الرّد على شبهة الوهابية في إيرادهم قول أبي حنيفة (أكره أن يقال أسألك بحق فلان) لإبطالهم التوسل بالأنبياء
لقد مَوَّه الوهابية المشبهة على العوام لإبطالهم التوسل بالأنبياء بقول أبي حنيفة (أكره أن يقال أسألك بحق فلان).
الـجواب ما ذكره الحافظ تقي الدين السبكي في كتابه شفاء السقام ما نصه :
وتارة يكون المسؤل أعلى من المسؤل به كما في سؤال الله تعالى بالنبي صلى الله عليه وسلم فإنه لا شك أن للنبي صلى الله عليه وسلم قدرا عنده ومن أنكر ذلك كفر، فمتى قال أسألك بالنبي صلى الله عليه وسلم فلا شك في جوازه وكذا إذا قال بحق محمد والمراد بالحق الرتبة والمنـزلة والحق الذي جعله الله على الخلق أو الحق الذي جعله الله بفضله له عليه كما في الحديث الصحيح قال (فما حق العباد على الله) وليس المراد بالحق الواجب فإنه لا يجب على الله شىء وعلى هذا المعنى يُحمل ما ورد عن بعض الفقهاء في الامتناع من إطلاق هذه اللفظة. اهـ
وكذلك ما قاله أهل مذهبه في تعليل منعه وهم أعلم بكلام إمامهم من كل مُـتَـفَـيْـقِـه شاذ عن جادة الحق كما ذكر ذلك ابن عابدين في رد المحتار الجزء السادس ممزوجا بالمتن ما نصه [قوله وكره قوله بحق رسلك الخ] هذا لـم يُخالف فيه أبو يوسف بخلاف مسألة المتن السابقة كما أفاده الانقاني وفي التاترخانية وجاء في الآثار ما دل على الجواز [قوله لأنه لا حق للخلق على الخالق] قد يقال إنه لا حق لهم وجوبا على الله تعالى، لكن الله سبحانه وتعالى جعل لهم حقا من فضله أو يراد بالحق الحرمة والعظمة فيكون من باب الوسيلة وقد قال تعالى {وابتغوا إليه الوسيلة} وقد عد من ءاداب الدعاء التوسل على ما في الحصن، وجاء في رواية (اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق ممشاي إليك فإني لم أخرج أشرا ولا بطرا…) الحديث، وفي اليعقوبية يحتمل أن يكون الحق مصدرا لا صفة مشبهة فالمعنى بحقية رسلك فلا منع فليتأمل. اهـ
فظهر بذلك أن الإمام كره اللفظ فقط ولم يقل إني أكره التوسل، فلو كان مراد أبي حنيفة تحريم التوسل على الإطلاق لكان أهل مذهبه فهموا ذلك بل الثابت عنهم أنهم يتوسلون علماؤهم وعوامهم وعلى فرض ثبوت ذلك عن أبي حنيفة فإنه مردود بما ثبت من الأحاديث وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (ما من أحد منكم إلا يؤخذ من قوله ويترك غير رسول الله صلى الله عليه وسلم) رواه الطبراني في الأوسط.
فقد ثبت بالحديث السابق ذكره وهو حديث فاطمة بنت أسد جواز القول بحق الأنبياء وكذلك بما رواه الإمام أحمد في مسنده في باقي مسند المكثرين قال: حدثنا يزيد أخبرنا فُضَيلُ بنُ مَرزوق عن عَطية العوفي عن أبي سعيد الخدري فقلتُ لفضيل رفعه قال أحسبه قد رفعه قال: من قال حين يخرج إلى الصلاة اللهم إني أَسألك بحق السائلين عَلَيْكَ وبحق ممشاي فإني لَمْ أخرج أشَرًا وَلا بَطَرًا وَلا رياء وَلا سُمعة خرجتُ اتقاء سَخَطِكَ وابتغاءَ مرضاتك أسألك أَن تنقذني من النارِ وأن تغفر لي ذنوبي إنـه لا يَغْفِرُ الذنوب إِلا أَنْت وَكَّلَ اللَّهُ بِهِ سبعين ألف مَلَكٍ يستغفرون لـه وأقبل اللّه عليه بوَجهه حتى يَفرَغَ من صَلاته. ورواه ابن ماجه في سننه في كتاب المساجد والجماعات من طريق فُضيل بن مرزوق عن عطية عن أبي سعيد الخدريِّ قَالَ قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّه عليه وسلّم (من خرج من بيته إلى الصلاة فقال اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وأسألك بحق ممشاي هذا فإني لـم أخرج أشرًا ولا بطرًا ولا رياء ولا سمعة وخرجت اتقاء سخطك وابتغاء مرضاتك فأسألك أن تعيذني من النار وأن تغفر لي ذنوبي إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت أقبل اللّـه عليه بوجهه (1) واستغفر له سبعون ألف مَلَك) ورواه البيهقي في الدعاء والطبراني في الدعاء وحسنه الحافظ ابن حجر في كتابه نتائج الأفكار والحافظ الدمياطي في المتجر الرابح في ثواب العمل الصالح والحافظ أبو الحسن المقدسي في الترغيب والترهيب والحافظ العراقي في المغني عن حمل الأسفار وهذا الحديث يقال له الحديث القولي وهو الحديث الحسن الذي حسنه الحفاظ وهناك حديث ضعيف بل واه جدا يقال له الحديث الفعلي وهو حكاية عن فعله صلى الله عليه وسلم وهو الذي حكم عليه الحفاظ بضعفه لا الحديث القولي كما لبس على الناس مدعي العلمَ الألباني لعنة الله عليه وهذا الحديث هو أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا خرج إلى المسجد يقول (بسم الله ءامنت بالله توكلت على الله لا حول ولا قوة إلا بالله، اللهم إني أسألك بحق السائلين عليك وبحق مخرجي هذا فإني لم أخرجه أشرا ولا بطرا ولا رياء ولا سمعة خرجت ابتغاء مرضاتك واتقاء سخطك أسألك أن تعيذني من النار وتدخلني الجنة) هذا الحديث واه جدا على ما قال النووي.
قلت (وقد ذكر ابن ابي الدنيا في كتابه مجابو الدعوة أثرا بسنده عن الشعبي وفيه توسل مصعب بلفظ بحرمة نبيك وعبد الملك بن مروان بحق الطائفين في بيتك بحضور كلا من عبد الله بن الزبير وقد دعا هو ايضا بدعاء وعبد الله بن عمر ايضا ولم ينكر أحد هذه التوسلات وفيهم صحابة وتابعون ومنه ومن غيره كما دللنا وبيناه يعلم أن التوسل كان مشهورا ومعروفا بينهم من غير نكير حتى جاء ابن تيمية الحراني وتبعه من لم يوفق وحرموا التوسل والاستغاثة برسول الله وهم متناقضون كما بينا وكشفنا عن تخبطهم وتناقضهم حيث يثبتون تارة وينكرون ويحرمون تارة بل وينسبون فاعل ذلك الى الشرك والعياذ بالله تعالى من مسخ القلوب ومن الحور بعد الكور).
وقد أخرجه الدارقطني في الأفراد من طريق الوازع بن نافع وهو ضعيف بل منكر الحديث ذكر ذلك الحافظ ابن حجر في نتائج الأفكار قال: قال يحيى بن معين والنسائي: ليس بثقة، وقال أبو حاتم وجماعة: متروك، وقال الحاكم: روى أحاديث موضوعة، وقال ابن عدي: أحاديثه غير محفوظة.
قلت وقد اضطرب في هذا الحديث، وأخرجه أبو نعيم في عمل اليوم والليلة من وجه ءاخر عنه قال: عن سالم بن عبد الله بن عمر عن أبيه عن بلال ولم يُتابع عليه أيضًا. اهـ
فهذا الحديث وهو الحديث القولي الصحيح فيه دلالة واضحة على جواز التوسل بالأنبياء وغيرهم بدليل ما ورد فيه من التوسل بالعمل الصالح وهو خَلْقُ الله، فلم يفرق الشرع بين التوسل بالعمل الصالح والذوات الفاضلة، فكيف لا يكون التوسل بالأنبياء جائزا وهم أفضل خَلْقِ الله على الله ويجوز التوسل بمشي العبد إلى المسجد؟!. وفيه أيضا دلالة واضحة على جواز التوسل بالأحياء والأموات لأن لفظ السائلين جـمع يشمل الأحياء والأموات من كان حيا ومن كان غائـبا فظهر بذلك بطلان تلبيس ابن تيمية في منعه التوسل إلا بالحي الحاضر.
فظهر بذلك تدليس وتلبيس الألباني على الناس بدعوى أن الحديث القولي ضعيف فلا التفات بعد تحسين الحفاظ لـه إلى قول الـمدلس الألباني بتضعيفه لأنه ليس من أهل مرتبة الحفظ بل بعيد عنها بعد المشرق عن المغرب والشرط في الحكم على الحديث بأنه صحيح أو ضعيف وكذا الحكم بالوضع أن لا يؤخذ إلا من كلام حافظ كما نص على ذلك أهل الحفظ كالسيوطي في تدريب الراوي حيث قال :
وخذه حيث حافظ عليه نص *** ومن مصنف بجمعه يُـخص
أي أن الحديث الصحيح يُعرفُ بنص إمام حافظ على صحته وبوجوده في كتاب التزم مصنفه الحافظ أنه مقتصر فيه على التصحيح.
قلت وليس المراد أن كل حديث نص حافظ على صحته فيكون صحيحا مطلقا بل لا بد من اتباع القواعد المقررة، فقد يصح عنده ولم يصح عند غيره بالشروط المعتبرة المعروفة، وليس من قبيل الرأي والتشهي بل لا بد من إعتبار الشروط المعتبرة والقرائن الدالة على ذلك.
قال الحافظ تقي الدين السبكي في كتابه شفاء السقام ما نصه :
إن التوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم جائز في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا وبعد موته في مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة والجنة وهو على ثلاثة أنواع: النوع الأول أن يتوسل به بمعنى أن طالب الحاجة يسأل الله تعالى به أو بجاهه أو ببركته فيجوز ذلك في الأحوال الثلاثة وقد ورد في كل منها خبر صحيح.
أما الحالة الأولى قبل خلقه فيدل لذلك ءاثار عن الأنبياء الماضين صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين اقتصرنا منها على ما تبين لنا صحته وهو ما رواه الحاكم أبو عبد الله بن البيّع في المستدرك على الصحيحين أو أحدهما قال حدثنا أبو سعيد عمرو بن محمد بن منصور العدل حدثنا أبو الحسن محمد ابن اسحق بن إبراهيم الحنظلي حدثنا أبو الحرث عبد الله بن مسلم الفهري حدثنا إسماعيل بن مسلمة أنبأنا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن جده عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (لما اعترف ءادم عليه السلام بالخطيئة قال: يا رب أسألك بحق محمد لما غفرت لي فقال الله يا ءادمُ وكيف عرفت محمدا ولم أخلقه قال يا رب لأنك لما خلقتني بيدك (1) ونفخت فيَّ من روحك (2) رفعت رأسي فرأيت على قوائم العرش مكتوبا لا إله إلا الله محمد رسول الله فعرفتُ أنك لم تضف إلى اسمك إلا أحب الخلق إليك فقال الله صدقت يا ءادم إنه لأحب الخلق إلي إذ سألتني بحقه فقد غفرت لك ولولا محمد ما خلقتك)، قال الحاكم هذا حديث صحيح الإسناد وهو أول حديث ذكرته لعبد الرحمن بن زيد بن أسلم في هذا الكتاب ورواه البيهقي في دلائل النبوة وقال تفرد به عبد الرحمن وذكره الطبراني وزاد فيه: وهو ءاخر الأنبياء من ذريتك.
وذكر الحاكم مع هذا الحديث أيضا عن علي بن حمشاذ العدل حدثنا هارون بن العباس الهاشمي حدثنا جندل بن والق ثنا عمرو بن أوس الأنصاري ثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال (أوحى الله إلى عيسى عليه السلام يا عيسى ءامن بمحمد وأمر من أدركه من أمتك أن يؤمنوا به فلولا محمد ما خلقت ءادم ولولاه ما خلقت الجنة والنار ولقد خلقت العرش على الماء فاضطرب فكتبت عليه لا إله إلا الله فسكن)، قال الحاكم هذا حديث حسن صحيح الإسناد ولم يخرجاه انتهى ما قاله الحاكم.
والحديث المذكور لم يقف عليه ابن تيمية بهذا الإسناد ولا بلغه أن الحاكم صححه فإنه قال أعني ابن تيمية : أما ما ذكره في قصة ءادم من توسله فليس له أصل ولا نقله أحد عن النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد يصلح للاعتماد عليه ولا الاعتبار ولا الاستشهاد ثم ادعى ابن تيمية أنه كذِب وأطال الكلام في ذلك جدا بما لا حاصل تحته بالوهم والتخرص ولو بلغه أن الحاكم صححه لما قال ذلك أو لتعرض للجواب عنه، وكأني به إن بلغه بعد ذلك يطعن في عبد الرحمن بن زيد بن أسلم راوي الحديث ونحن نقول: قد اعتمدنا في تصحيحه على الحاكم، وأيضا عبد الرحمن بن زيد بن أسلم لا يبلغ في الضعف إلى الحد الذي ادعاه وكيف يحل لمسلم أن يتجاسرَ على منع هذا الأمر العظيم الذي لا يرده عقل ولا شرع وقد ورد فيه هذا الحديث وسنـزيد هذا المعنى صحة وتـثـبيتـا بعد استيفاء الأقسام. وأما ما ورد من توسل نوح وإبراهيم وغيرهما من الأنبياء فذكره المفسرون واكتفينا عنه بهذا الحديث لجودته وتصحيح الحاكم ولا فرق في هذا المعنى بين أن يعبر عنه بلفظ التوسل أو الاستغاثة أو التشفع أو التجوّه والداعي بالدعاء وما في معناه متوسل بالنبي صلى الله عليه وسلم لأنه جعله وسيلة لإجابة الله دعاءه ومستـغيث به والمعنى أنه استـغاث اللّـهَ به على ما يقصده فالباء هـهـنا للسببية وقد ترد للتعدية كما تقول من استغاث بك فأغثه، ومستشفع به ومتجوّه به ومتوجه فإن التجوه والتوجه راجعان إلى معنى واحد.
فإن قلت المتشفع بالشخص من جاء به ليشفع له فكيف يصح أن يقال يتشفع به؟
قلتُ ليس الكلام في العبارة وإنما الكلام في المعنى وهو سؤال الله بالنبي صلى الله عليه وسلم كما ورد عن ءادم وكما يفهم الناس من ذلك وإنما يفهمون من التشفع والتوسل والاستغاثة والتجوّه ذلك ولا مانع من إطلاق اللغة هذه الألفاظ على هذا المعنى والمقصود جواز أن يسأل العبدُ اللـهَ تعالى بمن يقطع أن له عند الله قدْرًا ومرتبةً ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم له عند الله قدْرٌ عليٌّ ومرتبة رفيعة وجاه عظيمٌ. انتهى كلام السبكي
ومن المعلوم عند الحفاظ والمحدثين أن البيهقي الـتـزم أن لا يذكر حديثا يعلمه موضوعًا فالعجب من اجتراء ابن تيمية على إطلاق أن أحدا ممن يُعتد به من المحدثين لم يذكره والعجب أيضا من قول الذهبي الذي جرأه ابنُ تيمية على القول بالجسمية أن هذا الحديث أظنه موضوعا فليس هناك أدنى متمسك على ما زعمه الذهبي وليس فيه ركاكة من حيث المعنى، فعبد الرحمن بن زيد بن أسلم ليس ممن اتهم بالكذب فما الداعي للذهبي إلى أن يقول هذه المقالة؟؟
وفي كتاب المواهب اللدنية بالمنح المحمدية للعلامة أحمد بن محمد القسطلاني ما نصه: واعلم أن الاستعانة هي طلب الغوث، فالمستغيث يطلب من المستغاث به أن يحصل له الغوث منه فلا فرق بين أن يعبر بلفظ الاستغاثة أو التوسل أو التشفع أو التجوّه أو التوجه لأنهما من الجاه والوجاهة ومعناه علو القدر والمنـزلة، وقد يتوسل بصاحب الجاه إلى من هو أعلى منه، ثم إن كلا من الاستـغاثة والتوسل والتشفع والتوجه بالنبي صلى الله عليه وسلم واقع في كل حال قبل خلقه وبعد خلقه في مدة حياته في الدنيا وبعد موته في مدة البرزخ وبعد البعث في عرصات القيامة، فأما الحالة الأولى فحسبك ما قدمته في المقصد الأول من استشفاع ءادم عليه السلام به، وفي حديث عمر بن الخطاب عند الحاكم والبيهقي وغيرهما: وإن سألتني بحقه فقد غفرت لك، ويرحم الله ابن جابر حيث قال :
بـه قد أجاب الله ءادم إذا دعـا *** ونُجّـي في بطن السفينة نــوح
وما ضرت النـار الخليلَ لنـوره *** ومــن أجله نال الفـداء ذبيح
وقد ساق القاضي عياض عن الإمام مالك قوله للخليفة المنصور لما حجّ وزار قبر النبي صلى الله عليه وسلم بإسناد صحيح قال: حدثنا القاضي أبو عبدِ الله محمد بن عبد الرحمـن الأشعري وأبو القاسم أحمد بن بقي الحاكم وغيرُ واحد فيما أجازونيه قالوا: أخبرنا أبو العباس أحمد بن عمر بن دِلهاث قال حدثنا أبو الحسن عليُ بن فِهر حدثنا أبو بكر محمدُ بن أحمد بن الفرج حدثنا أبو الحسن عبد الله بن الـمُنـتـاب حدثنا يعقوب بن اسحق بن أبي إسرائيل حدثنا ابن حُميد قال ناظر أبو جعفر أميرُ المؤمنين مالكا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له مالك: يا أمير المؤمنين لا ترفع صوتك في هذا المسجد فإن الله تعالى أدّبَ قوما فقال {لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي} الآية، ومدح قوما فقال {إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله} الآية، وذم قوما فقال {إن الذين يُنادونك} الآية، وإن حرمته مَيتا كحرمته حيا فاستكان لها أبو جعفر وقال: يا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: ولِـمَ تصرف وجهك عنه وهو وسيلتك ووسيلة أبيك ءادم عليه السلام إلى الله تعالى؟ بل استقبله واستشفع به فيشفعه الله. وذكره السيد السمهودي في خلاصة الوفا والعلامة القسطلاني في المواهب اللدنية وابن حجر في الجوهر المنظم، وغيرهم. ودليلنا أنه لو كان شركا لبينوه وحذروا منه هؤلاء العلماء ولم يستشهدوا به ويكون محلا للاستشهاد.
وقد قال الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين ما نصه: باب زيارة المدينة وءادابها، يقول الزائر: اللهم قصدنا نبيك مستشفعين به إليك في ذنوبنا، وقال في ءاخره ونسألك بمنـزلته عندك وحقه إليك. اهـ