الْحَفِيْظُ:
معناهُ الحافِظُ لمنْ يَشاءُ مِنَ
الشرِّ والأَذَى والهَلَكَةِ ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﲸ ﲹ ﲺ ﲻ ﲼﲽﱠ([1])
وقال تعالَى: ﱡﭐﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱓﱠ ([2]) فاللهُ تعالَى
حَافِظُ السَّماواتِ والأَرْضِ ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﳆ ﳇ ﳈ ﳍﱠ([3]) وهو حافظٌ
للقرآنِ الكريمِ عنِ التَّحرِيفِ والتَّبدِيلِ قالَ تعالَى: ﭐﱡﭐﲇ ﲈ ﲉ ﲊ ﲋ ﲌ ﲍﲎﱠ([4]).
تَفْسِيْرُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
ﱡﭐﳆ ﳇ ﳈ ﳍﱠ: أي لا يُتعِبُ
اللهَ أي لا يَشُقُّ على اللهِ تعالَى حِفظُهُما أي حفظُ السمـٰواتِ والأرضِ مَعَ
أنَّهم أجرامٌ كبيرةٌ لأنَّ كلَّ شىءٍ اللهُ تعالَى خَلَقَهُ، فلا شىءَ أَصْعَبُ
على اللهِ مِن شىءٍ بل كلُّ الأشياءِ هَيِّنَةٌ على اللهِ كَمَا أنَّ خَلْقَ الذَّرَّةِ
هَيِّنٌ على اللهِ فَخَلْقُ السمـٰواتِ والكُرْسِيِّ والعَرشِ الذي هو أعظمُ
المخلوقاتِ حجمًا بالنسبةِ إلى قدرةِ اللهِ تعَالى على حَدٍّ سَوَاء. قال البَغَوِيُّ: “ ﱡﭐﳆ ﳇ ﳍﱠ
أي لا يُثْقِلُهُ ولا يَشُقُّ عليه يُقالُ:
آدَنِي الشىءُ أي أَثْقَلَنِي ﱡﳈ ﳍﱠ
أي حِفظُ السماواتِ والأرضِ “([5]).اهـ
وقال الطَّبريُّ ما نَصُّهُ: “قال أبو جعفرٍ: يعني -تعالى ذِكْرُهُ- بقولِهِ:
ﱡﭐﳆ ﳇ ﳈ ﳍﱠ ولا
يَشُقُّ عليه ولا يُثْقِلُهُ “([6]).اهـ فَبَانَ واتَّضَحَ
أنَّ اللهَ سُبحانَه وتَعالى مُنزَّهٌ عَن كلِّ ما كَانَ مِن صفاتِ المخلوقينَ وسِمَاتِ
الحَوادِثِ لأنَّهُ لو كان يَلْحَقُهُ تَعَبٌ أو مَشقَّةٌ في حِفظِ السمـٰواتِ
والأرضِ لَكانَ عَاجِزًا، وقد قال اللهُ تَعَالَى: ﱡﭐﱲ ﱳ ﱴ ﱵ ﱶﱷﱠ([7])وقالَ: ﭐﱡﭐﳠ ﳡ ﳢ ﳣ ﳤ ﳥ ﳦﱠ([8]) وقالَ: ﭐﱡﭐﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲛﲟﱠ([9]) فاللهُ
سُبحانَهُ وتَعَالى لا يَلْحَقُهُ تَغَيُّرٌ لأنَّهُ ليسَ جسمًا وليس حجمًا وليس جَسَدًا
وليسَ صُورةً وليسَ هَيئةً وليسَ كميَّةً وهُوَ مُنزَّهٌ عنِ الإحساسِ واللَّذَّةِ
والألمِ والانزعاجِ والانبساطِ والشعورِ، قَالَ الحُسَيْنُ بنُ عَلِيِّ بنِ أَبِي
طَالِبٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا فِي تَنْزِيهِ اللهِ: “لَا يُعْرَفُ
بِالحَوَاسِّ وَلَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ، نُوَحِّدُهُ ولا نُبَعِّضُهُ([10])“.
وَمَعْنى “لَا يُعْرَفُ بِالحَوَاسِّ” أَيْ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ
الأَعْضَاءِ وَالجَوَارِحِ وَالشَّمِّ وَالذَّوْقِ، وَمَعْنى “نُوَحِّدُهُ
وَلَا نُبَعِّضُهُ” أَيْ لَا نَعْتَقِدُ أَنَّهُ يَقْبَلُ التَجَزُّءَ وَالقِسْمَةَ
لِأَنَّهُ لَيْسَ جِسْمًا فَلَا يَتَجَزَّأُ وَلِأَنَّهُ لَيْسَ مُرَكَّبًا
مُؤَلَّفًا كَالإِنْسَانِ بَلِ اللهُ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىءٌ، وَقَالَ ابْنُهُ
زَيْنُ العَابِدِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا: “لَا إلٰه إِلَّا أَنْتَ لَسْتَ
بمحدودٍ فَتُحَدُّ، لَا تُحَسُّ وَلَا تُمَسُّ وَلَا تُجَسُّ لَا إلٰه إِلَّا
أَنْتَ سَبْحَانَكَ لَا يَحْوِيكَ مَكَانٌ([11])“.
وَمَعْنى “لَسْتَ بمحدودٍ” أَيْ لَيْسَ لَكَ كَمِّيَّةٌ بِالمرَّةِ لَا
صَغِيرَةٌ وَلَا كَبِيرَةٌ وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُتْعِبُهُ خَلْقُ
العَرْشِ والسمٰواتِ وَالأَرْضِ وَالعَالَمِ بَأسْرِه، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَحِفْظُهُ
لِلعَرْشِ وللسمٰواتِ وَالأَرْضِ لَا يُتْعِبُهُ مِنْ بَابِ أَولَى لِأَنَّ اللهَ
عَزَّ وَجَلَّ لَا يُوجِدُ الأَشْيَاءَ بالمماسةِ وَالمبَاشَرَةِ بَلْ يُوجِدُ
الأَشْيَاءَ بِقُدْرَتِهِ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ يَحْفَظُ العَرْشَ بِقُدْرَتِهِ مِنْ
أَنْ يَنْفَلِتَ وَيَقَعَ عَلَى السمٰواتِ وَالأَرْضِ وَلَوْ شَاءَ اللهُ لِلعَرْشِ
أَنْ يَقَعَ عَلَى مَا تَحْتَهُ لَطَحَنَ السمٰواتِ وَالأَرْضَ وَلَكِنَّه
مَحْفُوظٌ بِقُدْرَةِ اللهِ، فالسمٰواتُ السَّبْعُ وَالأَرَضِين السَّبْعُ
كُلُّهَا مَحْفُوظَةٌ بِقُدْرَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا بِعَمَدٍ مِنْ تَحْتِهَا
وَلَا بِسَلَاسِلَ تُمْسِكُهَا مِنْ فَوْقِهَا. وَقَدْ قَالَ
الإِمَامُ أَبُو حَنِيفَةَ مَا نَصُّهُ:
“نُقِرُّ بِأَنَّ اللهَ عَلَى العَرْشِ اسْتَوَى مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ
لَهُ حَاجَةٌ إِلَيْهِ وَاسْتِقْرَارٌ عَلَيْهِ وَهُوَ الحَافِظُ لِلعَرْشِ
وَغَيْرِ العَرْشِ مِنْ غَيْرِ احْتِيَاجٍ، فَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا لَمَا قَدَرَ
عَلَى إِيجَادِ العَالَمِ وَتَدْبِيرِهِ كَالمخْلُوقِ، وَلَوْ كَانَ مُحْتَاجًا
إِلَى الجُلُوسِ وَالقَرَارِ فَقَبْلَ خَلْقِ العَرْشِ أَيْنَ كَان الله تَعَالَى،
تَعَالَى عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا” ([12])
اهـ ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﲏ ﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕﲝﱠ([13])،
وقالَ تعالَى: ﭐﱡﭐﲐ ﲑ ﲒ ﲓ ﲔ ﲕ ﲖ ﲗ ﲘ ﲙ ﲚ ﲶﱠ([14])
أَيْ بِأَمْرِهِ فَجَعَلَ الله تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ مَلَائِكَةً
يَحْفَظُونَهُمْ عِنِ الآفَاتِ فَالحَفِيظُ هُوَ الَّذِي صَانَكَ فِي حَالِ
الشَّكْوَى وَالمِحْنَةِ، وَالحَفِيظُ هُوَ الَّذِي هَدَاك لِلتَّوْحِيدِ،
وَالحَفِيظُ هُوَ الَّذِي حَفِظَ سِرَّكِ وَنَجْوَاكَ وَصَانَ ظَاهِرَكَ، وَقَدْ
قَالَ بَعْضُهُمْ: “مَا مَنْ عَبْدٍ حَفِظَ جَوَارِحَهُ إِلَّا حَفِظَ اللهُ
عَلَيْهِ قَلْبَهُ وَمَا مِنْ عَبْدٍ حَفِظَ اللهُ عَلَيْهِ قَلْبَهُ إِلَّا جَعَلَهُ
حُجَّةً عَلَى عِبَادِهِ”([15]).اهـ
وَكَانَ بَعْضُ العُلَمَاءِ قَدْ جَاوَزَ المِائَةَ سَنَة وَهُوَ مُمَتَّعٌ
بِقُوتِهِ وَعَقْلِهِ فَوَثَبَ يَوْمًا وثبةً شَدِيدَةً فَعُوتِبَ فِي ذَلِكَ
فَقَالَ هَذِهِ جَوَارِحُ حَفِظْنَاهَا عَنِ المعَاصِي فِي الصِّغَرِ فَحِفِظَهَا
اللهُ عَلَيْنَا فِي الكِبَرِ ([16]).اهـ وقدْ رُويَ عن
مجاهدٍ قالَ: خَرَجْتُ إلى الغَزْوِ فَشَيَّعَنَا
عبدُ الله بنُ عُمَرَ رضي الله عنهما فلمَّا أرادَ فِرَاقَنَا قالَ: إنَّهُ ليسَ
مَعِي مَا أُعْطِيْكُمَاهُ ولَكِنِّي سمعتُ رسولَ اللهِ ﷺ يقولُ: ((إِنَّ اللهَ
إذَا اسْتُوْدِعَ شيئًا حَفِظَهُ))، وأَنَا أَسْتَوْدِعُ الله دِيْنَكُمَا
وأَمَانَاتِكُمَا وخَوَاتِيمَ أَعْمَالِكُمَا. ([17])
لَطِيْفَةٌ
تَدُلُّ عَلَى حِفْظِ اللهِ تَعَالَى:
قالَ تاجُ الدينِ السبكيُّ: ورُوِيَ أَنَّ نَاسًا ضربوا أحدَ الفقهاءِ بالسيوفِ فَلَمْ
تَقْطَعْ سيوفُهُم فيهِ فَسُئِلَ عن ذلكَ فقالَ كنتُ أقرأُ سورةَ “يس”
والمشهورُ أَنَّه سُئِلَ عن ذلكَ فقالَ: كنتُ أقرأُ: ﭐﱡﭐﳆ ﳇ ﳈﳉ ﳊ ﳋ ﳌﳍﱠ([18])
ﱡﭐﱌ ﱍ ﱎﱏ ﱐ ﱑ ﱒﱓﱠ([19]) ﭐﱡﭐﱝ ﱞ ﱟ ﱠ ﱡﱢﱠ([20])
ﭐﱡﭐﱐﱑ ﱒ ﱓ ﱔ ﱕﱖﱠ([21])
ﭐﱡﭐﱌ ﱍ ﱎ ﱏ ﱐ ﱑﱒﱠ([22])
ﭐﱡﭐﲞ ﲟ ﲠ ﲡﲢ ﲣ ﲤ ﲥ ﲦﲧ ﲨ ﲩ ﲪ ﲫ ﲬ ﲭ ﲮﲯ ﲰ ﲱ ﲲﲳﱠ([23])
إلى آخرِ السورةِ، قالَ ابنُ
السبكيِّ: وكانَ يقولُ كنتُ خرجتُ يومًا معَ جماعةٍ فرأينا ذئبًا يلاعبُ شاةً
عجفاءَ ولا يضرُّهَا بشيءٍ فلمَّا دَنَوْنَا نَفَرَ عنهَا الذئبُ فوجَدْنَا فِي رَقَبَةِ
الشاةِ كتَابًا مربوطًا فَحَلَلْنَاهُ فَقَرَأْنَا فيهِ هذهِ الآياتِ([24]).اهـ