المحافظة على العهد
العناوين الداخلية:
محبَّة الخير للمسلمين ولغير المسلمين من الحسنات:
قال الإمام الشيخ المحدث عبد الله الهرري رحمه الله:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد خاتم النبيين، وإمام المتقين وقائد الغر المحجلين يوم القيامة. أما بعد:
فقد قال رسول الله ﷺ: “لا يبلغ العبد حقيقة الإيمان حتّى يحبّ للناس ما يحب لنفسه من الخير”- أعاده الشيخ ثلاث مرات-، هذا الحديث صحيح وهذا اللفظ رواية ابن حبان، ورواية البخاري أخصر من رواية ابن حبان، رواية البخاري: “لا يبلغ العبد حقيقة الإيمانا حتى يحب لأخيه”، أما رواية ابن حبّان: “حتى يحب للنّاس”، هذه أعمّ. ثم في رواية ابن حبّان التقييد بالخير لأن محبة الخير للمسلمين ولغير المسلمين هذه من الحسنات، أما محبة الشر لنفسه وغيره فهو مكروه عند الله، فرواية ابن حبان أتم معنى وأشمل، فلما قال رسول الله ﷺ: “من الخير”، علمنا أنه لا ينبغي للإنسان أن يحبّ الشرّ لنفسه ولا لغيره. ثم الشرّ قسمان معصيةٌ وغير معصيةٍ، محبّة المعصية لنفسه معصية ومحبّته للغير معصية.
الوفاء بالعهد وحفظ الأمانة:
ثم إن رسول الله ﷺ قال: “لا إسلام لمن لا عهد له، ولا إيمان لمن لا أمانة له”، هذا الحديث فيه تأكيد أمر الوفاء بالعهد وفيه تأكيد أمر حفظ الأمانة. معنى الحديث أن الذي لا يحافظ على العهد إيمانه ليس ليس كاملاً، إسلامه ليس كاملاً، هو مسلم صحيح الإيمان لكنه لم يبلغ إلى الدرجات العلى، هو مسلم حيث إنه عرف الله وآمن برسوله وتجنب الكفريات، لكنه لا يكون مسلماً كاملاً حتى يحافظ على الأمانة، وهذا الأمر قليل من يتصف به، أكثر الناس ليسوا عاملين بهذا الحديث، فينبغي أن يعود الشخص نفسه الوفاء وحفظ الأمانة.
أمثلة عن الأمانة:
ومن الأمانة أن يحافظ المرء على مصلحة من يوكّله بالبيع وبالشراء وغير ذلك، فإذا لم يراع مصلحة من وكّله فقد خان. مثلاً: شيء يباع بثمن غال مرتفع ثم الوكيل يبيعه بأقل من ذلك هذه خيانة، كان عليه أن يراعي مصلحة الموكل ما وجد سبيلاً إلى ذلك.
كذلك المحافظة على الأوقات التي وظّف لأجلها فينبغي أن لا يتخلف عن تلك الأوقات إلا لعذر. كذلك ولي اليتيم عليه أن يراعي من باب أولى مصلحة الموكل ما وجد سبيلاً إلى ذلك.
كذلك المحافظة على الأوقات التي وظف لأجلها فينبغي أن لا يتخلف عن تلك الأوقات إلا لعذر. كذلك ولي اليتيم عليه أن يراعي من باب أولى مصلحة اليتيم في ماله، فالتقصير في ذلك أشد ضرراً، وقد كثر في هذا الزمن التسلط على أموال اليتيم، وقد ورد عن رسول الله ﷺ: “إن الذي يأكل أموال اليتامى ظلماً يبعث من القبر وفمه يتأجج ناراً”، نار حقيقية تخرج من فمه.
من عجائب يوم القيامة:
ذلك اليوم تظهر فيه العجائب، تظهر فيه الشدة الشديدة، هذا معنى قول الله تعالى: {يوم يكشف عن ساق}، الساق في لغة العرب في مثل هذا الموضع معناه الشدة الشديدة، ليس معناه أن الله له عضو ساق يكشف عنه، الله منزه عن الجسمية ليس جسماً كثيفاً كالأرض والإنسان ولا لطيفاً كالريح والروح، لغة العرب واسعة، “كشفت الحرب عن ساق” هذا عند العرب معرو يعني اشتدت، {يوم يكشف عن ساق} معناه تظهر ذلك اليوم شدائد كثيرة: الكافر يمشي على وجهه، كما أمشاه الله في الدنيا على رجليه يمشيه الله على وجهه حتى يظهر أنه مهين حقير، هذا في بعض الأوقات، وفي بعض الأوقات يمشي على رجليه، بعض شعراء العرب قال: “وقامت الحرب بنا على ساق”، أي شدة شديدة.
الوهابية لا يفهمون لغة العرب الأصلية التي نزل بها القرآن، لا يعرفون الحقيقة والامجاز، الوهابية لا يعرفون الله، ومن لا يعرف الله لا ينفعه في الآخرة شيء، الله خالق الجسم الكثيف واللطيف، العرش ما كان والأرض ولا السماء ولا الفراغ ولا الروح ولا الظلام ما كان شيء إلا الله، الله الذي خلق هذه الأشكال والأنواع فلا يكون كشيء منها. يقال لمن يشكك الناس بنسبة الجسمية إلى الله: أنت جسم، هل تستطيع أن تخلق جسماً كبيراً أو صغيراً؟ هل تستطيع أن تخلق حبة خردل؟! الله لو كان جسماً مثلنا ما استطاع أن يخلق شيئاً من العالم.
الشيطان الذي يدخل جسم الإنسان:
الجسم لطيف أو كثيف، النور جسم والملائكة جسم والجن جسم، مع أن الشيطان يدخل في جسم ابن آدم ولا يشعر به، والقرين الذي يلازم الشخص ليوسوس له بالشر في صدر الإنسان يلقي إليه الوسوسة لا يشعر به الشخص، لكن يجب الإيمان بذلك، كل ما جاء في القرآن والحديث فهو صدق، ومثال يؤكد ذلك، كان أحد علماء اللغة قبل تسعمائة سنة عمل بيتاً في وصف الخمر ما كتبه وما نطق به، فإذا برجل ماثل أمامه فقال له: أنشدني البيت الذي قلته في الخمر، فتحير! هذا الشخص من أين قال هذا، وهو لم يكتب البيت ولا قاله! فقال له الآخر: أنا قرينك!
الوصية بترك الغضب وتقليل الكلام!
أوصيكم بترك الغضب، سيدنا محمد ﷺ أكد هذا، رجل طلب منه أن يوصيه قال: يا رسول الله أوصني، قال: “لا تغضب”. قال أوصني، قال: “لا تغضب”، فردد مراراً: “لا تغضب”. لأن الغضب يوقع صاحبه في المهالك في الدنيا وفي الآخرة، ثم كثرة الكلام أيضاً تؤدي إلى المهالك، لأن الإنسان إذا أكثر الكلام ينجر إما إلى معصية وإما إلى ما لا يعنيه.
كثيرٌ من الناس لا يحسبون الكلام عملاً، والكلام عمل من الأعمال، في صحف إبراهيم عليه السلام: “ومن حسب كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه” أي إلا فيما منه فائدة له، معناه مطلوب أن لا يتكلم الشخص إلا فيما ينفعه إما في الدنيا أو في الآخرة. والله تعالى أعلم.