَّمُ أَرْوَاحُهُمْ وَلَا أَنْفُسُهُمْ بَعْدَ الموْتِ اللهُ تَعَالَى يَقْطَعُ عَلَى الكُفَّارِ جَمِيعَ نِعَمِهِ، شُكْرُ المنْعِمِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالإِيمَانِ بِهِ وَبِرَسُولِهِ الَّذِي أَرْسَلَهُ لِيَتْبَعَهُ النَّاسُ، الكَافِرُ مَهْمَا أَحْسَنَ إِلَى النَّاسِ وَأَعَانَ الفُقَرَاءَ وَالملْهُوفِينَ لَا يَكُونُ شَاكِرًا لِلهِ الَّذِي خَلَقَهُ وَمَنَّ عَلَيْهِ بِالعَقْلِ، الشُّكْرُ الَّذِي فَرَضَهُ اللهُ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ وَرَضِيَهُ لَهُمْ لَيْسَ قَوْلَ: “الشُّكْرُ للهِ” بَلْ أَنْ لَا يَسْتَعْمِلَ نِعَمَهُ فِي مَعْصِيَتِهِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﱡﭐ     ﲸﲹ   ﲿ ﳀﳁ   ﳊﳋ   ﱅﱆ   ﱌﱍ ([4]).

فائدةٌ: عَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ  أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا رُفِعَ الْعَشَاءُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ قَالَ: ((الْحَمْدُ للهِ حَمْدًا كَثِيرًا طَيِّبًا مُبَارَكًا فِيهِ غَيْرَ مَكْفِيٍّ وَلاَ مُوَدَّعٍ وَلاَ مُسْتَغْنًى عَنْهُ رَبَّنَا))([5]). وورد عَنْ أَبِي أَيُّوبَ الأَنْصَارِيِّ  أَنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إِذَا أَكَلَ أَوْ شَرِبَ قَالَ: ((الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَطْعَمَ وَسَقَى وَسَوَّغَهُ وَجَعَلَ لَهُ مَخْرَجًا((([6]). وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ  قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ ﷺ إِذَا أَكَلَ طَعَامًا قَالَ: ((الْحَمْدُ للهِ الَّذِي أَطْعَمَنَا وَسَقَانَا وَجَعَلَنَا مُسْلِمِينَ))([7])، وَفِيْ حديثِ مُعَاذِ بنِ أنسٍ  قالَ: قالَ رَسُولُ اللهِ : ((مَنْ أكَلَ طَعامًا فقالَ الْحَمدُ للهِ الّذِي أَطْعَمَنِي هَذَا وَرَزَقَنِيهِ مِنْ غَيْرِ حَوْلٍ مِنِّي ولاَ قُوَّةٍ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ)) ([8]) .

فَاْئِدَةٌ: مِنْ أسماءِ سيدِنَا محمَّدٍ محمَّدُ وأحمدُ  وَاسمُهُ “مُحَمَّدُ” هوَ أشهرُ أسمائِهِ لإِنْبَائِهِ عَنْ كمالِ الحمدِ المنْبِئِ عنْ كمالِ ذاتِهِ وسُمِّيَ بهِ لكثرِةِ خِصَالِهِ الحَمِيدَةِ أو لأَنَّ اللهَ تعالى وملائكَتَهُ حمدوهُ حمدًا كثيرًا وقدْ حَمَى اللهُ هذا الاسمَ فَلَمْ يَتَسَمَّ بهِ أَحَدٌ مِمَّنِ ادَّعَى النبوةَ في الإسلامِ ولم يَتَسَمَّ بِهِ أحدٌ قَبْلَهُ وإِنَّما سَمَّتِ العربُ محمَّدًا قُرْبَ  مِيلَادِهِ  لما أخبرَ الأحبارُ أَنَّ نبيًّا يُبْعَثُ في ذلكَ الزمانِ يُسمَّى محمَّدًا فسَمَّوا أبناءَهُم بذلكَ وهمْ ستةٌ، ومِنْ أسمائِهِ “أحمدُ“، وأحمدُ ومحمَّدٌ أعظمُ أسمائِه وأبلغُها وإليها ترجعُ سائرُ صفاتِهِ لأَنَّ صيغةَ المبالغةِ محمَّدًا- تؤذنُ بالتضعيفِ والتكثيرِ وصيغةُ أفعلَ تنبئُ عنِ الوصولِ إلى غايةٍ ليستْ وراءَها غايةٌ إذْ معناهُ أحمدُ الحامدينَ لربِّهِ، وسببُهُ ما في صحيحِ البخاريِّ أَنَّه يُفْتَحُ عليهِ في المقامِ المحمودِ بمحامدَ لم يُفْتَحْ بها على أحدٍ قبلَهُ ويقالُ الأنبياءُ حَمَّادونَ وهوَ أَحْمَدُهُمْ أيْ أكثرُهم حمدًا وكانَ المصطفى أحمدَ قبلَ أنْ يكونَ محمَّدًا لأَنَّ تسميةَ أحمدَ وقعتْ في الكتبِ القديمةِ وتسميتُه محمَّدًا وقعتْ في القرءانِ وذلكَ أَنَّه حمدَ ربَّه قبلَ أنْ يحمدَه الناسُ وفي الآخرةِ يحمدُ ربَّه فَيُشَفِّعُهُ فيحمَدُهُ الناسُ، فقدْ خُصَّ بسورةِ الحمدِ ولواءِ الحمدِ وبالمقامِ المحمودِ وشُرِعَ له الحمدُ بعدَ الأكلِ والشربِ والدعاءِ والقدومِ مِنَ السفرِ وسميتْ أمتُهُ بالحَمَّادِيْن .



سورة لقمان / 26. ([1])

سورة الفاتحة / 2. ([2])

سورة النحل / 53. ([3])

سورة إبراهيم / 32-34. ([4])

 سنن الترمذي ج 9 ص 338.([5])

سنن ابن ماجه ج 10 ص 330. ([6])

مسند أحمد ج 3 ص 418. ([7])

 سنن الترمذي ج 9 ص 340.([8])