الْبَاْطِنُ: هوَ
الذي لا يستولي عليهِ تَوهُّمُ الكيفيةِ وهوَ خالقُ الكيفيَّاتِ والصُّوَرِ قالَ
تعالى: ﱡﭐ ﳇﳍ ﱠ([1])
وليعلمْ أَنَّ محورَ الاعتقادِ ليسَ على الوهمِ([2])
أى أَنَّ الاعتقادَ لا يُبْنَى على الوهمِ، وهوَ قياسُ ما لم يرَهُ على ما رءاهُ مِنْ
غيرِ حجةٍ، وقدْ يكونُ تخيلًا كمَا قدْ يكونُ غيرَ ذلكَ. بلْ يبنى الاعتقادُ على
ما يقتضيهِ العقلُ الصحيحُ السليمُ الذى هوَ شاهدٌ للشرعِ أىْ يدلُّ على صحةِ
الشرعِ، فالوهمُ
والتخيلُ قدْ يجتمعانِ مِنْ حيثُ المعنى، فمحورُ اعتقادِ المسلمِ ليسَ على الوهمِ
لأَنَّ الوهمَ يحكمُ على مَا لم يشاهدْهُ بحكمِ مَا شاهَدَهُ، فيحكمُ بأَنَّ
اللهَ موجودٌ بمكانٍ، أمَّا العقلُ السليمُ فيقضي بأَنَّ اللهَ موجودٌ بلا مكانٍ،
وقدْ يغلبُ وهمُ الشخصِ عقلَهَ فإذَا كانَ هذا بأمرِ العقيدةِ فإِنَّ صاحبَه
يهلِكُ والعياذُ باللهِ تعالى. قالَ ابنُ عساكرَ([3])
رحمَهُ اللهُ في العقيدةِ المرشدةِ عنِ اللهِ عزَّ وجلَّ: “وَلَا يلْحقُهُ
وهم وَلَا يكتَنِفُهُ عقلٌ وَلَا يتخصصُ بالذهنِ وَلَا يتَمَثَّل فِي النَّفسِ
وَلَا يتَصَوَّر فِي الْوَهمِ وَلَا يتكيفُ فِي الْعقلِ لَا تلْحقُهُ الأوهامُ
والأفكارُ ﱡﭐ ﱐ ﱑ ﱒﱓ ﱔ ﱕ ﱖ ﱗ ﱠ“.
([4])
وهوَ بمعنى قولِ الصدِّيقِ أبي بكرٍ : حيثُ قالَ المناويُّ: سئلَ الصدِّيقُ
عنِ اللهِ تعالى هلْ يمكنُ بشرٌ أنْ يدركَه؟ فقالَ: العجزُ عن دَرَكِ الإِدْرَاكِ
إِدْرَاكٌ. وسئل مصباحُ التوحيدِ وصباحُ التفريدِ عليٌّ كرمَ اللهُ وجهَه عنِ اللهِ
تعالى فقالَ: لا يُدْرَكُ بِالحَوَاسِ وَلَا يُقَاسُ بِالنَّاسِ. ([5])انتهى
كلامُ المناويِّ، ومعناهُ أَنَّ اللهَ تعالى لا تدركُه العقولُ ولَا
يتخيلُه القلبُ ولَا تطلبُ معرفتُه بالتصورِ.
وقالَ
الجنيدُ: أشرفُ كلمةٍ في التوحيدِ قولُ
الصِدِّيقِ: الحمدُ للـهِ الذي لمْ يجعلْ للخلقِ سبيلًا إلى معرفَتِهِ إلا بالعجزِ
عن معرفَتِهِ. ([6])
دُعَاءٌ:
اللَّهُمَّ يَا مَنْ لَا يُحِيْطُ بِهِ شَىءٌ مِنْ خَلْقِهِ وَلَا يَتَصَوَّرُهُ
مَلَكٌ وَلَا إِنْسٌ وَلَا جَانٌّ ثَبِّتْنَا عَلَى الحَقِّ وَثَبِّتِ الحَقَّ
بِنَا يَا رَبَّ العَالَمِيْنَ وَاجْعَلْنَا سَبَبًا لِمَنِ اهْتَدَىْ يَا اللهُ.
([2])
قال ابن منظور: وَهَمَ: الوَهْمُ: مِنْ خَطَراتِ الْقَلْبِ
وَالْجَمْعُ أَوْهامٌ وَلِلْقَلْبِ وَهْمٌ. وتَوَهَّمَ الشيءَ: تخيَّله وتمثَّلَه
كَانَ فِي الْوُجُودِ أَو لَمْ يَكُنْ. وَقَالَ: تَوهَّمْتُ الشيءَ وتفَرَّسْتُه
وتَوسَّمْتُه وتَبَيَّنْتُه بِمَعْنَى وَاحِدٍ وَاللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا
تُدْرِكُه أَوْهامُ العِبادِ.اهـ
لسان العرب ج12 ص643.
([3])
قال ابن خلكان: فخر الدين بن عساكر أبو منصور عبد الرحمن بن محمد
الدمشقي الملقب فخر الدين المعروف بابن عساكر الفقيه الشافعي؛ كان إمام وقته في
علمه ودينه، وكان مسددًا في الفتاوى، وهو ابن أخي الحافظ أبي القاسم علي بن عساكر
صاحب “تاريخ دمشق” وكانت ولادته سنة خمسين وخمسمائة، وتوفي سنة عشرين
وستمائة بدمشق، رحمه الله تعالى، وزرت قبره مرارًا بمقابر الصوفية ظاهر
دمشق.اهـ وفيات الأعيان لابن خلكان ج 2 ص
64.