السبت ديسمبر 7, 2024

الدنيا حلالها حساب وحرامها عذاب

العناوين الداخلية:

  • صبر المؤمن وتعريف الشكر.
  • حكم دفع المال للمغنيات.
  • من هو العبد الشكور.
  • الدُّنيا حلالّها حساب وحرامُها عذاب.
  • أحوال المال الثلاثة.

صبر المؤمن وتعريف الشكر:

قال شيخ الإسلام المحدث الشيخ عبد الله الهرريّ غفر الله له ولوالديه ورحمهم رحمة واسعة:

الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين، وعلى إخوانه الأنبياء والمرسلين، وسلام الله عليهم أجمعين. أما بعد.

إنّ الإنسان المؤمن الذي يرضى بقضاء الله ولا يتسخّط من قضاء الله تبارك وتعالى، إن أصابته النعم فهو بخير، لأنه يحمد ربه ويشكره على هذه النعمة، وإن أصابته ضراء أي بلية ومصيبة يصبر ولا يتسخط على ربه فيكون له أجر بهذه المصيبة، هذا شأن المؤمن الكامل الذي قال فيه الرسول ﷺ: “عجباً لأمر المؤمن، إن أمره كله له خير وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكانت خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكانت خيراً له” رواه مسلم وغيرهما.

المؤمن الكامل في الحالين على خير، هو عند الله إن أصابته نعمة، بسطٌ ورخاءٌ في الرّزق وغير ذلك يشكر الله، ومعنى الشكر هو أن يصرف الإنسان النعم التي أعطاه الله فيما يحب الله ليس فيما حرم الله هذا هو الشكر، ليس الشكر أن يفرح الإنسان بالنعم التي ينالها ويقول إذا فرح الحمد لله الشكر لله، لا يكون العبد بهذا شاكراً لله، إنما الشكر هو أن يستعمل نعم الله تعالى في المحل الذي أذن الله فيه، المال لا يصرفه إلا فيما أذن الله فيه أي إلا فيما يجوز، في نفقة نفسه يصرف، في نفقة أهله يصرف، في صلة الرحم يصرف، وفي الصدقة على الفقراء المحتاجين يصرف، وفي غير ذلك من أعمال البر يصرف، ولا يصرف فيما حرّم الله.

حكم دفع المال للمغنّيات:

إذا أصابه فرح لا يطلب المغنيات ويعطيهن الأجرة على الغناء لأن ذلك حرام، المال الذي يصرفه الإنسانا أجرة للمغنيات عليه وباله يوم القيامة، وكذلك حضور هذا المحل الذي فيه آلات الملاهي والخمر فيه معصية، لو كره بقلبه يلحقه معصية، ليمتنع لو كان قريبه أو صديقه الحميم ليمتنع إن علم قبل حضوره، إما إن حضر ولم يكن يعلم فاختلف العلماء في ذلك، قال بعض الفقهاء: يخرج من ذلك المكان ولا يجلس،وقال بعضهم: يجلس لكن لا بنية أن يؤنس هؤلاء الذين يرتكبون شرب الخمر ونحو ذلك، يجلس لا بنية إيناسهم ولا بنية إدخال السرور عليهم، بأن يقولوا: فلان حاضر معنا فينبسطوا، لا بهذه النية، بغير نية  إيناسهم إذا جلس ثم انصرف عند الانصراف هذا أهون، وأما من يستعمل نعم الله تبارك وتعالى فيما حرم الله تبارك وتعالى فهذا لا يقال له عبد شاكر فضلاً عن أن يقال له عبدٌ شكور.

 

من هو العبد الشكور:

العبد الشكور هو الذي بالغ في ذلك وتمكن من استعمال نعم الله تعالى فيما أحلّ الله، ثم من نعم الله تعالى التي تستعمل ويجب استعمالها فيما يحب الله تعالى الجوارح، الجوارح الخمس:

الأذن والسمع والبصر واليد واللّسان والرّجل، هذه الجوارح من نعم الله تعالى فيجب صرفها فيما أذن الله فيه وكفها عما نهى الله عنه من المحرمات، فبهذه الطريقة يكون المسلم شاكراً لربه، يكون من عباد الله الشاكرين الذين ليس عليهم مؤاخذة على ما رزقوا من المال في الدنيا، أما من لم يحافظ على ذلك فإن ماله هذا يكون وبالاً عليه في الآخرة.

الدنيا حلالها حساب وحرامها عذاب:

قال سيّدنا عليّ رضي الله عنه: “الدنيا حلالها حساب وحرامها عذاب”، هو رضي الله عنه كان في بدء أمره فقيراً جداً ثم غني، صار مبلغ زكاة ماله أربعين الفاً، ثم أنفق هذا المال في وجوه الخير، بدده في وجوه الخير، حتى إنه لما مات لم يكن قد بقي من ماله إلا سبعمائة درهم فضة، وهذه السبعمائة درهم كان أعدها ليشتري بها حاجة لأمر معيشته.

مال بيت مال المسلمين كان يوزعه كما أمر الله لا يأكل منه لنفسه شيئاً، كان يأكل مما رزقه الله تعالى من غير مال بيت مال المسلمين الذي هو في يد، في قبضته يتصرف فيه كما يشاء، لكن كان يتصرف فيه لمصالح المسلمين بما يرضي الله فقط، ما كان يتصرف فيه لأهواء نفسه، لملذات نفسه كما يفعل رؤساء هذا الزمن.

الرؤساء في هذا الزمن المال الذي يجتمع في أيديهم كأنه موروث، ملك لهم، الواحد منهم يصرف لنفسه ما يكفي ألف نفس، بل عشرة آلاف نفس بل أكثر، وهذا وبال في الآخرة، المال الذي يجمعه الإنسان من حلال ما الله والمال الذي يحتوي عليه يد الإنسان من حرام فهو مال الله فهناك طرقٌ أذن الله بالتصرف فيها للعبد فيما يحل له من المال، وأما من أخذ المال بغير حله فهو وبال عليه وعذاب عليه في الآخرة، قال عليه الصلاة والسلام: “إن رجالاً يتخوضون في مال الله بغير حق فلهم النار يوم القيامة” رواه البخاري.

 

أحوال المال الثلاثة:

هناك ثلاثة أحوال في أمر المال، فالمال الذي يجمعه الإنسان من طريق حلال ثم يصرفه فيما أذن الله فيه أي في غير المعاصي هذا يحاسب، لكن ما عليه عذاب ووبال في الآخرة، إذا سئل: من أين جمعت هذا المال؟ يقول: من كذا وكذا، يذكر وجهاً حلالاً، وإذا سئل: فيما أنفقته؟

يقول: أنفقته في كذا وكذا من الطريق التي أذن الله فيها، هذا سلم وما عليه وبال، بل يؤجر على الحسنات التي عملها بهذا المال، يكون له أجر جزيل، فيفرح به فرحاً عظيماً في ذلك اليوم، لأنه في ذلك اليوم الأشياء التي هي خبر اليوم تكون عياناً فائدة الثواب هناك تشاهد مشاهدة تعاين عياناً ووبال المعاصي يشاهد عياناً، من وفّقه الله تعالى يؤمن بالغيب أي من غير أن يرى، كالثواب الذي يعدّ للمؤمن في الآخرة من غير أن يراه رؤية عيانية ويتقي ما حرم الله من غير أن يرى العقاب الذي أعده الله في الآخرة للعصاة،

من غير أن يرى ذلك رؤية عيانية يطيع ربه فيما أمر وينزجر عما عنه زجر، هذا العبد المؤمن الذي رضي عن الله تبارك وتعالى في حال الرخاء وفي حال الشدة لا يتسخط على قدر الله تبارك وتعالى، المصائب لا تسوقه إلى معصية الله ككثير من الناس.

 

فعل بعض العصاة عند المصائب:

كثير من الناس عند المصائب يتركون الصلاة يقولون: حتى نتفرع ويعود لنا الأمن! يهملون الصلاة ويهملون أوامر غير الصلاة أيضاً. كذلك بعض الناس في حال الأسفار يهملون الصلاة، كذلك بعض الناس إذا زاروا أصدقاء لهم أو حضروا الأفراد يهملون الصلاة!

هؤلاء بعيدون من شكر الله تبارك وتعالى، لو كانوا يتصدقون بأموالهم على هذا وهذا، هذا لا يجعلهم شاكرين، الشاكر هو الذي يطيع الله فيما فرض عليه وينتهي عما نهاه عنه ربه من المحرمات، سواء كان في أمور المال أو في معاملات الناس.

هذا هو الإنسان المؤمن الشاكر الذي يكون الموت له فرحاً لا يحزن، بعد أن يرى ملائكة الرحمة المؤمن التقي ما بقي عليه حزن لأنه اطمأن قلبه بأن ما يستقبله من القبر وما بعد القبر له أمان، لا يصيبه في قبره ضيق ولا ضنكٌ ولا مزعجاتٌ وفي الآخرة يكون سروره أعظم. حتى الشمس التي تكون في ذلك اليوم قوية لاقترابها من رؤوس الناس هو لا يصيبه شيء من حرّها يكون في ظل العرش آمناً، لا يصيبه حزن ولا خوف وبعد دخول الجنة يكو، أشد فرحاً وأكثر تنعماً.

ربّنا آتنا في الدنيا حسنة، وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار.

اللهم إنا نسألك العفو والعافية وفي الدنيا والآخرة، اللهم اغفر لنا وارحمنا واهدنا وعافنا بسرّ الفاتحة.