الأحد فبراير 9, 2025

الطّرُق الصّوفية ودورها في محاربة التطرّف

صعد أبو إسحاق الاسفراييني بعض جبال لبنان فوجد قوماً من الصوفية قد انقطعوا هناك وانعزلوا عن الناس، يأكلون من بقول الأرض ويشربون من الينابيع والأنهار فقال لهم: “يا أكلة الحشيش أيسر محمداً صلى الله عليه وسلم أن تهربوا إلى هنا وتتركوا أمته تعبث بدينها المبتدعة؟!”.

إن من الأسباب الرئيسة لانتشار آفة التطرف في مجتمعاتنا هو خلو الساحات لأصحاب هذا الفكر وتقوقع العلماء والمشايخ في البيوت وعدم الخروج للناس بحجة أن الخرق اتسع على الراقع، وليست بحجة، فلو حملتهم أيها الرفاعية وأنتم أيها القادرية وأنتم أيها النقشبندية والجشتية والشاذلية والشنبكية والبدوية والجنيدية والدسوقية والسعدية إلى سائر طرق أهل الله، لو حمل كل منكم إبرة وخيطاً لسددتم هذا الخرق بكل سهولة.

يقول الله تعالى: { فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَائِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ }.

تعالوا نحرج إلى الناس نفقههم في دينهم ونعرفهم سماحة الدين وجماله، يقول سيدنا الغوث محمد مهدي بهاء الدين الرواس في كتابه طي السجل:

“أحكام هذا الدين المبين هي معراج المؤمنين إلى تقديس رب العالمين وهي:

أن تؤمن بالله واليوم الآخر والكتاب والنبيين، والبعث بعد الموت وبالقدر خيره وشره من الله تعالى، وتشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله، وتقيم الصلاة بإسباغ الوضوء لوقتها بتمام ركوعها وسجودها، وتؤتي الزكاة بحقها، وتصوم شهر رمضان، وتحج البيت إن استطعت وتصلي الخمس والسنن، ولا تأكل الربا، ولا تشرب الخمر، ولا تحلف بالله كاذباً، ولا تشهد شهادة الزور على أحد قريب أو بعيد، ولا تعمل بالهوى، ولا تعب أخاك، ولا تقع فيه من خلفه وقدامه، ولا تقذف المحصنة، ولا تقل لأخيك يا مرائي فيحبط عملك، ولا تله مع اللاهين، ولا تقل للقصير يا قصير تريد عيبه، ولا تسخر بأحد من الناس، ولا تأمن عقاب الله- ولا تمش بالنميمة فيما بين الإخوان، واشكر الله على كل نعمة، واصبر عند البلاء، واستغفر عند الخطيئة، ولا تقنط من رحمة الله، وأعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك، ولا تطلب سخط الرب برضا المخلوق، ولا تؤثر الدنيا على الآخرة، وإذا سألك أخوك هو فوقك وفي أمر دنياك إلى من هو دونك، ولا تكذب، ولا توافق الشيطان، ودع الباطل ولا تأخذ به، وإذا سمعت حقاً خذ به ولا تكتمه، وأدب أهلك وولدك بما ينفعهم عند الله تعالى ويقربهم إلى اله عز وجل، وأحسن إلى جيرانك، ولا تقطع أقاربك وذوي أرحام وصلهم، ولا تلعن أحداً من خلق الله تعالى بغير حق، وأكثر التسبيح والتهليل والتحميد والتكبير، ولا تدع قراءة القرآن على كل حال إلا أن تكون جنباً ولا تدع حضور الجمعة والعيدين، واطرح كل ما لم ترض أن يقال لك من الله تعالى، واجعل الإنصاف دأبك في كل أمورك، ولا تعل، ولا تغل، ولا تقل على الله  إلا الحق، وافن بمحبة نبيك وآله وأصحابه، وعظم مقادير الأنبياء والأولياء والعلماء أهل الحق، وطهر نفسك من الحسد فهو خلق إبليس، وجانب أهل الباطل، وحذر المسلمين من المبتدعين، وانصر كلمة الله والله تعالى ينصر من ينصره وكفى بالله ولياً”.

خذوا أيها الصوفية بأيدي التائهين الغافلين المذنبين ببالرفق والحنان والشفقة.

يُروى أن بشر بن الحارث الحافي لقيه رجل سكران فأقبل عليه وجعل يقبله ويقول: يا سيدي يا أبا نصر والله  إني أحبك، وبشر لا يدفعه عن نفسه، فلما ولى تغرغرت عينا ًبشر وقال: “رجل أحب رجلاً على خير توهمه، لعل المحب قد نجا والمحبوب لا يدري ما حاله”.

ولقد كان محدث الديار الشامية الشيخ الصوفي بدر الدين الحسني يدور في الليل على السكارى والحشاشين النائمين في الطرقات فيلقي ثبايه عليهم ليقيهم شدة البرد يستيقظون في الصباح ويشمون العطر الذي يخرج من ثوبه فيأتونه تائبين.

يقول السيد الكبير الرفاعي أمدنا الله بمدده: “أنا شيخ من لا شيخ له، أنا شيخ المنقطعين، أنا مأوى كل شاة عرجاء انقطعت بها الطريق”.

عرّفوهم حقيقة التصوف الحقيقي الصافي من الشوائب، وبراءته مما ينسب إليه، فكم وكم افترى الوهابية وأمثالهم على الطائفة الصوفية، وامتلأت صفحات الانترنتا بالتحذير من الصوفية وبذلت الأموال الكثيرة في طباعة الكتب التي تشوه صورتهم مستشهدين بما في بعض كتب أكابر الصوفية كابن عربي والشعراني والسيد أحمد والسيد عبد القادر وغيرهم من الدس، على أنهم برءاء مما دُس عليهم

 

أو بكلام أناس نسبوا إلى الطائفة ولسوا منها كالحلاج الذي نبذه أكثر الصوفية فقالوا “هذا ليس من الصوفية”، كأبي عبد الله عمرو بن عثمان الصوفي المكي الذي دخل مرة عليه فوجده يكتب شيئاً فقال له: ما هذا؟ فقال له: “هذا شيء أعارض به القرآن”، فصار عمرو بن عثمان كلما بلغه أن الحلاج بأرض كذا يرسل التحذير منه، وقال فيه سيد الطائفة الصوفية الإمام الجنيد: “إنه مدع” وقال له مرة: “لقد فتحت في الإسلام ثغرة لا يسدها إلا رأسك” فقتل بعد ذلك بتسع سنين، وقال فيه السيد أحمد: “لو كان على الحق ما قال أنا الحق”.

ادعت الوهابية أن  الطرق الصوفية هي من البدع المحرمة المخالفة للدين التي تندرج تحت حديث “وكل بدعة ضلالة” جاهلين أن البدعة لا تذم مطلقاً من غير تحقيق وعرض على الشريعة وقواعدها بدليل الحديث الشريف “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” ففيه أن من أحدث ما هو منه أي ما هو موافق له فليس مردوداً، فالحديث حجة عليهم لا لهم، ومما يدل على ذلك ما أحدثه سيدنا عمر في التلبية من الزيادة على الأصل الذي علمهم إياه رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو “لبيك اللهم لبيك، لبيك لا شريك لك لبيك، إن الحمد والنعمة لك والملك لا شريك لك” فزاد سيدنا عمر “لبيك اللهم وسعديك، الخير في يديك، والعمل والرغباء إليك” فلم يعب عليه أحد من الصحابة لنه زاد على تلبية رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يوافقها، والحديث رواه الترمذي.

كذلك جمعه للناس على قارئ واحد في صلاة التراويح بعد أن كانوا يصلون أوزاعاً متفرقين وقال: “نعمت البدعة هذه”.

وأحدث سيدنا عثمان أذاناً ثانياً يوم الجمعة ولم يكن هذا الأذان الثاني في ايام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما زال الناس على هذا الأذان الثاني يوم الجمعة في مشارق الأرض ومغاربها وقد روى ذلك عن سيدنا عثمان الإمام البخاري في صحيحه.

وكذلك أحدث الصحابي الجليل خبيب بن عدي صلاة ركعتين عند القتل، فقد روى البخاري في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال: “فكان خبيب اول من سن الركعتين عند القتل”.

ومن المحدثات الموافقة للشريعة أيضاً تنقيط التابعي الجليل يحيى بن يعمر المصحف، فالصحابة الذين كتبوا الوحي الذي أملاه عليهم الرسول صلى الله عليه وسلم كانوا يكتبون الباء والتاء ونحوهما بلا نقط.

 

وكذلك عمل المحاريب للمساجد فقد استحدثت في القرن الأول استحدثها الخليفة سيدنا عمر بن عبد العزي رضي الله عنه، وكذلك المآذن والقباب لم تكن في الصدر الأول.

وكذلك كتابة صلى الله عليه وسلم بعد كتابة اسم النبي لم تكن في أيام النبي فإن الرسول صلى الله عليه وسلم لما كتب كتاباً – أي أمر بكتابة الكتاب- إلى هرقل كتب فيه “من محمد عبد الله ورسوله إلى هرقل عظيم الروم” من دون كتابة صلى الله عليه وسلم عقب اسمه كما أورده البخاري في أول صحيحه، فما للوهابية لا ينكرون هذا بل يفعلونه كما يفعله غيرهم وينكرون أشياء كالمولد والطريقة بدعوى  أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يفعله؟! فظهر أنهم متحكمون بآرائهم، فما استحسنته نفوسهم أقروه وما لم تستحسنه أنكروه، ليس عندهم ميزان شرعي.

حتى إنهم حرموا الصلاة على النبي جهراً عقب الأذان حتى قال قائلهم حين سمع المؤذن يقول الصلاة والسلام عليك يا رسول الله: “هذا حرام هذا كالذي ينكح أمه”!! والعياذ  بالله تعالى، بل أمر زعيمهم محمد بن عبد الوهاب بقتل المؤن الأعمى الذي صلى على النبي عقب الأذان جهراً.

ماذا يقولون في الحديثين اللذين ثبتا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث: “إذا سمعتم الماؤذن فقولوا مثلما يقول ثم صلوا علي” وحديث: “من ذكرني فليصل علي” والحديث الأول رواه مسلم والثاني أخروجه الحافظ أبو يعلى والحافظ السخاوي في كتابه “القول البديع في الصلاة على النبي الشفيع” وقال: لا بأس بإسناده،والحديثان يؤخذ منهما أن المؤذن والمستمع كليهما مطلوب منه الصلاة على النبي،وهذا يحصل بالسر والجهر، ماذا يقولون بعد هذا؟!

ومن البدع الحسنة أيضاً الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وسلم الذي احدثه الملك المظفر ملك اربل في أوائل الستمائة للهجرة الشريفة وكان عالماً تقياً شجاعاً ووافقه على ذلك العلماء والصوفية الصادقون في مشارق الأرض ومغاربها، منهم الحافظ احمد بن حجر العسقلاني وتلميذه الحافظ السخاوي وكذلك الحافظ السيوطي، وللحافظ السيوطي رسالة سماها “حسن المقصد في عمل المولد”.

قال الإمام الشافعي رضي الله عنه: “المحدثات من الأمور ضربان: أحدها ما أحدث مما يخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً أو أثراً فهذه البدعة الضلالة، والثانية ما أحدث من الخير ولا يخالف كتاباً أو سنة أو إجماعاً وهذه محدثة غير مذمومة” رواه البيهقي بالإسناد الصحيح في كتابه “مناقب الشافعي”.

وهذا التقسيم للبدعة مفهوم من حديث جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أجورهم شيء، ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها بعده من غير أن ينقص من أوزارهم شيء” رواه مسلم.

فإن قيل: هذا معناه من سن في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم أما بعد وفاته فلا، فالجواب: أن يقال: “لا تثبيت الخصوصية إلا بدليل” وهنا الدليل يعطي خلاف ما تدعون حيث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “من سن في الإسلام” ولم يقل من سن في حياتي ولا قال من عمل عملاً أنا عملته فأحياه، ولم يكن الإسلام مقصوراً على الزمن الذي كان فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم فبطل زعمكم.

فإن قالوا: الحديث سببه أن أناساً فقراء شديدي الفقر يلبسون النمار جاءوا فتمعمر وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رأى من بؤسهم فتصدق الناس حتى جمعوا لهم شيئاً كثيراً فتهلل وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها” فالجواب أن يقال: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب كما ذكر الأصوليون.

وأما الحديث الذي فيه: “وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة” فلا يدخل فيه البدعة الحسنة لأن هذا الحديث من العام المخصوص، أي أن لفظه عام ولكنه مخصوص بالبدعة المخالفة للشريعة بدليل الحديث السابق الذكر الذي رواه مسلم: “من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها” الحديث، وذلك لأن أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم تتعاضد ولا تتناقض، وذلك لأن تخصيص العام بمعنى مأخوذ من دليل نقلي أو عقلي مقبول عند جميع العلماء، فلو ترك ذلك لضاع كثير من الأحكام الشرعية ولحصل تناقض بين النصوص، فأهل العلم هو الذين يعرفون أن هذا العموم مخصوص بدليل آخر عقلي أو نقلي.

ومعناه أن أكثر البدع بدع ضلالة لأن كلمة (كل) في لغة العرب تأتي بمعنى الأغلب.

ومن جملة البدع السيئة ما يفعله بعض المتشبهين بالصوفية صورة بلا حقيقة من تحريف اسم الله إلى (آه) الذي هو في الأصل لفظ وضع للشكاية والتوجع- في مجالس الذكر، بدل أن يقولوا (الله) يقولون (آه) أو (آه) أو (إه) أو (أح) وغلا بعضهم في ذلك حتى قال: (إن آه) أقرب للفتوح من الله!!! على زعمهم أن الذي يقول (آه) يصل إلى الولاية ويصير عنده كشف رباني ويصير من أهل الدرجات العلى أسرع من الذي يقول (الله) وهذا ضلال مبين، فتنهم هواهم، والشيطان لبس عليهم فأضلهم وخيل إليهم أن عملهم هذا هو في حب الله وهو في الحقيقة معصية لله تعالى.

وهم يستشهدون بحديث مكذوب وفيه أن مريضاً في زمان الرسول صار يئن من الألم فنهاه بعض الناس فقال لهم الرسول: دعوه يئن فإن الأنين اسم من أسماء الله.

ولو كان لفظ (آه) اسماً من أسماء الله كما يقول هؤلاء لم يقل الفقهاء ببطلان صلاة من قال (آه) متعمداً ذاكراً أنه في الصلاة وذلك باتفاق المذاهب الأربعة.

قال الله تعالى: { وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ }.

أما الطرق الصوفية كالرفاعية والقادرية والنقشبندية وغيرها والتي تبلغ نحو الأربعين طريقة فهي من النوع الأول، من البدع الحسنة التي يثاب عليها، وأصلها مأخوذ من مبايعة الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم. فالطريقة هي أخذ العهد على الشيخ على مداومة ذكر الله وطاعته.

ومشايخها لم يستحدثوها لهوى ن فس ولا لجمع مال أو جاه دنيوي وشهرة بين الناس بل هم كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إن الله يحب الأتقياء الأخفياء، الذين إن غابوا لم يفتقدوا، وإن حضروا لم يدعوا، قلوبهم مصابيح الهدى، يخرجون من كل غبراء مظلمة”.

قوم همومهم بالله قد علقت

 

 

فما لهم همم تسمو إلى أحد

فمطلب القوم مولاهم وسيدهم

 

 

يا حسن مطلبهم للواحد الصمد

 

ما إن تنازعتم دنيا ولا شرب

 

 

من المطاعم واللذات والولد

ولا للبس ثياب فائق أنق

 

 

ولا لروح سرور حل في بلد

إلا مسارعة في إثر منزلة

 

 

قد قارب الخطو فيها باعد الأبد

فهو رهائن غدران وأودية

 

 

وفي الشوامخ تلقاهم مع العدد

 

هكذا كان أشياخ الطرق، فرسان ميادين الحقيقة، يدلون على الله بالذل والخضوع، ما أهملوا الشريعة بل عظموا شأن الفقهاء والعلماء ولم يقولوا هؤلاء أهل الظاهر ونحن أهل الباطن، هذا الدين الجامع باطنه لب ظاهره، والعلماء وراث الشريعة وحملة أحكامها الذين يعلمونها للناس وبها يصل الواصلون إلى الله إذ لا فائدة بالسعي والعمل على الطريق المغاير للشرع فالعلماء ورثة الأنبياء ومن يرد الله به خيراً يفقهه في الدين وما اتخذ الله ولياً جاهلاً ولو اتخذه لعلمه.

صدقوا مع الله فصدقهم الناس وزهدوا بما في أيديهم فأحبوهم وزهدوا في الدنيا فأحبهم الله وتواضعوا لله فرفعهم الله وذاع صيتهم بين العباد فكثر الانتفاع بهم.

وخرق الله لهم العادات فالان لهم الحديد وقرب لهم البعيد، وأذهب لهم حر النار وفيهم من حلق وطار وعلى وجه الماء سار، وذلل السباع والأفاعي للسيد  الرفاعي، وخافت الجان من السيد عبد القادر وافد جيلان، وأنقذ السيد البدوي الأسارى وصار سجانهم حيارى.

 

وأنكرها عليهم الوهابية وأمثالهم ممن حرموا منها وقالوا إنما هي شعوذة وسحر وأحوال شيطانية وادعوا أن الرفاعية يضعون على أبدانهم مراهم وأدوية ويدخلون النيران فلا تحرقهم بسبب هذه الأدوية والمراهم، فلم لا يفعلون هم ذلك ليثبتوا بطلان هذه الكرامات على زعمهم؟!!

أوليس ثبت أن الأسود العنسي الذي ادعى النبوة رمى سيدنا أبا مسلم الخولاني في النار فلم تحرقه ولا ثيابه فنفاه فتوجه إلى المدينة المنورة فلقيه سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقبله بين عينيه وقال له: “الحمد لله الذي جعل في أمة محمد مثل خليل الله إبراهيم رجلاً لا تحرقه النار”، فماذا يقولون؟ إن أبا مسلم الخولاني الذي كان قبل الرفاعية بمئات السنين يملك ذلك الدواء؟

ثم كرامات الأولياء ثبتت بنص القرآن في نحو قوله تعالى في حق السيدة مريم: { كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا المِحْرَابَ وَجَدَ عِندَهَا رِزْقاً قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِندِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَن يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ } وقوله تعالى في حق صاحب سيدنا سليمان ءاصف بن برخيا الذي أحضر له عرش بلقيس بطرفة عين { قَالَ الَّذِي عِندَهُ عِلْمٌ مِّنَ الكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَن يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ } وبنص حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في حق سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “كان فيمن كان قبلكم محدثون، وإن يكن في أمتي منهم أحد فعمر”. ومعنى “محدثون” مكاشفون، يطلعهم الله على بعض الغيب.

وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اتقوا فراسة المؤمن فإنه ينظر بنور الله”.

ولقد كانت الكرامات بين الصحابة معروفة فلقد رأى أبو بكر الصديق رضي الله عنه شخصاً لم يكن لقيه قبل ذلك فقال: “ألقي في روعي أن ذا بطن بنت خارجة” فكان كما قال، وسبح الطعام والحصى بين يديه.

ونادى سيدنا عمر سارية الذي كان في وجه العدو بعيداً عن المدينة مسيرة شهر وهو يخطب على المنبر في المدينة المنورة: يا سارية بن حصن الجبل الجبل، فسمعه سارية مع بعد المسافة وانحاز هو والجيش ناحية الجبل وهزموا العدو.

وخرج عباد بن بشر وأسيد بن حضير من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة فأضاءت عصا احدهما فمشيا بنورها فلما افترقت بهما الطريق أضاءت عصا الآخر.

 

وتبقى الكرامة في أولياء أمة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام إلى يوم القيامة وهي نائلة بإذن الله من استقام في طاعة الله، فعين الكرامة الاستقامة كما قال سيدا الإمام أبو حنيفة النعمان رضي الله عنه.

فمن آمن بالله ورسوله وأدى الواجبات واجتنب المحرمات وداوم على نوع من النوافل فإن الخوارق والكرامات ليست بعيدة عنه فلقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم قال الله تعالى: “من عادى لي ولياً فقد ءاذنته بالرب، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها وإن سألني أعطيته ولئن استعاذني لأعيذنه” رواه البخاري.

ومعنى “كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي يبطش بها، ورجله التي يمشي بها” أن الله يجعل في هذه الأعضاء البركة، فيقدره الله أن يفعل بهذه الأعضاء ما لا يستطيعه غيره.