السبت يونيو 14, 2025

الْبَاْرِئُ: أيْ أَنَّهُ هوَ خلقَ الخَلقَ لا عَن مِثالٍ سَبَقَ ﭧﭐﭨﭐ ﱡﭐﲵ ﳆ([1])، فاللهُ خلقَ الخلقَ مِنَ العدمِ إلى الوجودِ لا عنْ مثالٍ سبقَ، فهوَ تعالى أزليٌ ليسَ لهُ بدايةٌ، وأولُ شيءٍ خلقَهُ اللهُ تعالى هوَ الماءُ، وذلكَ الماءُ خُلِقَ مِنَ العدمِ لحديثِ أبي هُريرةَ  قالَ: قلتُ يا رسُولَ اللَّهِ إني إِذ رأيتُكَ طَابَتْ نَفْسِي وَقَرَّتْ عَيْنِي فَأَنْبِئْنِي عَنْ كُلِّ شيءٍ، قالَ: ((كُلُّ شَيءٍ خُلِقَ مِنَ الماء)) ([2])، وقالَ رسولُ اللهِ عندَما سُئِلَ عنْ بَدْءِ الأمرِ: ((كَانَ اللهُ وَلَمْ يَكُنْ شَىْءٌ غَيْرُهُ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ، وَكَتَبَ فِي الذِّكْرِ كُلَّ شَيْءٍ، ثُمَّ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ)) ([3])، أجابَ الرسولُ على هذا السؤالِ بأَنَّ اللهَ لا بدايةَ لوجودِهِ (أيْ أزليٌ) ولا أَزَلِيَّ سواهُ، وبعبارةٍ أخرى ففي الأزلِ لم يكن إلا اللهُ تعالى، واللهُ تعالى خالقُ كلِّ شيءٍ أيْ مُخْرِجُهُ مِنَ العدمِ إلى الوجودِ.

تَحْذِيْرٌ: مِنَ المفاسدِ التي انتشرتْ بينَ بعضِ العوامِّ ما درجَ عليهِ بعضُ قُرَّاءِ المولدِ النبويِّ الشريفِ وبعضُ المؤذّنينَ وغيرُهم مِنْ قولِهم: “إِنَّ محمدًا أوَّلُ المخلوقاتِ”. ومَا ذاكَ إِلَّا لانتشارِ حديثِ جابرٍ الموضوعِ بينهم وهوَ “أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللهُ نُوْرُ نَبِيِّكَ يَا جَابِر”. هذا الحديثُ موضوعٌ لا أصلَ لهُ وهوَ مخالفٌ للقرءانِ الكريمِ. وللحديثِ الصحيحِ الثابتِ. قالَ الحافظُ السيوطيُّ: ((ليسَ لهُ -أيْ حديثُ جابرٍ-إسنادٌ يُعْتَمَدُ عليهِ)) ([4]) ا.هـ وقدْ ذكرَ الشيخُ عبدُ اللهِ الغماريُّ ([5]) محدِّثُ المغربِ أَنَّ عَزْوَ هذا الحديثِ الموضوعِ إلى مصنَّفِ عبدِ الرزّاقِ خطأٌ لأَنَّه لا يوجدُ في مصنَّفِه ولا جامِعِه ولا تفسيرِه. كمَا أنَّ محدِّثَ عصرِه الحافظَ أحمدَ بنَ الصدِّيقِ الغماريَّ ([6]) حَكَمَ عليهِ بالوضعِ محتجًّا بأنَّ هذا الحديثَ ركيكٌ ومعانيَهُ منكرةٌ. والأمرُ كما قالَ، ولو لم يكنْ فيهِ إلَّا هذهِ العبارةُ: “خَلَقَهُ اللهُ مِنْ نُوْرِهِ قَبْلَ الأَشْيَاءِ” لكفى ذلكَ ركاكةً، لأَنَّهُ مشكلٌ غايةَ الإشكالِ، لأَنَّه إنْ حُمِلَ ضميرُ مِنْ نورِه على معنى نورٍ مخلوقٍ للهِ كانَ ذلكَ نقيضَ المدَّعَى لأَنَّه على هذا الوجهِ يكونُ ذلكَ النورُ هوَ الأولَ وليسَ نورَ محمَّدٍ بلْ نورُ محمدٍ ثاني المخلوقاتِ، وإنْ حُمِلَ على إضافةِ الجزءِ للكلِّ كانَ الأمرُ أفظعَ وأقبحَ لأَنَّه يكونُ فيهِ إثباتُ أَنَّ نورَ محمَّدٍ هوَ جزءٌ للهِ تعالى، فيؤدي ذلكَ إلى أَنَّ اللهَ مركبٌ والقولُ بالتركيبِ في ذاتِ اللهِ مِنْ أبشعِ الكفرِ لأَنَّ فيهِ نسبةَ الحدوثِ إلى اللهِ تعالى. وبعدَ هذهِ الجملةِ مِنْ هذا الحديثِ المكذوبِ ركاكاتٌ بشعةٌ يردُّها الذوقُ السليمُ ولا يقبَلُها. ثُمَّ هناكَ علةٌ أخرى وهي الاضطرابُ في ألفاظِهِ، لأَنَّ بعضَ الذينَ أوردُوه في مؤلفاتِهم رَوَوْهُ بِشَكْلٍ وءاخرونَ رَوَوْهُ بشكلٍ ءاخرَ ولا يمكنُ الجمعُ بينها، فإذا نُظَرَ إلى لفظِ الزرقانيِّ ثُمَّ إلى لفظِ الصاويِّ وهمَا بعضِ رُوَاتِهِ لَوُجِدَ فَرْقٌ كبيرٌ.

فَاْئِدَةٌ: عنِ ابنِ مسعودٍ  يخبرُ عنِ النبيِّ قالَ: قالَ لهُ جبريلُ عليهِ السلامُ: أَلَا أُعَلِّمُكَ كلمَاتٍ تقولُهنَّ قُلْ: ((أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ الَّتِي لَا يُجَاوِزُهُنَّ بُرٌّ وَلَا فَاجِرٌ، مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ وَبَرَأَ وَذَرَأَ، وَمِنْ شَرِّ مَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمِنْ شَرِّ مَا يَعْرُجُ فِيهَا، وَمِنْ شَرِّ مَا ذَرَأَ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا، وَمِنْ شَرِّ فِتَنِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَمِنْ شَرِّ كُلِّ طَارِقٍ إِلَّا طَارِقًا يَطْرُقُ بِخَيْرٍ يَا رَحْمَنُ)) ([7]).



 سورة الحشر / 24. ([1])

صحيح ابن حبان ج 3 ص 345. ([2])

([3])  صحيح البخاري كتاب بدء الخلق باب ما جاء في قول الله تعالى: ﭐﱡﭐ ﱝ ﱞ ﱟ ﱠ  ﱡ ﱢ ﱱ.

 الحاوي للفتاوي للسيوطي ج 1 ص 325. ([4])

 مرشد الحائر لبيان وضع حديث جابر لعبد الله الغماري ص 43.([5])

 المغير على الأحاديث الموضوعة في الجامع الصغير لأحمد بن الصدِّيق الغماري ص 4. ([6])

 الأسماء والصفات للبيهقي ج 1 ص 72. ([7])