الأربعاء سبتمبر 11, 2024

الحمدُ لله حمدًا يرضاهُ لذاتِه والصلاةُ والسلام على سيدِ مخلوقاتِه ورضي الله عن الصحابة والآل وأتْباعِهم من أهلِ الشرعِ والحال والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين

اللهم صلِّ صلاةً كاملةً وسلِّم سلامًا تامًّا على سيدِنا محمد الذي تنحلُّ به العقد وتنفرجُ به الكرب وتُقضى به الحوائج وتُنالُ به الرغائبُ وحُسنُ الخواتيم ويُستسقى الغمامُ بوجهِه الكريم وعلى آلِه وصحبِه وسلِّم

اللهم اجعل نيّاتِنا وأعمالِنا خالصةً لوجهِكَ الكريم

نخلصُ النيةَ لله عز وجل في هذا المجلس الرفاعيّ على مائدةِ السيدِ أحمد الرفاعي مع مقالاتِه من البرهانِ المؤيد.

يقول رضي الله عنه “أيْ سادة، الزهدُ أولُ قدمِ القاصدينَ إلى الله عز وجل وأساسُه التقوى وهي خوفُ اللهِ رأسُ الحكمة”

عن أبي سعيدٍ الخُدريِّ رضي الله عنه جاء رجلٌ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فقال يا نبيَّ اللهِ أوْصِني، فقال “عليك بتقوى الله فإنه جِماعُ كلِّ خير وعليكَ بالجهاد فإنه رهبانيةُ المسلم وعليك بذكرِ الله فإنه نورٌ لك”

-رهبانيةُ المسلم: شعارُه وانقطاعُه للعبادة.

وصيةٌ عظيمةٌ من معلِّمِ الخير، من رسول الله صلى الله عليه وسلم بتقوى الله.

تقوى الله أداءُ الواجبات واجتنابُ المحرمات، وفي ذلك جِماعُ كلِّ خير.

“عليك بتقوى الله فإنه جِماعُ كلِّ خير وعليك بالجهاد”

والجهادُ نوعان: جهادٌ بالسِّنان وجهادٌ بالبيان.

إحقاقُ الحقِّ وأبطالُ الباطلِ ونُصرةُ دينِ الله والدفاعُ عن سنةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، إحياءُ السنةِ إماتةُ البدعة، تعليمُ عقيدةِ أهلِ السنةِ والجماعة، إنكارُ المنكرات كلُّ ذلك مِن جهادِ البيان الذي هو جهادُ هذا العصر.

رهبانيةُ المسلم شعارُ المسلم وانقطاعُه للعبادة.

ما دمنا في تعليمِ علمِ الدين، في تعليمِ أهلِ السنةِ والجماعة، فإننا في عبادة بل وهذا مِن أحبِّ العملِ إلى الله عز وجل.

يَجمعُ المصطفى عليه الصلاة والسلام في هذه الوصية بين الأمرِ بالتقوى والجهاد معَ الاشتغالِ بذكرِ اللهِ عز وجل.

ولا يخفى أنّ مِن تقوى اللهِ تبارك وتعالى ما ذُكرَ من نشرِ علمِ الدين، فإنّ الذي يتّقي اللهَ عز وجل يكونُ في قلبِه غَيْرةٌ على دينِ اللهِ تعالى حَمِيَّتُه للدين واشتعالُ قلبِه على هذا الدين، فإذا رأى زيادةً في فساد أو رأى عمُومًا لمُنكرَات غارَ على دينِ الله فقامَ ينصرُ دينَ الله، وهكذا كان الإمامُ الرفاعيُّ رضي الله عنه.

لذلك كثيرٌ من المجالسِ الرفاعية فيها ما نذكرُ من الحَثِّ على نُصرةِ الدين، على الدفاعِ عن دينِ الله تبارك وتعالى.

قال نافعُ بنُ هُرمُز “سمعتُ أنسًا يقول: قيل يا محمد مَن آلُ محمد؟ قال “كلُّ تقيّ” صلى الله على محمد وعلى آلِ محمد وعلى أزواجِ محمد وعلى ذريةِ محمد وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا.

معنى ذلك يا صوفيّ يا عبدَ الله إن كنتَ ممنِ اتّقى الله فإنك بهذا الوصفِ منْ آلِ محمدٍ لأنّ آلَ محمدٍ تأتي على معنى كلِّ تقيّ كما أنها تُطلَقُ على أزواجِه وذريّتِه عليه الصلاة والسلام.

مَن آلُ محمد؟ كلُّ تقيّ.

فالتقوى جِماعُ الخيرات وحقيقةُ الاتّقاءِ التّحَرُّزُ بطاعةِ الله عن عقوبتِه يقالُ اتّقى فلانٌ بتُرْسِه إذا كان اتّخذَ التُرْسَ لحمايتِه، وكذلك نحن نتّقي اللهَ بطاعتِه بأداءِ ما أوجبَ علينا واجتنابِ ما حرّم.

أصلُ التقوى اتِّقاءُ الشرك ثم بعدَه اتّقاءُ المعاصي والسيئات ثم بعدَه اتّقاءُ الشبُهات ثم يدَعُ بعدَه الفضَلات.

يتّقي الشركَ أولًا لأنه مع الإشراكِ بالله لا يقبلُ اللهُ عز وجل أيّ عملٍ، فمَن كان على غيرِ الإسلام لا يقبَلُ اللهُ عز وجل منه أيَّ عملٍ من الأعمال لأنّ الإيمانَ شرطٌ لقَبولِ العملِ الصالح.

اتّقاءُ الشرك، ثم بعدَه اتّقاءُ المعاصي والسيئات، بعدَ ذلك أنْ نتجنّبَ المعاصي أنْ نتجنّبَ ما يُغضِبُ الله ثم بعد ذلك نتّقي الشبهات ورَعًا، فما كان فيه شُبهة نترُكُه، ثم بعدَ ذلك نتركُ الفضلات أي نتركُ ما كان فاضلًا عن حاجاتِنا مما يشغلُنا عن طاعةِ الله عز وجل.

فإذا نظرْنا في أنفسِنا فما وجدْناه يشغَلُنا عن الاستعدادِ ليومِ القيامة، ما يؤَخِّرُنا عن طاعةِ الله فهو من الفضَلات، فهذا نترُكُه كذلك لنكونَ على تلكَ المراتب الكاملة والدرجاتِ العالية في تقوى الله عز وجل، كذلك قال الأستاذ أبو عليٍّ الدقاق رحمه الله ولكلِّ قسمٍ من ذلك باب

وجاء في تفسيرِ قول الله تعالى {اتقوا اللهَ حقَّ تقاتِه}[آل عمران/١٠٢] أنْ يُطاعَ فلا يُعصى ويُذكرَ فلا يُنسى ويُشكَرَ فلا يُكفَر

لأنّ مَن يكفرُ باللهِ عز وجل هذا ما عاد من المؤمنين ما عادَ عملُه مقبولًا عند اللهِ تعالى، هذا ما عاد شاكرًا لله عز وجل.

لذلك يجبُ على العبدِ المسلم أنْ يحفظَ نفسَه من الوقوعِ في الكفر في أقسامِه الثلاثة، أنْ يحفظَ نفسَه من الكفر القوليّ الذي مكانُه اللسان كمسبّةِ الله والعياذ بالله أو مسبّةِ الإسلام والعياذ بالله أو مسبةِ الأنبياءِ والعياذ بالله أو مسبةِ ما عظّمَ اللهُ تعالى كالجنةِ والكعبةِ الشريفة والصلاةِ والصيامِ والزكاةِ والحجِّ، يجبُ أنْ يحفظَ العبدُ نفسَه من ذلك

وكذلك يجبُ أنْ يحفظَ نفسَه من الكفرِ الفعليّ الذي مكانُه الجوارح كإلقاءِ المصحفِ في القاذوراتِ والعياذُ بالله وكدَوْسِ المصحفِ أو كتابِ الشرعِ أو الجلوسِ عليه

والكفرُ الاعتقاديُّ والعياذُ بالله ومكانُه القلب كمَن يعتقدُ أنّ لله عز وجل شريكًا أو شبيهًا أو مثيلًا وكمَن يعتقدُ أنّ لله زوجةً أو ولدًا وكمَن يعتقدُ أنّ اللهَ نورٌ بمعنى الضوء وأنّ محمدًا عليه الصلاة والسلام جزءٌ من الله والعياذ بالله وكمَن يعتقدُ أنّ اللهَ تعالى يسكنُ جهةَ  فوق أو أنّ اللهَ تعالى ينحلُّ في جهةِ تحت، فإنّ ربَّنا سبحانه وتعالى منزّهٌ عن الجهاتِ كلِّها، فهذا الذي كفرَ بالله لم يشكر الله ومَن كفرَ بالله فعليه العَوْدُ فورًا إلى الإسلام بالنطقِ بالشهادتين بقولِ أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وأشهدُ أنّ محمدًا رسولُ الله.

وقال سهلُ بنُ عبدِ الله “لا مُعينَ إلا الله” المعنى لا مُعينَ على الحقيقةِ إلا الله ولا دليلَ إلا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم، دليلُنا في كلِّ خير هو المعلم القدوة، دليلُنا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم لا مُعينَ إلا الله ولا دليلَ إلا رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ولا زادَ إلا التقوى ولا عملَ إلا الصبرُ عليه”

وقال الجُرَيرِيُّ رحمه الله “مَن لم يُحكِمْ بينَه وبينَ اللهِ التقوى والمراقبة لم يصل إلى الكشفِ والمشاهدة”

إذا لم يُحكِم هذا البنيان بينَه وبين الله بالتقوى والمراقبة لم يصل إلى الكشف والمشاهدة

وقال النّصرَباذي “التقوى أنْ يتّقيَ الله ما سواهُ تعالى” أي أنْ يتجنّبَ ما يُبعِدُه عن طاعةِ الله”

وقال أيضا “مَن لزِمَ التقوى اشتاقَ إلى مفارقةِ الدنيا”

لأنّ اللهَ تعالى يقول {ولَلدارُ الآخرةُ خيرٌ للذين يتقون أفلا تعقلون}[الأنعام/٣٢]

العبدُ الذي يلزمُ تقوى الله تبارك وتعالى شوقُه إلى مفارقةِ الدنيا شوقُه إلى لقاء الله شوقُه للقاءِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم

لما كان بلالٌ الحبشي رضي الله عنه على فراش الموت وزوجتُه تبكيهِ إلى جوارِه نظرَ إليها بلال قال لا تقولي واحزناه قولي واطرَباه غدًا نلقى الأحبة نلقى محمدًا وصحبَه.

يشتاقُ إلى مفارقةِ الدنيا لأنّ قلبَه ليس معلَّقًا بالدنيا بل قلبُه معلَّقُ بالآخرة.

قال سهلٌ “مَن أرادَ أنْ تصحَّ له التقوى فلْيَترُكِ الذنوبَ كلَّها”

فليترك كلَّ الذنوب، كلَّ المعاصي.

وقال بعضُهم “مَن تحقّقَ في التقوى هوّنَ اللُه على قلبِه الإعراضَ عن الدينا فإذا قلتَ كيف يخِفُّ تعلُّقُ قلبي بالدنيا فأقول اتّقِ الله يهوِّنُ اللهُ على قلبِك الإعراضَ عن الدنيا”

قال أبو عبدِ الله الرّوذَباريّ رحمه الله “التقوى مُجانَبةُ ما يُبعِدُكَ عن الله عز وجل”

ما يُبعِدُك: أي بُعدًا معنويًّا، ما فيه معصيةٌ لله فإنّ هذا يُبعِدُ عن طاعةِ الله

فالتقوى مُجانَبةُ ما يُبعِدُ عن الله عز وجل.

يقولُ ذو النون المصري رحمه الله “التقيُّ مَن لا يُدَنِّسُ ظاهرَه بالمُعارَضات ولا باطنَه بالعُلالات”

العُلالات: جمعُ عُلالة أي ما تعّلَلْتَ به لِتَسكُن.

وقال ابنُ عطاء “للتقوى ظاهرٌ وباطن فظاهرُه محافظةُ الحدود وباطنُه النيةُ والإخلاص التقوى ملازمةُ الشريعةِ ظاهرًا وباطنًا”

قال ذو النون “فلا عيشَ إلا مع رجالٍ قلوبُهم تحنُّ إلى التقوى وترتاحُ بالذكرِ سكونٌ إلى رُوحِ الحياةِ وطِيبِه كما سكنَ الطفلُ الرضيعُ إلى الحِجر”

قلوبُهم تحنُّ إلى تقوى الله، قلوبُهم تحنُّ إلى مَن يتقِّ الله.

لذلك قلوبُنا في حنينٍ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

قلوبُنا في حنين إلى الأنبياء والمرسلين، قلوبُنا في حنينٍ إلى جبريلَ وميكائيل، قلوبُنا في حنينٍ إلى أصحابِ المصطفى الأمين

قلبُنا يحنُّ إلى أبي بكر وإلى عمر وإلى عثمان وإلى عليّ، إلى أصحابِ المصطفى إلى أئمةِ الهدى إلى الشافعي وأحمد وأبي حنيفة رضي الله عنه، قلوبُنا تحنُّ إلى أولياء الله تحنُّ إلى الرفاعي تحنُّ إلى الباز الأشهب عبدِ القادرِ الجيلانيّ، تحنّ إلى الإمامِ البدوي وإلى الإمام الدسوقيّ وإلى أبي مَديَن وإلى الشاذليّ وإلى كلِّ أولياء الله.

قيل يُستَدلُّ على تقوى الرجل بثلاث:

حُسنِ التوكلِ فيما لم ينَلْ، وحُسنِ الرضا فيما قد نال، وحُسنِ الصبرِ على ما قد فات.

وقال طَلْقُ بنُ حبيب رضي الله عنه “التقوى عملٌ بطاعةِ الله على نورٍ من الله مخافةَ عقابِ الله”

قال أبو الحسين الزَّنْجانيّ رحمه الله “مَن كان رأسُ مالِه التقوى كلَّتِ الألسُنُ عن وصفِ ربحِه” ربحُه كبير، رأسُ مالٍ كبير تقوى الله

قيل إنّ أبا يزيدٍ البسْطاميِّ رحمه الله غسلَ ثوبَه في الصحراء مع صاحبٍ له فقال صاحبُه نُعلِّقُ الثياب في جدرانِ (الهُرُم) فقال لا نغرِسُ الوتَدَ في جدار الناس، فقال نعلّقُه في الشجر فقال لا إنه يكسِرُ الأغصان، فقال نَبسُطُه على (الإذخِر) فقال لا إنه علَفُ الدواب لا نسترُه عنها، فوَلّى ظهرَه إلى الشمسِ والقميصُ على ظهرِه حتى جفَّ جانبٌ وقلبَه حتى جفَّ الجانبُ الآخر.

وهذا من شدة ما كان عليه من الورعِ رحمه الله

رُؤِيَ عُتبةٌ غلامُ بمكانٍ يتصبّبُ عرقًا في الشتاء فقيل له في ذلك فقال إنه مكانٌ عصَيتُ ربي فيه

يتصبّبُ عرقُه شتاءً في مكانٍ لماذا؟

قد تذكّرَ أنه عصى اللهَ تعالى فيه.

فانظروا كيف حالُ هؤلاء الأكابر وكيف حالُ مَن تجدُه عصى اللهَ تعالى في مكانٍ ثم هو يضحكُ فيه.

عن أميرِ المؤمنينَ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ كرّمَ اللهُ تعالى وجهَه قال “سادةُ الناسِ في الدنيا الأسْخياء وسادةُ الناسِ في الآخرةِ الأتقياء”

نسألُ اللهَ تبارك وتعالى أنْ يجعلَنا من الأتقياء

اللهم أمِدَّنا بمددِ الأنبياء والأولياء واجعلنا من عبادك الصالحين الأتقياء واجمعنا في الآخرة معَ سيدِ الأنبياء والأولياء محمدٍ صلى الله عليه وسلم وأمِدَّنا يا مولانا بأمدادِ أبي العلمين شيخِ العريجاءِ أحمدَ الرفاعي.

سبحانك اللهم وبحمدِك نشهدُ أنْ لا إله إلا أنت نستغفرُكَ ونتوبُ إليك

سبحان ربِّكَ ربِّ العزةِ عما يصفون وسلامٌ على المرسلين

والحمدُ لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمدٍ وعلى آلِه وأصحابِه الطيبين الطاهرين.