الأحد فبراير 16, 2025

ثانيًا: الكتاب المسمى (السّنة) المنسوب زورًا إلى عبد الله ابن الإمام أحمد بن حنبل (ت 290هـ)

أخذ هذا الكتاب من نسبته إلى ابن الإمام أحمد مكانة كبيرة عند المنتسبين زورًا إلى السلف خاصة في العصر الحديث، وقد قطع المعلّق على هذا الكتاب بنسبته إلى عبد الله بن أحمد بن حنبل، وبذل وسعه في الردّ على من نزَّه الإمام أحمد عن أن يخوض ولدُه الذي تربَّى في كنفه في كل ما خاض فيه المؤلف، ولم يأت هذا المعلّق بشىء علميّ يثبت صحة ما ادعاه ولم يُوثق كلامه بما يصلح أن يقوم دليلًا قاطعًا يقينيًا، بل اجتهد في كلام خطابيّ لا يدفع ما ذكره هو نفسه من الاعتراف بوجود مجهولين في طبقتيْنِ من طبقات إسناد هذا الكتاب إلى من نُسب إليه، والذي يبدو لنا أن هذا الكتاب من مؤلفات مَنْ يسمّيه المشبهة شيخ الإسلام، وهو أبو إسماعيل الهرويّ([1]) صاحب المؤلفات المعروفة في ما يسمونه زورًا بالعقيدة السلفية، وهذا الهرويّ شديد التعصُّب، وربما ركَّب لموضوعاته التي يصطنعها أسانيد يرويها عن محدّث هَراة أبي يعقوب إسحاق بن إبراهيم القراب الهرويّ([2]) عن شيخ مجهول عن شيخ مجهول عن الذي ينسب إليه. وأبو إسماعيل الهرويّ لا يستبعد منه صدور ما في هذا الكتاب، أما ابن الإمام أحمد فلا نظنّ به أن يتعدّى على الله وعلى رسوله ﷺ وعلى الإمام أحمد والإمام أبي حنيفة النعمان، وقد ذكر المعلّق في توثيق الكتاب وصحة نسبته إلى المؤلف نقلَ الحنابلة عنه وأخذَهم منه. وكل من ذكر نقلَهم عنه مِن بعد عصر الهرويّ المذكور، فلا تدفع هذه النقول هذا الشكّ في نسبة الكتاب إليه، ونحن نبرّئ ابن الإمام أحمد من ذلك جزمًا لا على الشكّ.

واشتمل هذا الكتاب على أكثر من مائة وثمانين نصًّا في الطعن في الإمام أبي حنيفة، بل في بعضها تكفيره، وأنه أُخِذ من لحيته كأنه تيس يدار به على الخلق يستتاب من الكفر أكثر من مرة، وأنه أفتى بأكل لحم الخنزير! وحكى فيه أيضًا أنَّ الإمام مالكًا ذكره بسوء، وقال: كادَ الدّينَ ومَن كادَ الدّينَ فليس من الدين، ووثَّق المعلّق رجال سند هذه الرواية([3])، وغير ذلك من المثالب([4]) التي تقشعر منها الأبدان، وتخريج هذه الرواية في كتاب الغرض من تصنيفه جمع السّنة والعقيدة المتوارثة بزعمهم خير مثال على أن الطعن بأكابر المسلمين وعلمائهم ركن من أركان هذه العقيدة التجسيمية التي تصدّى لها العلماء فتركوا الجواب العلميّ واستبدلوا به هذا الأسلوب في فتنة العوامّ الذين ينطلي عليهم ما يظهره هؤلاء من التزهد الهرويّ الكرّاميّ، المخدوعين بلافتات الدعوة إلى الكتاب والسّنة واتباع السلف زورًا وبهتانًا.

ومما اشتمل عليه هذا الكتاب من الكفر والضلال والجرأة على الله عزّ وجلّ وصفُه بالجلوس على العرش، وإثبات صدر وذراعين لله والعياذ بالله، وإثبات الثقل والصورة التي صُوّر عليها آدم، وأنه على كرسيّ من ذهب يحمله أربعة من الملائكة، وأنه واضع رجليه على الكرسيّ، وأن الكرسيّ قد عاد كالنعل في قدميه، وأنه إذا أراد أن يخوّف أحدًا من عباده أبدى عن بعضه، وأنه قرَّب داودَ عليه السلام حتى مسّ بعضه وأخذ بقدمه، وغير ذلك من الكفر والتجسيم والطامات الشنيعة.

ومما اشتمل عليه في حق الإمام أحمد أنه نقل عنه تصحيح الأخبار التي تثبت جلوسَه عزَّ وجلَّ على العرش وحصولَ صوت الأطيط من هذا الجلوس، وأنه واضع رجليه على الكرسيّ وأن الكرسيّ موضع قدميه، وأنه يقعد على العرش فما يفضل منه إلا قدر أربع أصابع، وغير ذلك من التجسيم. فحاشى أن يصحّح الإمام أحمد رضي الله عنه هذه الأخبار ويخفى عليه ضعف سندها وما في متنها من النكارة ومخالفة عقيدة السلف الصالح المنزّه لله عن الجسمية والكيفية.

[1] ) عبد الله بن محمد بن عليّ الأنصاريّ الهرويّ، أبو إسماعيل، ت 481هـ، من كبار مجسمة الحنابلة، من كتبه: الكتاب المسمى «ذمّ الكلام وأهله»، والكتاب المسمَّى «الفاروق في الصفات». الأعلام، الزركلي، 4/122.

 

[2] ) إسحاق بن إبراهيم بن محمد أبو يعقوب القراب السرخسيّ ثم الهرويّ. محدّث هراة ربما زاد عدد شيوخه على ألف ومائتي نفس. توفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة. سير أعلام النبلاء، الذهبيّ، 17/570. طبقات الشافعية الكبرى، السبكيّ، 4/264.

 

[3] ) الكتاب المسمّى السُّنَّة، المنسوب كذبًا لعبد الله بن أحمد بن حنبل، 1/199.

 

[4] ) «المثالِبُ: العُيُوبُ» اهـ. لسان العرب، ابن منظور، مادة ث ل ب، 1/241.