الأحد نوفمبر 9, 2025

قال الله تعالى:
{اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}
[النور: 35].

معنى هذه الآية أن الله تعالى هادي أهل السماوات والأرض لنور الإيمان، رواه البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنهما في كتابه «الأسماء والصفات»([1])، وقال الحليمي الشافعي كما نقل عنه تلميذه الحافظ البيهقي في نفس الكتاب والصحيفة ما نصه: «وهو الهادي لا يعلم العباد إلا ما علمهم ولا يدركون إلا ما يسّر لهم إدراكه فالحواس والعقل فطرته وخلقه وعطيته»، فالله تعالى ليس نورًا بمعنى الضوء، بل هو الذي خلق النّور، قال تعالى: {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} أي خلق الظلمات والنور، فكيف يُمكن أن يكون نورًا كخلقه، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا. وحكم من يعتقد أن الله تعالى نور أي ضوء التكفير قطعًا. وهذه الآية {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ} أصرح دليل على أن الله ليس حجمًا كثيفًا كالسماوات والأرض وليس حجمًا لطيفًا كالظلمات والنور، فمن اعتقد أن الله حجم كثيف أو لطيف فقد شبّه الله بخلقه والآية شاهدة على ذلك. أكثر المشبهة يعتقدون أن الله حجم كثيف وبعضهم يعتقد أنه حجم لطيف حيث قالوا إنه نور يتلألأ، فهذه الآية وحدها تكفي للرد على الفريقين.

وهناك العديد من العقائد الكفرية كاعتقاد أنّ الله تعالى ذو لون أو ذو شكل فليحذر الإنسان من ذلك جهده على أي حال.

ويقول الله تعالى: {مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَ شَرْقَيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} فقوله في ءاخر الآية {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} يفسر أول الآية، ويبيّن لنا أن الله تعالى عنى بقوله: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أنه أعطى الإيمان لأهل السماوات وهم الملائكة ولمن شاء من أهل الأرض من الإنس والجن. الإيمان هو نور الله هذا معنى {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} وبعضهم قال: {اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} أي منير السماوات والأرض.

وأما الحديث الذي رواه مسلم وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «نورٌ أنى أراه». فقد نقل الحافظ العراقي أن أحمد استنكره، ولو صحّ لكان معناه منعني نور مخلوق من رؤية الله بعيني رأسي، والتقدير فاعل لفعل محذوف. ومن فسّر هذا الحديث بالنور الذي هو ضد الظلمة فقد كذّب هذه الآية {وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ}.

قال الإمام أبو منصور الماتريدي في تفسيره «تأويلات أهل السُّنَّة»([2]): «ألا ترى أنه قال في آخره {يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ} أنه لم يرد بالنور ما فهموا، {وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} دل أنه ليس على ما فهموه به أنه نور كسائر الأنوار التي عاينوها ويشاهدونها وهم المشبهة، وعلى هذا يُخرّج تأويل ابن عباس». اهـ.

وقال الفقيه الحنفي الشيخ عبد الغني بن إسماعيل النابلسي في كتابه «أسرار الشريعة» ما نصه: «من اعتقد أن الله ضوءٌ ملأ السماوات والأرض فهو كافر وإن زعم أنه مسلم». اهـ.

 

 

([1]) الأسماء والصفات (طبعة المكتبة الأزهرية للتراث الطبعة الأولى ص84، 85).

([2]) تأويلات أهل السُّنَّة (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1426هـ المجلد السابع ص564).