الجمعة نوفمبر 8, 2024

الْبَصِيْرُ: أيْ أَنَّه تعالى يرى المرئياتِ كلَّها بلا كيفٍ ولا ءالةٍ ولا جارحةٍ قالَ تعالى: ﴿ﱔ ﱕ ﱖ([1])، فيجبُ للهِ تعالى عقلًا البصرُ أيِ الرؤيةُ فهوَ يرى برؤيةٍ أزليةٍ أبديةٍ المرئياتِ جميعَها ويرى ذاتَهُ بغيرِ حدقةٍ وجارحةٍ لأَنَّ الحواسَّ مِنْ صفاتِ المخلوقينَ، والدليلُ على ثبوتِ البصرِ لهُ عقلًا أَنَّه لوْ لم يكنْ بصيرًا رائيًا لكانَ أعمًى والعَمَى أيْ عدمُ الرؤيةِ نقصٌ على اللهِ والنقصُ عليهِ مستحيلٌ.

فالبصرُ صفةٌ أزليةٌ أبديةٌ واللهُ يرى كلَّ موجودٍ بلا استثناءٍ، فهوَ تباركَ وتعالى يرى نفسَه الأَزَلِيَّ ويرى الحادثاتِ برؤيتِه الأزليةِ ([2]). ﭧﭐﭨﭐﱡﭐﱘ ﱙ ﱚ ([3])، وقدْ قالَ في حديثِ جبريلَ عليهِ السلامُ عندما سأَلَه عنِ الإحسانِ: ((أنْ تَعْبُدَ الله كأَنَّك تَراهُ فإن لَمْ تَكُنْ تَراهُ فإِنَّه يَراكَ))([4]) ومعنى ما قَالَه جبريلُ عليهِ السلامُ: ((فَأَخْبِرْنِي عَنِ الْإِحْسَانِ)) أي أخبرني عنْ أخصِّ مراتبِ الإحسانِ الإحسانُ مراتبُ الإحسانُ معناه أنْ يعملَ الإنسانُ الأعمالَ الحسنةَ، فالإيمانُ باللهِ حَسَنٌ والإيمانُ بالرسولِ حَسَنٌ وإقامُ الصلاةِ حَسَنٌ وإيتاءُ الزكاةِ حَسَنٌ ولكنِ الأمورُ لها مراتبُ، يكونُ إنسانٌ محسنًا ويكونُ إنسانٌ أكثرَ منهُ إحسانًا وَهكذَا، ((فَأَخْبِرْنِيْ عَنِ الإِحْسَانِ)) معناهُ عنْ أعلى مراتِبِه أخصِّ مراتِبِه قَالَ : ((أَنْ تَعْبُدَ اللهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ)) ولا يخفى أَنَّ العبدَ إذا كانَ يرى مولاهُ يحصُل لهُ النهايةُ مِنَ الخشوعِ والتذللِ، إذًا المطلوبُ أعلى درجاتِ الإحسانِ أنْ يصلَ الإنسانُ إلى عبادةِ اللهِ كأَنَّه يراهُ، هوَ لا يراهُ لكنْ كأَنَّه يراهُ هذا أعلى درجاتِ الإحسانِ أخصُّ أنواعِه، كانوا يقولونَ عنْ بعضِ الناسِ مِنْ شدةِ إِقْبَالِهم على الطاعةِ ومِنْ شدةِ خشيتِهم للهِ لو قيلَ لهُ تموتُ غدًا لوْ فَرَضْنَا أَنَّه عرفَ أَنَّه يموتُ غدًا مَا كانَ عندَهُ أنْ يزيدَ شيئًا على ما يفعلُه مِنَ الطاعاتِ مِنْ شدةِ إقبالِهِ على طاعةِ اللهِ ومِنْ شدةِ خشيتِه مِنَ اللهِ ومِنْ شدةِ استحضارِه لهذا المعنى وهوَ أَنَّ اللهَ مَطَّلِعٌ عليهِ ويراهُ، مثلُ هؤلاءِ الناسِ وصلوا إلى الدرجاتِ العاليةِ العاليةِ بحيثُ إِنَّهم فى كلِّ أوقاتِهم قلوبُهم مشغولةٌ بطاعةِ اللهِ وبعبادتِه والتذللِ لهُ سبحانَه وشدةِ الخشيةِ لهُ ([5])، إذا استحضرَ الإنسانُ هذا فى قلبِه هذا يكونُ مِنْ خيرِ العونِ لهُ على طاعةِ اللهِ عزَّ وجلَّ، سهلُ بنُ عبدِ اللهِ التستريُّ ([6]) كانَ لهُ خالٌ منَ الأكابرِ كانَ يربيهِ تربيةً حسنةً فقالَ لهُ وهوَ فى السابعةِ من عُمُرِهِ: “يا سهلُ قلْ ([7]) فى قلبكَ كلَّ قليلٍ ([8]): اللهُ يراني اللهُ يراني، سهلٌ كانَ مطيعًا، بقيَ سنةً يرددُ في قلبِه كلَّ قليلٍ: اللهُ يراني اللهُ يراني اللهُ يراني بعدَ سنةٍ قالَ لهُ: “يا سهلُ مَنْ كانَ يعلمُ أَنَّ اللهَ يراهُ وأَنَّ اللهَ مطلعٌ عليهِ هل يعصيهِ؟ فانتفعَ بذلكَ انتفاعًا عظيمًا بعدَ ذلكَ صارَ مِنْ أكابرِ أولياءِ هذهِ الأمةِ ، لأَنَّه راقبَ اللهَ تباركَ وتعالى في أوقاتِه كلِّها يعني دائمًا يستحضرُ في قلبِه أَنَّه لا يعصي اللهَ تباركَ وتعالى خوفًا مِنَ اللهِ إجلالًا للهِ طاعةً للهِ لأَنَّ اللهَ عالمٌ بهِ لأَنَّ اللهَ يراهُ.

       اللهُ يرانا ونحنُ في الدنيا لا نرى اللهَ تعالى بأعينِنَا قالَ اللهُ تعالى لموسى عليهِ السلامُ:  ﱡﭐ ﲫ ﲬ ﳊ([9]) أي بالأعينِ الفانيةِ في الدنيا، فهوَ لا يُرى بالأعينِ الفانيةِ في الدنيا وإنما يُرى بالأعينِ الباقيةِ في الآخرةِ يراهُ المؤمنونَ وهمْ في الجنةِ بأعينِ رؤوسِهِم بلا كيفيةٍ ولا تشبيهٍ ولا كميةٍ ودونَ أنْ يكونَ بينَهُ وبينَ خلقِهِ مسافةٌ كما قالَ أبو حنيفةَ  ([10]).

تنبيهٌ: ويحرمُ أنْ يقالَ كمَا شاعَ بينَ الجُهَّالِ مِنْ قولِهم: “افتحِ النافذةَ لنرى وجهَ اللهِ” لأنَ اللهَ تعالى قالَ لموسى: ﱡﭐ ﲫ ﲬ ﳊ([11])، ولوْ لم يكنْ قصدُ الناطقينَ بهِ رؤيةَ اللهِ فهوَ حرامٌ لا يجوزُ أنْ يقالَ.



([1])  سورة الشورى / 11.

 ([2])تنبيه: لا يقال إنه تعالى رأى العالم في الأزل، لأنه لو قيل ذلك لاقتضى وجود العالم في الأزل وهو محال، وبعد وجود العالم نقول بأنه رأى العالم برؤيته الأزلية مع حدوث العالم، وهذا التغير وقع في المضاف إليه لا في المضاف.

 سورة الأنعام / 103.([3])

 سبق تخريجه.([4])

([5])  كما ينقل عن صفوان بن سليم t، كما في إحياء علوم الدين للغزالي ج 4 ص 346.

 ([6]) سهل بن عبد الله بن يونس التستري، أبو محمد: أحد أئمة الصوفية وعلمائهم والمتكلمين في علوم الإخلاص وعيوب الأفعال، له كتاب في تفسير القرآن، ولد سنة مائتين وتوفي سنة 283هـ.اهـ انظر الأعلام ج 3 ص 143.

 أي ردد.([7])

 أي كل فترة قليلة.([8])

 سورة الأعراف / 143.([9])

 ([10]) قال في الفقه الأكبر ((والله تعالى يرى في الآخرة ويراه المؤمنون وهم في الجنة بأعين رؤوسهم بلا تشبيه ولا كيفية ولا كمية ولا يكون بينه وبين خلقه مسافة)) اهـ انظر شرح كتاب الفقه الأكبر للملا على القاري ص176.

 سورة الأعراف / 143.([11]