عن قتادة رضي الله عنه قال: «ما بعث الله نبيًّا إلا حسنَ الوجه حسَنَ الصوت، وكان نبيكم حسن الوجه حسن الصوت»([1]) رواه الترمذي([2])، فالأنبياء كلُّهم كانوا ذوي حُسْنٍ وجمال، ولا يجوز عليهم المرضُ الذي ينفّر الناس منهم، فلا يسلّط الله تعالى عليهم الأمراض المنفّرة ولا العوارض المستبشعة، أما المرض المؤلم الشديد حتى لو كان يحصل منه الإغماء، أي: الغَشْيَة فيجوز عليهم. وكلهم كانوا أصحاب خلقة سوية، فلم يكن فيهم أعرج ولا كسيح ولا أعمى، إنما سيدنا يعقوب من شدّة بكائه وحزنه على يوسف عليه السلام ابيضّت عيناه وعمي لمدة وليس كلّ حياته، ثم ردّ الله تعالى عليه بصره لـمَّا أرسل سيدنا يوسف عليه السلام قميصه من مصر إلى مدينَ وهي البلدة التي فيها أبوه، فشمّ يعقوبُ ريحَ يوسفَ في هذا القميص فارتدّ بصيرًا بإذن الله، فهو لم يكن أعمى من أصل الخلقة، إذ النبيّ أول ما ينزل عليه الوحي لا بدّ أن يكون بصيرًا، ثم بعد ذلك يجوز أن يعمى لمدّة كما حصل لنبيّ الله يعقوب عليه السلام.
وليس صحيحًا ما روي من أن سيدنا أيوب عليه السلام اشتدّ به المرض حتى خرج الدود من بدنه الشريف، إذ لا تجوز هذه الأمراض المنفّرة على أنبياء الله تعالى، فالله تعالى حكيم لا يبعث نبيًّا يمرض بمرض تنفر منه الناس، فإن هذا من الأباطيل والأكاذيب التي نقلت عن الإسرائيليات، ولا يصحّ ولا يجوز تصديقها أو اعتقادها، لأنها تتنافى مع صفات الأنبياء، والقرآن الكريم لم يذكر لنا شيئًا من هذا، وإنما غاية ما ورد أنه قد أصابه الضُّرُّ في بدنه فيجب حمل ذلك على ما يليق بمنصب النبوّة من أنه بلاءٌ وضرٌّ طبيعيٌّ، وإن كان في حقيقة الأمر ثقيلًا شديدًا فدعا ربَّه – بعد أن اشتدّ به الكرب والضرّ – فكشف الله ما أصابه من كرب وبلاء، قال تعالى: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ (83) فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَآَتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ} [الأنبياء: 83، 84]، وظاهرٌ من الآية الكريمة أن الضرّ الذي أصابه كان في جسمه وأهله، وهذا النوع من الضرّ يلحق البشر العاديين ويلحق الأنبياء عليهم السلام، فإن المرض يعتري الأنبياء عليهم السلام كما يعتريهم الموت، وليس في ذلك شيء ينقص من قدرهم، أو يزري بمقامهم، وهم أشدّ الناس بلاءً كما أخبر النبيّ المصطفى ﷺ ([3]).
[1])) الشمائل المحمدية والخصائل المصطفوية، الترمذيّ، (1/261).
[2])) الترمذي هو محمد بن عيسى بن سورة بن موسى السلمي الترمذي، أبو عيسى، من أئمة علماء الحديث وحفاظه، من أهل ترمذ (على نهر جيحون) تتلمذ للبخاري، وشاركه في بعض شيوخه. وقام برحلة إلى خراسان والعراق والحجاز وعمي في آخر عمره. وكان يضرب به المثل في الحفظ. مات بترمذ. من تصانيفه: (الجامع الكبير) في الحديث، و(الشمائل النبوية) و(التاريخ) و(العلل) في الحديث. الأعلام، الزركلي، (6/322).
[3])) مسند أحمد، (1/173)، صحيح ابن حبان، ابن حبان، (7/160).