إن السحور عبادة عظيمة وهبها الله تعالى لعباده المسلمين ووصية نبوية وعطية ثمينة، من عمل به أجر وحصل له الكثير من الخيرات ومن تركه حرم الكثير من البركات. وهو يجدد النشاط للعبادة التي تعقبه وهي الصيام، ويزيد من عناية الصائمين بالصيام، ويبعث جوارحهم وقلوبهم إلى ما يرضي الله وما فيه الخير لهم في دينهم ودنياهم. أخرج ابن ماجه والحاكم عن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وءاله وسلم قال: «استعينوا بطعام السحر على صيام النهار وبقيلولة النهار على قيام الليل».
فالسحور من أعظم الأسباب الشرعية التي يستعان بها على إتمام الصيام والطاعات وأوثق العرى التي تقوي صاحبها على ترك الطعام والملذات وهو يزيد في القوة كما أنه من السنة، ولذلك لا بد من تربية الأمة رجالها ونسائها صغارها وكبارها وتنشئتهم على هذه الطاعة.
ويسن السحور لخبر الصحيحين من حديث أنس بن مالك : «تسحروا فإن في السحور بركة» (الأكل – أي: الفعل – يقال له السحور بضم السين أما بفتحها فهو الطعام الذي يوكل في وقت السحور) فقوله: «تسحروا» فيه حض منه صلى الله عليه وسلم لأمته على السحور وأمرهم به وترغيبهم فيه. وهذا الأمر للاستحباب والندب بالإجماع وليس للوجوب، قال ابن الملقن والنووي: «وأجمع العلماء على استحبابه وأنه ليس بواجب».
ويحصل السحور بكثير المأكول وقليله، فعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «السحور كله بركة، فلا تدعوه ولو أن يجرع أحدكم جرعة من ماء؛ فإن الله وملائكته يصلون على المتسحرين» رواه أحمد بإسناد قوي، ويدخل وقته بنصف الليل.
ثم قد اختلف العلماء في هذه البركة وما يراد منها، فقال الحافظ ابن حجر في كتاب «فتح الباري»: «البركة في السحور تحصل بجهات متعددة: وهي اتباع السنة، والتقوي به على العبادة، والزيادة في النشاط، ومدافعة سوء الخلق الذي يثيره الجوع، والتسبب بالصدقة على من يسأل إذ ذاك أو يجتمع معه على الأكل، والتسبب للذكر والدعاء وقت مظنة الإجابة، وتدارك نية الصوم لمن أغفلها قبل أن ينام».
وقال ابن دقيق العيد (في إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام 1/90): «وهذه البركة يجوز أن تعود إلى الأمور الأخروية، فإن إقامة السنة توجب الأجر وزيادته، ويحتمل أن تعود إلى الأمور الدنيوية لقوة البدن على الصوم وتيسيره من غير إجحاف به.
ثم من السنة تأخير السحور ما لم يقع فيه شك في طلوع الفجر لخبر: «لا تزال أمتي بخير ما عجلوا الفطر وأخروا السحور» رواه البخاري ومسلم، ولأنه أقرب إلى التقوي على العبادة، فإن شك في ذلك كأن تردد في بقاء الليل لم يسن التأخير بل الأفضل تركه للخبر الصحيح: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك» رواه النسائي والترمذي، وعن زيد بن ثابت قال: تسحرنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم قام إلى الصلاة، قلت: كم كان بين الأذان والسحور؟ قال: «قدر خمسين ءاية» أخرجه البخاري.
اللهم إنا دعوناك فاستجب لنا دعاءنا
فاغفر اللهم لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا
اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات