قال المؤلف رحمه الله: [وأَيَّدَهُم بالمعجزاتِ النَاقِضَاتِ للعَادَاتِ].
(الشرحُ): أنَّ الله خصَّ الأنبياء بالمعجزات التي هي خارقاتٌ للعادات لأنه لولا التأييد بالمعجزة لَمَا بانَ الصادقُ في دعوى الرسالةِ من الكاذب فبالمعجزة يتبيَّنُ النبِيُّ من المُتَنَبِئِ.
وتفسيرُ المعجزة أنها أمرٌ يظهر بخلاف العادة على يدِ مَنِ ادَّعَى النبوةَ عند تحدِّي المنكرين على وجهٍ يُعْجِزُهم عن الإتيان بمثلها.
وفي قولنا [على وجهٍ يُعجزُهم عن الإتيان بمثله] بيانٌ للفرق بين المعجزة والسحرِ فإنَّ السحر لا يُعْجِزُ المنكرين المعارِضِين للساحرِ عن الإتيان بمثله، وبهذا افترقتِ المعجزةُ عن السحر فإن السحر يعارَضُ بسحرٍ مثلِهِ ولا تُعارَضُ المعجزةُ بخارقٍ يُماثلُها مِن قِبَلِ المكذبين للأنبياء.
قال المؤلف رحمه الله: [وأولُ الأنبياءِ ءادمُ عليهِ السَّلامُ وءاخرُهُم محمدٌ صلى الله عليه وسلم].
(الشرحُ): أنَّ سيدَنا ءَادَمَ عليه السلامُ هو أولُ البشرِ أنزلَهُ اللهُ تعالى إلى الأرضِ هو وزوجُهُ حواءُ وأنزلَ عليه الوحْيَ بالنبوةِ فصار أولَ الأنبياءِ. ونبوتُهُ عليه السلامُ ثابتةٌ بالكتب الدالِّ على أنه قد أُمِر ونُهِيَ مع القطع بأنه لم يكن للبشر في زمنه نبيٌّ ءَاخَرُ فهو بالوحْيِ لا غيرُ فلمْ يكنْ لِيَتَأَتَّى له بيانُ الواجبات والمحرمات إلا بالوَحْي فهو عليه السلام عَلَّمَهُمُ الوضوء والصلاة إلى الكعبة وحُرّمَ عليهم أكل الدم وأكل لحم الخنزير وأكل الميتة والذبيحة التي رفع عليها غيرُ اسم الله، ولم تزل هذه الأربعة حرامًا في شرائع الأنبياء كلهم إلى شرع سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
ونقلَ الإمام أبو منصور التميميُّ الإجماعَ على نبوة ءَادَمَ عليه الصلاةُ والسلامُ وهو ظاهرٌ لم يختلف فيه اثنان من المسلمين بل ذلك معروف حتَّى عند أهل الكتاب.
وأما سيدنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم ءَاخِرُ الأنبياءِ والدليل على أنه صلى الله عليه وسلم خاتمُهم قولُه تعالى: {وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ} [الأحزاب: 40] وقوله صلى الله عليه وسلم وأنا العاقب الذي ليس بعدِي نبيٌّ اهـ. رواه الترمذيُّ.
وأمَّا الفرقُ بين النَّبِيِّ الرسولِ والنَّبِيِّ غيرِ الرسولِ فقد قالَ القُونَوِيُّ في شرح الطحاوية ما نصه والفرقُ بين النبيِّ والرسول أنَّ مَن بعثه الله تعالى إلى قوم وأنزل عليه كتابًا أو لم ينزل لكن أمرَهُ بحكم لم يكن ذلك الحكم في شرع الرسول الذي كان قبله، والنبيُّ من لم يُنْزِلْ عليه كتابًا ولم يأمره بحكم جديد بل أمره بأن يدعو الناس إلى شرع الرسول الذي كان قبله اهـ.
قال المؤلف رحمه الله: [وقَد رُوِيَ بيانُ عَدَدِهم في بعضِ الأحاديث، والأولى أن لا يُقتصرَ على عددٍ في التسميةِ فقدْ قالَ الله تعالى: {مِنْهُم مَّن قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُم مَّن لَّمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ} ولا يُؤْمَنُ في ذكر العدد أن يُدخل فيهم مَن ليسَ منهم أو يُخرَجَ منهم مَن هُوَ منهم].
(الشرحُ): أنَّ الأنبياء رُوِيَ في بيانِ عددهم أكثرُ مِنْ حديثٍ منها ما أخرجه ابنُ حبان في صحيحه مِنْ حديثِ أبي ذَرٍّ أنهم مِائَةُ ألفٍ وأربعةٌ وعشرون ألفًا اهـ. وهذا الحديثُ صحيحٌ عند ابن حبان وغيرِهِ لكنْ تكلم بعض أهل الحديث في إسناده فالأَوْلَى تركُ الجزم بحصرهم في عددٍ كما قال المؤلف لأنه لا يُؤْمَنُ مِن إدخال مَن ليس منهم فيهم وإخراج مَن هو منهم.
قال المؤلف رحمه الله: [وكُلّهُم كانوا مُخبرينَ مُبَلغينَ عن الله تعالى صَادقينَ نَاصحين].
(الشرحُ): أنَّه يجبُ اعتقادُ أنَّ الأنبياء بلَّغُوا ما أمروا بتبليغه ولم يكتموا شيئًا من ذلك.
ويجب أيضًا اعتقادُ أنهم صادقون فيما جاءُوا به وأنهم ناصحون فلا يكذبون ولا يخونونَ لأنهم معصومونَ.
قال ابنُ التلمسانِيِّ ما نصه اعلمْ أنه لَمَّا ثبت صدق الرسول صلى الله عليه وسلم وعصمته فيما يبلغه عن الله تعالى وجب التصديق بكل ما أخبر من أمور الغيب جملة وتفصيلًا فإن كان مما يُعلم تفصيله وجب اعتقاده فإن لم يُعلم تفصيله وجب أن يُؤْمَنَ به جملةً ويُرَدَّ تأويله إلى الله تعالى ورسوله ولمن اختصه الله عزّ وجلّ بالاطلاع على ذلك اهـ.
والقول السديد في حقهم من حيث العصمة أن يقال إنهم معصومون من الكفر والكبائر وصغائر الخسة قبل النبوة وبعدها كما قال التفتازانيُّ والأشعريُّ رَضِيَ الله عنه وأما الصغائرُ غيرُ ذاتِ الخِسَّةِ فتجوز منهم عند الجمهور خلافًا لبعضٍ كالقاضِي عياض والنوويِّ مِمَّنْ خالفَ الإمامَ الأشعريَّ وقالوا إنهم معصومون مِنَ الصغائر والكبائر على الإطلاق.
قال الشيخ ابنُ التِّلِمْسَانِيِّ في شرح لمع الأدلة ما نصُّه لا يجوز عليهم الكبيرة ألبتة ويجوز تعمد الصغيرة بشرط عدم الإصرار، ولا يجوز منهم صغيرةٌ تَدُلُّ على خساسة النفس ودناءة الهمة كتطفيف حبة وسرقة باقة بقلٍ اهـ. ثم قال وأما عصمتهم عن الكبائر والإصرارِ على الصغائر وعن كل صغيرةٍ تؤذِن بقلة الاكتراث بالديانات فَمُسْتَنِدٌ إلى الإجماع القاطع فإنَّ السلف رَضِيَ الله عنهم لم يزالوا يحتجون بالنبيِّ بأفعاله وأقواله ويتبادرون على التأسِّي به. وجميع الظواهر التي اعتمد عليها الحشوية قابلة للتأويل. وأما يونس فقيل إنما كرَّمه الله بالنبوة والرسالة بعد أن نُبِذ بالعراء قال الله عزّ وجلّ: {فَاجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصَّالِحِين} [القلم: 50] وأما نبيُّنا صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين في قصة الفِداء في أُسارى بدرٍ والإذنِ للمنافقين في التخلف عن غزوة تبوك وعُبُوسِ الوجهِ لابن أمِّ مكتوم فكلُّ ذلك تركٌ للأولى اهـ.
قال المؤلف رحمه الله: [وأفضلُ الأنبياء محمدٌ عليهِ الصلاةُ والسلامُ].
(الشرحُ): أنَّ سيدنا محمدًا أفضلُ الأنبياءِ وذلك لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه مسلم من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعًا أنا سيد ولد ءادم يوم القيامة اهـ وعند الترمذيِّ من حديث أبي سعيد زيادةُ ولا فخر اهـ.