الجمعة سبتمبر 13, 2024

 الحمدُ لله حمدًا يرضاه لذاتِه والصلاة والسلام على سيدِ مخلوقاتِه ورضي الله عن الصحابة والآل وأتْباعِهم من أهلِ الشرعِ والحال والسلام علينا وعلى عباد اللهِ الصالحين.

اللهم صلِّ صلاةً كاملة وسلمّ سلامًا تامًّا على سيدِنا محمد الذي تنحلُّ به العقد وتنفرجُ به الكرب وتُقضى به الحوائج وتُنالُ به الرغائب وحسنُ الخواتيم ويُستسقى الغمامُ بوجهِه الكريم وعلى آلِه وصحبِه وسلِّم.

اللهم اجعل نياتِنا وأعمالَنا خالصةً لوجهِك الكريم ربَّنا تقبّلْ منا إنك أنت السميعُ العليم واعْفُ عنا إنّك أنت العفوُّ الكريم وارحمْنا إنك أنتَ الرحمنُ الرحيم وتُبْ علينا إنك أنتَ التوابُ الرحيم.

يقول الإمامُ أحمدُ الرفاعي الكبير رضي الله عنه في برهانِه المؤيد “فعامِلوا اللهَ بحُسنِ النيات واتّقوه في الحركاتِ والسكنات وصونوا عقائدَكم بظاهرِ ما تشابه منَ الكتابِ والسنة لأنّ ذلك من أصولِ الكفر. قال تعالى {فأما الذين في قلوبِهم زَيغٌ فيَتّبعونَ ما تشابهَ منه ابتغاء الفتنةِ وابتِغاءَ تأويلِه}[آل عمران/٧] والواجبُ عليكم وعلى كلِّ مكلفٍ في المُتشابه الإيمانُ بأنه مِن عندِ الله أنزلَه على عبدِه سيدِنا رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فسبيلُ المتقين تنزيهُ اللهِ تعالى عمّا دلَّ عليه ظاهرُه وتفويضُ معناه المرادِ منه إلى الحقّ تعالى وتقدَّس وبهذا سلامةُ الدين.

سُئلَ بعضُ العارفينَ عن الخالقِ فقال للسائل: إنْ سألتَ عن ذاتِه فليس كمثلِه شىء وإن سألتَ عن صفاتِه فهو أحدٌ صمدٌ لم يلد ولم يولَد ولم يكنْ له كفُوًا أحد وإنْ سألتَ عن اسمِه هو اللهُ الذي لا إله إلا هو عالمُ الغيبِ والشهادة هو الرحمنُ الرحيم وإنْ سألتَ عن فعلِه فكلَّ يومٍ هو في شأن

وقد جمعَ إمامُنا الشافعيُّ رضي الله عنه جميعَ ما قيلَ في التوحيدِ بقولِه “مَن انتهضَ لمعرفةِ مدَبِّرهِ فانتهى إلى موجودٍ ينتهي إليه فكرُه فهو مشبِّه وإنِ اطمأنَّ إلى العدمِ الصرفِ فهو مُلحِدٌ معطِّلٌ وإنِ اطمأنَّ لموجودٍ واعترف بالعجزِ عن إدراكِه فهو موحِّد”

معناه الذي يعترفُ بوجودِ الله تعالى ويعتقدُ أنه موجودٌ ليس كمثلِه شىء موجودٌ بلا مكان لا يجري عليه زمان ولم يقل إنني أريد أنْ أتصوّرَ ربي فهذا الإنسانُ موحِّدٌ عارفٌ بربِّه.

يقول سيدنا أحمد الرفاعي “أي سادة، نزّهوا اللهَ عن سِماتِ المُحدَثين وصفاتِ المخلوقين وطهّروا عقائدَكم من تفسير معنى الاستواءِ في حقِّه تعالى بالاستقرارِ كاستواء الأجسامِ على الأجسام المُسْتَلزِمِ للحلول تعالى اللهُ عن ذلك. وإياكم والقولَ بالفوقيةِ والسفليةِ والمكان واليدِ والعينِ بالجارحة والنزولِ بالإتيانِ والانتقال فإنّ كلّ ما جاء في الكتاب والسنة مما يدلُّ ظاهرُه على ما ذُكِر فقد جاء في الكتابِ والسنةِ مثلُه مما يؤيِّدُ المقصود فما بقيَ إلا ما قالَه صُلَحاءُ السلف وهو الإيمانُ بظاهرِ كلِّ ذلك وردُّ علمِ المرادِ إلى الله ورسولِه مع تنزيهِ البارىءِ تعالى عن الكيفِ وسِماتِ الحدوث وعلى ذلك درجَ الأئمة وكلُّ ما وصفَ اللهُ به نفسُه  في كتابِه فتفسيرُه قراءتُه والسكوتُ عنه -ليس لأحدٍ أنْ يفسِّرَه إلا اللهُ ورسولُه- ولكم حملُ المتشابهِ على ما يُوافقُ أصلَ المحكَم لأنه أصلُ الكتاب، والمتشابه لا يُعارِضُ المحكم.

سألَ رجلٌ الإمامَ مالكَ بنَ أنسٍ رضي الله تعالى عنه عن قولِه تعالى {الرحمنُ على العرش استوى}[طه/٥] فقال الاستواءُ معلوم، معنى كلام مالك أي معلومٌ ورودُه  في القرآن أي أنه ورد في القرآن، أجاب مالك فقال الاستواءُ معلومُ والكيفُ غيرُ معقول -لم يقل الإمام مالك الكيفُ مجهول، يعني يستحيل الكيفُ على الله- والإيمانُ به واجب والسؤالُ عنه بدعة وما أراكَ إلا مُبتدِعًا، وأمرَ به أنْ يُخرَج.

وقال إمامُنا الشافعيُّ رضي الله عنه لما سُئلَ عن ذلك “آمنتُ بلا تشبيه وصدّقتُ بلا تمثيل واتّهمتُ نفسي بالإدراك وأمسَكْتُ عن الخوضِ فيه كلَّ الإمساك”

وقال الإمامُ أبو حنيفةَ رضي الله عنه “مَن قال لا أعرفُ اللهَ أفى السماءِ هو أم في الأرض فقد كفر لأنّ هذا القولَ يُوهِمُ أنّ للحقِّ مكانًا ومَن توهّمَ أنّ للحقِّ مكانًا فهو مشبِّه”

وسُئلَ الإمامُ أحمدُ بنُ حنبل رضي الله عنه عن الاستواء فقال “استوى كما أخبر لا كما يخطرُ للبشر”

وقال الإمامُ جعفرٌ الصادقُ عليه السلام “مَن زعمَ أنّ اللهَ في شىء أو من شىء أو على شىء فقد أشرك إذ لو كان على شىءٍ لكانَ محمولًا ولو كان في شىءٍ لكانَ محصورًا ولو كان من شىءٍ لكان مُحدَثًا أي مخلوقًا”

إلى هنا كان مما قاله الإمامُ الرفاعي في البرهان المؤيد

انظروا يرحمُني ويرحمُكمُ الله كيف مضى الإمامُ أحمدُ الرفاعي في البرهان المؤيد منَ التذكير بإخلاص النية والتذكيرِ بالزهدِ وبالتقوى وباتّباعِ طريقِ المصطفى صلى الله عليه وسلم وما هو إلا أن انتقلَ إمامُ التوحيدِ في زمانِه الإمامُ الرفاعي الذي علّمَ خلفاءَه وخلفاءَ خلفائه وطلابَه ومريديه تعلّمْنا منه إلى وقتِنا هذا أنْ ننشطَ في تعليمِ علمِ التوحيد.

انظروا هذه الحصة التي أعطاها الإمامُ الرفاعي في التوحيد، وسنمضي بإذنِ اللهِ تعالى إلى شىءٍ من لطائفِ معاني ما نقلَه الإمامُ الرفاعي عن الأئمة في توحيدِ الله عز وجل في مجلسِنا هذا وفي مجلسِنا الرفاعي القادم بإذنِ اللهِ تعالى فنقول:

القرآنُ الكريمُ توجَدُ فيه آياتٌ محكَمات وآياتٌ متشابهات، اللهُ تعالى قال في سورة آل عمران {هو الذي أنزل عليكَ الكتابَ منه آياتٌ مُحكَماتٌ هنّ أمُّ الكتاب وأُخَرُ مُتشابهات فأما الذين في قلوبِهم زَيغٌ فيَتّبِعونَ ما تشابهَ منه ابْتِغاءَ الفتنةِ وابتغاءَ تأويلِه وما يعلمُ تأويلَه إلا الله والراسخونَ في العلمِ يقولون آمنّا به كلٌّ مِن عندِ ربِّنا وما يذّكّرُ إلا أُولو الألباب}[آل عمران/٧]

القرآنُ الكريم فيه آياتٌ محكمات وفيه آياتٌ متشابهات، والمحكمات هي التي دلالَتُها على المرادِ واضحة، أما الآيات المتشابهة دلالتُها على المرادِ غيرُ واضحة.

ذمَّ اللهُ تعالى الذين يتّبعونَ ما تشابهَ منه ابتغاءَ الفتنةِ أي الزيغِ أي ابتغاءَ الإيقاعِ في الأمرِ المحظور وهكذا تصنعُ المشبّهة في الزمان الذي مضى حتى زمانِنا هذا، لأنّ المشبّهة -أعني الذين يشبّهونَ اللهَ تعالى بخلقِه والعياذ بالله، الذين يصفونَ اللهَ تعالى بالقعود والجلوس والاستلقاء والانتقال من مكان إلى مكان ويصفونَ الله بالجسمية والعياذُ بالله- غرضُهم في جدالِهم أنْ يُوقِعوا السنيَّ في اعتقادِهم الباطل.

 والذين في قلوبِهم زيغ هم أهلُ الأهواء والمعتزلةُ أيضًا نُفاةُ القدَر وغيرِه، وقد حصل في زمن الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنّ رجلًا يقالُ له صَبيغ كان يسألُ عن المتشابه على وجهٍ يُخشى منه الفتنة فضربَه سيدُنا عمر ثم نفاه وأمرَ ألا يختلطَ الناسُ به.

كيف تجدونَ يا سادة مشبِّهةَ هذا الزمان عندما يدخلون المساجدَ والمجالس فينظرونَ إلى الناس ويقولون لهم الرحمنُ على العرش استوى كيف استوى، هكذا يفعلون وهؤلاء أهلُ الزيغ، سمّى اللهُ المحكمات أمَّ الكتاب أي أمَّ القرآن لأنّها الأصل المرجِع -الأم هنا الأصل- أي تُرَدُّ إليه المتشابهات.

ثم المتشابه قسمان أحدُهما ما لا يعملُه إلا الله، هذا من المتشابه، إذًا من المتشابه ما لا يعملُه إلا الله كوجبةِ القيامةِ متى القيامة

والثاني من المتشابه يعلمُه الراسخونَ في العلم كمعنى الاستواءِ المذكورِ في قولِه تعالى {الرحمنُ على العرشِ استوى}[طه/٥] فإنّ الراسخينَ فسّروه بالقهر.

الآياتُ المحكمة التي لا تحتمِل بحسبِ وضعِ اللغة إلا وجهًا واحدًا أو ما عُرِفَ المرادُ به بوضوح كقولِه تعالى {ليس كمثله شىء}[الشورى/١١] وقولِه {ولم يكن له كفوًا أحد} [الإخلاص/٤] وقولِه {هل تعلمُ له سمِيًّا}[مريم/٦٥]

ليُعلَم أنّ الآياتِ القرآنيةَ أغلبُها محكَمة، والآياتُ المُحكمات هي التي دِلالَتُها على المرادِ واضحة يقالُ هي ما لا يحتملُ من التأويلِ بحسَبِ اللغةِ العربية إلا وجهًا واحدًا كقولِه تعالى {هل تعلمُ له سَمِيًّا}[مريم/٦٥] أي مِثلًا، أي ليس لله مثيلٌ ولا شبيه.

ولا يقال تقسيمُ الآياتِ إلى مُحكمٍ ومتشابِه قولُه تعالى {كتابٌ أُحكِمَتْ آياتُه}[هود/١] وقولُه {كتابًا متشابهًا}[الزمر/٢٣] لأنّ المرادَ هنا بإحكامِه إتقانُه وعدمُ تطَرُّقِ النقص والاختلافِ إليه، وبتَشابُكِ كونُه يشبهُ بعضُه بعضًا في الحقِّ والصدقِ والإعجازِ، والآياتُ التي ذكرَها هي أمثلةٌ للآياتِ المحكمة التي لا يجوزُ تأويلُها أي إخراجُها عن ظاهرِها {ليس كمثلهِ شىء}[الشورى/١١] {هل تعلمُ له سميًّا}[مريم/٦٥] {قل هو الله أحد}[الإخلاص/١] لأنّ إخراجَ النصِّ عن ظاهرِه بغيرِ دليلٍ نقليٍّ ثابت أو عقليٍّ قاطع عبَثٌ لا يجوزُ في كلامِ الله عز وجل ولا في كلامِ نبيِّه صلى الله عليه وسلم كما قال الرازيُّ في ا لمحصول.

وأما قولُه تعالى {الرحمنُ على العرش استوى}[طه/٥] وقولُه {إليه يصعدُ الكَلِمُ الطيب}[فاطر/١٠] فلا بد منْ تأويلِهما وردِّهما إلى الآياتِ المحكَمات.

 ولا يجوزُ تركُ التأويلِ والحملُ على الظاهرِ لأنّه يلزَمُ من ذلك ضربُ القرآنِ بعضُه ببعض وذلك لأنّ ظاهرَ قولِه تعالى {الرحمنُ على العرش استوى} وقولِه {إليه يصعدُ الكَلِمُ الطيب} تحيّز اللهَ تعالى في جهةِ فوق واللهُ منزَّهٌ عن ذلك.

وقولُه تعالى {وللهِ المشرقُ والمغرب فأينما تُوَلّوا فثَمَّ وجهُ الله}[البقرة/١١٥] ظاهرُه أنّ اللهَ في أفقِ الأرض.

وقولُه تعالى في حقّ إبراهيم {وقال إني ذاهبٌ إلى ربي سيَهْدِين}[الصافات/٩٩] إلى أين كان يذهب إبراهيم عليه السلام؟ يُهاجر من العراق إلى بر الشام

ماذا أخبرَ اللهُ تعالى عنه؟ {وقال إني ذاهبٌ إلى ربي} ظاهرُه أنّ اللهَ ساكنٌ فلسطين لأنّ إبراهيمَ كان أرادَ الذهابَ إليها، وهذه الآيةُ أيضًا ظاهرُها أنّ اللهَ تعالى في جهةِ تحت، فإنْ تركْنا هذه الآيات على ظواهرِها كان ذلك تناقضًا ولا يجوزُ وقوعُ التناقضِ في القرآن فوجبَ تركُ الأخذِ بظواهرِ هذه الآيات والرجوعُ إلى الآيةِ {ليس كمثلِه شىء وهو السميعُ البصير}[الشورى/١١]

وأما مَن قال جهةُ فوق تليق بالله وجهةُ تحت نقصٌ في حقّ الله فلذلك لا نؤَوِّلُ الآيات التي تدلُّ ظواهرُها على أنه في جهةِ فوق بل نؤوِّلُ الآيات التي تدلُّ ظواهرُها على أنه في جهةٍ تحتٍ، فالجواب: أنّ جهةَ فوق مسكنُ الملائكة وكذلك مدارُ النجومِ والشمسِ والقمر، وليس هؤلاء أفضلَ من الأنبياء، الذين منشؤُهم في جهةِ تحت وحياتُهم في جهة تحت إلى أنْ يموتوا عليهم الصلاة والسلام فيُدفَنونَ في الأرض، ومَن أفضل الأنبياءُ أم الملائكة؟ بل الأنبياء أفضل من الملائكة لأنّ اللهَ أسجدَ لآدمَ الملائكة فسجدوا له، والمسجودُ له -أي بأمرِ الله- أفضلُ من الساجد، فبطَلَ قولُكم جهةُ فوقٍ كمالٌ لله وجهةُ تحتٍ نقصٌ لله لأنّ اللهَ لا يتشرّفُ بشىءٍ من خلقِه، فلا يتشرّفُ بالعرش، ومَن زعمَ ذلك جعلَ اللهَ محتاجًا لغيرِه والاحتياجُ مستحيلٌ على الله، بل التحيزُ في جهةِ فوقٍ أو غيرِها نقصٌ على الله لأنه يلزَمُ من التحيزِ أنْ يكونَ له حدٌّ ومقدار والمقدارُ مخلوق.

قال اللهُ تعالى {وكلُّ شىءٍ عندَه بمقدار}[الرعد/٨] -بمقدار هنا أي بحجم- معناه المخلوق له حجم والخالق ليس حجمًا، المخلوق جسم الله ليس جسمًا.

العرشُ له مقدار والذرةُ لها مقدار وكذلك ما بينهما من الأحجام والأجسامِ المختلفة.

ثم إنّ الملِكَ والسلطان قد يكونانِ يسكنانِ في بطنِ الوادي وحرّاسُهما يكونون على الأعالي، فهذا القياسُ الذي تعتبرُه المشبِّهة قياسٌ فاسد لا يلتفتُ إليه إلا مَن هو ضعيفُ العقلِ فاسدُ الفهم.

فإذًا ما قدّمَهُ لنا شيخُ الرفاعية وشيخُ صوفيةِ زمانِه الإمامُ أحمدُ الرفاعي وهو إذًا مذهبُ أهلِ السنة الصوفية الأشاعرة والماتريدية وهو الصوابُ السديدُ الموافقُ للعقلِ والنقل والحمدُ لله على ذلك.

ما قاله السيدُ الرفاعي في البرهان المؤيد “صونوا عقائدَكم من التمسُّكِ بظاهرِ ما تشابهَ منَ الكتابِ والسنّة فإنّ ذلك مِن أصولِ الكفر”

أي يوقعُ كثيرًا من الناسِ في الكفر، يؤدّي بهم إلى الكفر.

لا تحمِلوا الآياتِ المتشابهة على الظاهر وإلا فإنّ ذلك يؤدّي والعياذ بالله بكثيرٍ من الناس إلى الكفر.

الذي يأخذُ بظاهرِ بعضِ الآيات والأحاديثِ التي تُوهِمُ أنّ اللهَ جسمٌ مستقرٌّ في جهةِ العرش -وهذا ما أرادَه السيد أحمد ألا نأخذَ بظاهرِ الآياتِ المتشابهة أي التي تُوهِمُ أنّ اللهَ جسمٌ مستقرٌّ على العرش أو أنه في جهة الأرض أو أنّ له أعضاء أو أنه يتحرّك يكونُ مكذِّبًا للدين، كالذي يفسّرُ قولَه تعالى {الرحمنُ على العرش استوى}[طه/٥] بالجلوس فهو مكذِّبٌ للدين وهذا شتمٌ لله لأنّ الجلوسَ من صفاتِ الملائكةِ والجنّ والبشرِ والكلاب والخنازيرِ والقرودِ وإنما معنى الآية {الرحمنُ على العرش استوى}[طه/٥] أي قهرَ العرش، وتفسيرُ الاستواءِ بالقهر يليقُ بالله بل أشرفُ معاني الاستواءِ القهرُ لأنَّ اللهَ سمّى نفسَه فقال {وهو الواحدُ القهّار}[الرعد/١٦]

لذا يسمي المسلمون أبناءَهم عبدَ القاهر ولم يُسَمِّ أحدٌ من المسلمينَ أبناءَهم بعبد الجالس أو عبد القاعد.

فالمتَشابه ما لم تتّضِحْ دِلالَتُه أو ما كان يحتمِلُ أوْجُهًا عديدةً واحتاجَ إلى النظرِ إلى حملِه على الوجهِ المُطابِقِ كهذه الآيةِ المتشابهة {الرحمنُ على العرش استوى}[طه/٥]

وكقولِه تعالى {إليه يصعدُ الكلِمُ الطيب والعملُ الصالحُ يرفعُه}[فاطر/١٠] أي أنّ الكَلِمَ الطيبَ كلا إله إلا الله يصعدُ إلى محلِّ كرامتِه وهو السماء

{والعملُ الصالحُ يرفعُه} أي الكلِمُ الطيبُ يرفعُ العملَ الصالح، هذا فيه إشارة إلى أنّ الإيمانَ شرطٌ لقَبولِ العملِ الصالح.

فمَن لم يكنْ مِن أهلِ لا إله إلا الله، مَن لم يكن على لا إله إلا الله لم يقبل اللهُ تعالى منه أيَّ عملٍ من الأعمال وهذا مُنطبِقٌ ومُنسجِمٌ مع الآيةِ المحكمة{ليس كمثلِه شىء}[الشورى/١١] هذا من المُتَشابه الذي يعلمُ معناه الراسخون.

فالكلِمُ الطيب كلا إله إلا الله والعملُ الصالح، كلُّ عملٍ صالحٍ يُتقَرَّبُ به إلى الله كنحوِ الصلاةِ والصدقةِ وصلةِ الرحم، فالمعنى أنّ كلَّ ذلك يصعدُ إلى الله أي يتقبّلُه، هذا ليس فيه أنّ اللهَ له حيّزٌ يتحيّزُ فيه ويسكن، فالسماءُ محلُّ كرامتِه السماءُ مكانٌ مشرَّفٌ عند الله لأنها مسكنُ الملائكة

هذا التفسيرُ موافقٌ للآيةِ {ليس كمثلِه شىء}[الشورى/١١].

فتفسيرُ الآياتِ المتشابهة يجبُ أنْ يُرَدَّ إلى الآياتِ المحكمة، هذا في المتشابهِ الذي يجوزُ للعلماء أنْ يعلَموه وأما المتشابهُ الذي أُريدَ بقولِه {وما يعلَمُ تأويلَه إلا الله}[آل عمران/٧] على قراءةِ الوقفِ على لفظِ الجلالة فهو ما كان مثلَ وجبةِ القيامة كخروجِ الدجال على التحديد فليس مِن قبيلِ آيةِ الاستواء، وجبةُ القيامة أي الوقتُ المحددُ الذي تقعُ فيه القيامة.

فوجبةُ القيامة وخروجُ الدجال لا يعلمُهما على التحديدِ إلا الله، لا يعلمُهما أحدٌ من الخلق لا الراسخونَ في العلم ولا غيرُهم بدليلِ قولِ الرسولِ صلى الله عليه وسلم لجبريل حين سألَه عن الساعة أي القيامة “ما المسؤولُ عنها بأعلمَ منَ السائل”

معناه أنتَ يا جبريلُ لا تعلم وأنا كذلك لا أعلم.

وهو جزءٌ من الحديث الذي أخرجَه البخاري ومسلمٌ وابنُ حبان، فإذا كان جبريلُ وسيدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم لا يعلمانِ ذلك فغيرُهما أوْلى بأنْ لا يعلم.

فتبيّنَ أنّ المتشابهَ قسمان: قسمٌ لا يعلمُه إلا الله وقسمٌ يعلمُه بعضُ مَن علَّمَهُ اللهُ من عبادِه.

الذي لا يعلمُه إلا الله مثلُ وجبةِ القيامة، ذاك لا يعلمُه أحدٌ على التحديدِ إلا الله وكذلك خروجُ الدجال.

وأما المتشابهُ الذي يعلمُه بعضُ عبادِ الله فهو مثلُ قولِه تعالى {الرحمنُ على العرش استوى}[طه/٥] وقولِه {وجآءَ ربُّك والملَكُ صفًّا صفًّا}[الفجر/٢٢] ونحوِ ذلك.

هذا يعلمُه الله ويعلمُه بعضُ عبادِ الله لكنْ لا يُقطَعُ بأنّ مرادَ اللهِ بالاستواء على العرشِ القهرُ إنما يُظَنُّ ظنًّا راجحًا.

فالمذمومونَ الذين ذمّهمُ اللهُ في القرآنِ بقولِه {فأمّا الذين في قلوبِهم زيْغٌ فيتّبعونَ ما تشابهَ منه ابتِغاءَ الفتنةِ وابتِغاءَ تأويلِه}[آل عمران/٧] هم الذين يحاولونَ تحديدَ وقتِ قيامِ الساعة وخروجِ الدجال والذين يحاولون تفسيرَ القسمِ الآخرِ منَ المتشابه على وجهٍ فاسد كالتشبيه، كِلا الفريقينِ مذموم.

فالتأويلُ إذا كان على الوجهِ السائدِ شرعًا لا يُذَمُّ فاعلُه بل يُمدَح، وقد ثبتَ التأويلُ عن السلف الصالح كأحمدَ بنِ حنبل رضي الله عنه فقد ثبتَ عنه أنه أوّلَ {وجآءَ ربُّكَ والملَكُ صفًّا صفًّا}[الفجر/٢٢] بمجيءِ القدرة كما في البداية والنهاية، أي آثارِ قدرةِ الله العظيمة مما يظهرُ يومَ القيامة كخروجِ عنُقٍ من جهنمَ ليراهُ الكفارُ فيَفزَعونَ برؤيتِه وهم في موقفِ القيامة، وكشهادةِ الأيْدي والأرجل على ما كان مِن كسبِ الكفار مع الختمِ على أفواهِهم.

هكذا كان الإمامُ أحمدُ الرفاعي رضي الله عنه كأئمةِ أهلِ السنةِ والجماعة يعلّمونَ علمَ التوحيد في مجالس الصوفية في مجالس الفقراء في مجالس الزاهدين في مجالس العلم والعلماء والعابدين والعارفين يعلّمونَ علمَ التوحيد، يعلّمونَ توحيدَ الله وتنزيهَ الله عن مشابهةِ المخلوقين قدوتُهم إمامُ السالكين والعابدينَ والمتقين سيدُنا محمدٌ صلى الله عليه وسلم.

اللهم انفعنا بنبيّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم وانفعنا بما علّم من علوم التوحيد ومن علومِ الشريعة واجعلنا يا مولانا به صلى الله عليه وسلم مُقتَدين وعلى طريقِ الأنبياء والمرسلين والأولياء والصالحين اجعلنا يا مولانا سائرين

اجعلنا يا مولانا ممن يُعلِّمُ علمَ التوحيد ويُدافعُ عن دينِك وعن عقيدةِ نبيِّك حتى نلقاكَ يا الله

واجعل لنا يا الله في زمانِ غربةِ الإسلام لمَن يتكلمُ بالتوحيد ويعلِّمُ علمَ التوحيد اجعل لنا يا مولانا مددًا وسرًّا وقوةً من سيدِنا أحمدَ الرفاعي الكبير

سبحانك اللهم وبحمدِك نشهد أن لا إله إلا أنت نستغفركَ ونتوب إليك سبحان ربِّك ربِّ العزةِ عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين

وصلى الله على سيدِنا محمد وعلى آله وأصحابِه الطيبين الطاهرين.