الجمعة سبتمبر 20, 2024

الحمد لله حمدًا يرضاهُ لذاتِه والصلاة والسلام على سيدِ مخلوقاتِه ورضي الله عن الصحابة والآل وأتْباعِهم مِن أهلِ الشرع والحال والسلام علينا وعلى عباد الله الصالحين

اللهم صلّ صلاةً كاملة وسلّم سلامًا تامًّا على سيدِنا محمدٍ الذي تنحلُّ به العقد وتنفرجُ به الكرب وتُقضى به الحوائج وتُنالُ به الرغائبُ وحُسنُ الخواتيم ويُستسقى الغمام بوجهِه الكريم وعلى آلهِ وصحبِه وسلِّم

اللهم اجعل نيّاتِنا وأعمالَنا خالصةً لوجهِك الكريم يا موْلانا يا الله يا أرحمَ الراحمين

يقولُ الإمامُ أحمدُ الرفاعيُّ الكبير رضي الله عنه في البرهان المؤيد “أي سادة، الزهدُ أولُ القاصدينَ إلى الله عز وجل وأساسُه التقوى وهي خوفُ الله رأسُ الحمة وجِماعُ كلِّ ذلك حُسنُ متابعةِ إمامِ الأرواحِ والأشباح السيدِ المكرّم رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

اتّباعُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم سببٌ مُوصِلٌ إلى مَرضاةِ الله تبارك وتعالى.

فنحنُ نحبُّ النبيَّ محمدًا صلى الله عليه وسلم نُوَقِّرُه نُعظِّمُه نشتاقُ إليه نزورُه نذكرُه، كيف لا واللهُ يقول {ورفَعْنا لك ذكرَك}[الشرح/٤]

فإذا كان اللهُ تبارك وتعالى قد رفعَ ذكرَ محمدٍ فكيف لا نُكثرُ نحنُ من ذكرِه عليه الصلاة والسلام وكيف لا نُعَظِّمُه؟

نذكرُ أحوالًا لِما كان عليه السلفُ الصالحُ والعلماء والمرضيّونَ إذا ذُكرَ عندَهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم كيف تكونُ أحوالُهم؟ كيف حالُم في اتّباعِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام؟

نعم هم يمْتَثِلونَ أمرَه عليه الصلاة والسلام، يأتَمِرونَ بأمرِه، فما أمرَ به عليه الصلاة والسلام يأتَمرونَ به، ما نَهى عنه صلى الله عليه وسلم يَنتَهونَ عنه.

لكنهم ليس فقط يقفونَ إلى هذا القدْر، فإنهم يُؤَدّونَ الواجبات ويجتَنبونَ المحرمات كما أمرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم، لكنهم يزدادونَ فيُعَظِّمونَ النبيَّ عليه الصلاة والسلام ولهم أحوالٌ يَحسُنُ بنا أنْ نقفَ عندها.

كيف حالُهم إذا تذكّروا النبيَّ عليه الصلاة والسلام؟ وكيف حالُهم إذا ذكروا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم أو ذُكرَ عندَهم رسولُ الله صلى الله عليه وسلم؟

يقولُ الإمامُ مالك، أي مالكُ بنُ أنس، وهو إمامُ المدينةِ المنورة، إمامُ مدينةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان الناسُ يقطعونَ مسافاتٍ بعيدة ليصلوا إلى الإمام مالك يسْتَفْـتونَه ويسألونَه، حالُ الإمامِ مالك عجيب.

كان رضي الله عنه إذا أرادَ أن يقضيَ حاجةَ خرجَ إلى خارجِ المدينة من شدةِ ما كان في قلبِه هيبةُ النبيِّ عليه الصلاة والسلام

وكان إذا أتى من خارجِ المدينة فإذا بلغَ حدودَ المدينةِ المنورة فإنْ كان راكبًا على دابةٍ نزلَ عنها ويخلَعُ نعلَه ويمشي حافيًا، يدخلُ المدينةَ حافيًا من شدةِ ما كان في قلبِه مِن تعظيمٍ النبيِّ عليه الصلاة والسلام ويقول لعلي أدوسُ موطِئًا وَطِأَتْهُ قدمُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، وإذا ذُكرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في حضرةِ الإمامِ مالك تغيّرَ حالُه، وإذا جاءَهُ طالبٌ سألَه علمًا يقول له أيُّ علمٍ تريد؟ فإذا قال له أريدُ أنْ تحَدِّثَني حديثَ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول له أمْهِلْني، يستأذِنُه مالك فيدخلُ يغتسل يتطيّب يلبَسُ أحسنَ الثياب ثم يخرج، فإذا كان في مجلسِ حديثِ رسول الله صلى الله عليه وسلم تجدُ السكينة لا تجدُ مَن يُكثِرُ الحركة، وإذا ذكرَ النبيَّ عليه الصلاة والسلام ذكرَه بهيبةٍ كبيرة.

فالإمامُ مالك لما كُلِّمَ ذاتَ مرة ما هذا الحال أنت إلى هذه الدرجة، فصار الإمامُ مالك رضي الله عنه يسوقُ لهم أحوالَ مشايخِه وأصحابِه أهلِ الخيرِ والصلاح كيف كانت محبّتُهم للنبيِّ عليه الصلاةُ والسلام

قال مالك رضي الله عنه وقد سُئل عن أيوبَ السِّخْتيانيّ ما حدّثْتُكم عن أحدٍ إلا وأيوبُ أفضلُ منه، أنا أعتقدُ فيه اعتقادًا كبيرًا، قال وحجَّ حجّتيْن فكنتُ أرْمُقُه وأسمعُ منه، معناه أنا كنتُ أنظرُ إليه أُبصِرُه لكنْ ما كنتُ أروي عنه بعد، قال غيرَ أنه كان إذا ذَكرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بكى حتى أرْحَمه، إذا ذكرَ النبيّ هو أو ذُكِرَ النبيّ عليه الصلاة والسلام عنده،  قال بكى حتى أرحمَه، قال مالك: فلما رأيتُ منه ما رأيت وإجلالَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم كتبْتُ عنه، بعد ذلك  صرتُ أكتبُ الحديثَ عنه لما رأيتُه من عظيمِ تعظيمِ حالِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم أي ما كان عليه من الحال في تعظيمِ أمرِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام وإجلالِه.

فكان هذا للإمامِ مالك من جملة ما ينظرُ إليه، هذا الذي أريدُ أنْ أرويَ عنه الحديث أنْ أحدِّثَ عنه كيف كان تعظيمُه للنبيِّ عليه الصلاة والسلام؟

 معناه هذا لا شأن، لأنّ الذي يعظِّمُ النبيَّ عليه الصلاة والسلام هذا يدلُّ على أنّ اللهَ تعالى جعلَ فيه نورًا لأنّ القلبَ جعلَ اللهُ تعالى فيه النور قلبُ يؤمنُ بالنبيِّ عليه الصلاة والسلام ويحبُّه ويعملُ بهَديِه يأتَمرُ بأمرِه عليه الصلاة والسلام وينَتهي بنَهيِه صلى الله عليه وسلم ويُعَظِّمُ رسولَ الله ويشتاقُ للقاءِ رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يقولُ مالك رضي الله عنه مبيِّنًا هذه الدرجة التي عليها هذا الإمام قال فلما رأيتُ منه ما رأيتُ وإجلالَه للنبيِّ صلى الله عليه وسلم كتبْتُ عنه.

قال مصعبُ بنُ عبدِ الله كان مالك إذا ذكرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم يتغيرُ لونُه وينحني حتى يصعبَ ذلك على جُلَسائِه، فقيل له يومًا في ذلك فقال: لو رأيتم ما رأيت لَما أنْكرتمْ عليّ ما ترَوْن، ولقد كنتُ أرى محمدَ بنَ المنكدر وكان سيدَ القراء لا نكادُ نسألُه عن حديثٍ أبدًا إلا يبكي حتى نرحمَه -لا يُسألُ عن حديثٍ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلا يبكي حتى نرحمَه- قال: ولقد كنتُ أرى جعفرَ بنَ محمدٍ وكان كثيرَ الدَّعابةِ والتبَسُّم فإذا ذُكِرَ عنده النبيَّ صلى الله عليه وسلم اصْفَرَّ وما رأيتُه يحَدِّثُ عن  رسولِ الله صلى الله عليه وسلم إلا على طهارة ولقد اختلفْتُ إليه -أي ترددتُ زمانًا- فما كنتُ أراهُ إلا على ثلاثِ خصال: إما مُصَلِّيًا وإما صامتًا وإما يقرأُ القرآن ولا يتكلمُ فيما  لا يعنيه وكان من العلماء والعبّادِ الذين يخشوْنَ اللهَ عز وجل.

ولقد كان عبدُ الرحمنِ بنُ القاسم يذكرُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم فيُنظَرُ إلى لونِه كأنه نُزِفَ منه الدم وقد جفَّ لسانُه في فمِه هيْبةً منه لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنتُ آتي عامرَ بنَ عبدِ الله بنِ الزبير فإذا ذُكرَ عندَه النبيُّ صلى الله عليه وسلم بكى حتى لا يبقى في عينيه دموع ولقد رأيتُ الزُّهريَّ وكان مِن أهْنَىءِ الناسِ وأقربِهم فإذا ذُكرَ عنده النبيُّ صلى الله عليه وسلم فكأنه ما عرَفَكَ ولا عرَفْتَه

فكأنك ما عرَفتَه وهو كأنه ما عرَفَك، ذهبَ، قلبُه صار مصروفًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم تغيّرَ حالُه

قال: ولقد كنتُ آتي صفوانَ بنَ سُليم وكان منَ المُتعَبِّدينَ المجتهدين فإذا ذَكرَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم -أو ذُكِرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم- بكى فلا يزالُ يبكي حتى يقومَ الناسُ عنه ويتركوه

إلى أنْ قال: وكان ابنُ سيرينَ ربما يضحك فإذا ذُكرَ عندَه حديثُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم خشَع

هكذا يروي الإمامُ مالك رضي الله عنه عن هؤلاء الأكابر، ولذلك فإنّ الغوثَ الرفاعيَّ رضي الله عنه في هذا الموضعِ مِن برهانِه المؤيد يذكرُ حُسنَ مُتابعةِ إمامِنا محمدٍ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

ومِن هذا الذي نسمعُه مِن أحوالِ هؤلاء الأكابر كيف كان حبُّهم عظيمًا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، لذلك كانوا يُكثِرونَ مِن ذكرِه عليه الصلاة والسلام وكانوا إذا ذكروا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم تغيّرَت أحوالُهم وانْحَنَتْ رؤوسُهم ورقَّت أفئِدَتُهم وذرَفَت عيونُهم حبًّا وشوقًا وإجلالًا وتعظيمًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

كم ترى اليومَ من أمةِ محمد عليه الصلاة والسلام من الذين يزورونَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم ويقفونَ أمامَ قبرِه الشريف كم ترى عيونًا دامعةً باكية، كم ترى أناسًا انحنَت رؤوسُهم بل وظهورُهم وهم أمامَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم

هذا لا يُنكَرُ عليهم، هل يُنكَرُ حبُّ محمد؟ هل يُنكَرُ تعظيمُ محمد؟

وأقول إنا لله وإنا إليه راجعون، وقد صار بعضٌ ممّن ينتسبُ انتسابًا لهذه الأمة يَنهَى الناسَ عن تعظيمِ محمد ويقول والعياذ بالله لا تُعَظِّموا محمد تعظيمُ محمدٍ شرك، لا حول ولا قوة إلا بالله، أين الإشراكُ في ذلك؟

بل وإنّ بعضَهم قال والعياذ بالله لا تُكثِروا من حبِّ محمد لا تزيدوا في حب محمد، ولكنّ اللهَ تعالى يقول {قل إن كنتم تحبّونَ اللهَ فاتّبِعوني يُحْبِبْكُمُ الله ويغفرْ لكم ذنوبَكم واللهُ غفورٌ رحيم}[آل عمران/٣١]

قل يا محمد إنّ الذي يحبُّ اللهَ محبةً كاملة يتّبِعُ الرسولَ اتّباعًا كاملًا بأداءِ الواجبات واجتنابِ المحرمات وعندها يصيرُ حبيبًا لربِّ العالمين لأنه يصيرُ من الصالحين بهذا الاتّباع، ومعنى قولِنا للمسلم أحبّكَ الله أي جعلَك اللهُ خاليًا من الذنوب حتى تصيرَ من الأولياء.

فحبُّ النبيِّ عليه الصلاة والسلام يقرِّبُ إلى الله تبارك وتعالى.

كانت قلوبُ السلفِ الصالحِ من الصحابةِ والتابعين ومَن تبِعَهم بإحسان عامرةً بحبِّ الله تعالى وحبِّ رسولِه المصطفى صلى الله عليه وسلم.

وقد وردَ أنّ أصحابَ النبيِّ المصطفى صلى الله عليه وسلم كانوا بعدَ وفاتِه صلى الله عليه وسلم لا يذكرونَه إلا خشعوا واقْشَعَرَّت جلودُهم وبَكَوْا شوقًا إليه، شوقًا للنبيِّ محمد صلى الله عليه وسلم.

الإمامُ أحمد يروي في مُسندِه أنّ مروانَ بنَ الحكم عندما كان واليًا للمدينة دخلَ مسجدَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فرأى رجلًا يضعُ وجهَه على قبرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قال له: يا رجل، أتدري ما تصنع؟ فرفعَ رأسَه فإذ به أبو أيوب الأنصاري صاحبُ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ماذا كان يفعلُ أبو أيوب؟

يضعُ وجهَه على قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الرجل قال له يا رجل أتدري ما تصنع؟ نظرَ إليه أبو أيوب وقال له: جئتُ رسولَ الله ولم آتِ الحجر، لا تبكوا على الدين إذا ولِيَه أهلُه ولكن ابكُوا عليه إذا وليَّهُ غيرُ أهلِه -وكأنه يقول إنك لستَ من أهلِه-

قال جئتُ رسولَ الله ولم آتِ الحجر، معناه أنا أتبرّكُ بالنبيِّ عليه الصلاة والسلام، ما معنى أتبركُ بالنبي؟ إني أطلبُ من الله تعالى بركَة النبي أي خيرًا من النبيّ، أي خيرًا ببركة النبي عليه الصلاة والسلام، أي أنْ أُرزَقَ خيرًا ببركةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، بركةً من النبيّ، خيرًا أي شيئًا يجعلُ اللهُ تبارك وتعالى لي خيرًا ببركةِ النبيّ عليه الصلاة والسلام

قال جئتُ رسولَ الله معناه أنا أتبركُ بالرسول وهذا قبرُه، أنا ليست مقصودي هذا الحجر، بمعنى أنا لا ألتَمِسُ نفعًا ولا ضرًّا يخلقُه لي هذا الحجر لكنّ هذا الحجر وهذا التراب هو صار مجاورًا للنبيّ عليه الصلاة والسلام فيصيرُ كذلك فيما جاورَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم بركةٌ وخير وأنا أسألُ اللهَ تعالى من هذا الخير.

ترابُ القبرِ الشريف فيه بركة، ليس على معنى أنّ هذا التراب يخلق، بل بمجاورةِ هذا التراب للنبيِّ صلى الله عليه وسلم صار فيه بركة كما أننا نقبِّلُ الحجرَ الأسود كما فعلَ ذلك النبيُّ عليه الصلاة والسلام، ليس هذا على معنى أنّ الحجرَ الأسودَ يخلقُ ضرًّا أو نفعًا بل هذا معناه أنّ هذا الحجرَ قد جعلَ اللهُ تعالى فيه بركة وإذا كان الحجرُ الأسودُ فيه بركة وإذا كان بيتُ اللهِ الحرام فيه بركة -الكعبةُ الشريفة- فكيف بقبرِ محمدٍ صلى الله عليه وسلم؟

إذا كان أبو أيوب قد فهِمَ ذلك وقال جئتُ رسولَ الله ولم آتِ الحجر، معناه أنا لا أعتقدُ أنّ هذا الحجر يخلق إنما أنا أتَيْتُ رسولَ الله أنا أرجو بركةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وبركةَ ما جاورَ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم.

أبو أيوب ما فعلَ شركًا ولا فعلَ منكرًا عندما وضعَ وجهَه على قبر النبيِّ صلى الله عليه وسلم، الذي فعلَه أبو أيوب كان شوقًا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

وكيف يجرءُ بعضٌ على القول بأنّ الذي يضعُ يدَه على الشبيكة عند القبر الشريف أو على القبر الشريف، كيف يجرؤُ بعضُهم على القول بأنّ هذا قد أشركَ؟

وأينَ الشركُ في ذلك؟

أنتَ الآن إذا كنتَ عند الكعبة فوضعتَ يدكَ على الكعبة هل مجردُ وضعِ اليد على الكعبة يُعَدُّ عبادةً للكعبة؟

إذا مسَحتَ بيدِك الركنَ اليَمانيّ هل يُعَدُّ ذلك عبادةً للركنِ اليَماني؟

إذا مسَسْتَ الحجرَ الأسودَ وقبّلْتَه هل يُعَدُّ ذلك عبادةً للحجر الأسود؟

كما أنّ ذلك لا يُعَدُّ عبادةً لِما ذكرت فكذلك إذا وضعَ وجهَه على قبرِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لا يُعَدُّ ذلك عبادةً للنبيِّ صلى الله عليه وسلم، وهذا يُعطينا معنى التبرك.

معنى التبرك بالنبيّ أي أننا نطلبُ من الله الخير، نطلب من الله البركة، البركة معناها الخير واللهُ تبارك وتعالى جعلَ خيرًا عظيمًا جدًّا ونفعًا كبيرًا جدًّا في نبيِّنا محمد عليه الصلاة والسلام وهذا الذي علَّمَه أبو أيوب.

فبعد تعليمِ هذا الصحابي الجليل الذي برَكتْ عند بيتِه ناقةُ النبيِّ عليه الصلاة والسلام أوّلَ ما دخلَ المدينة، الذي نزلَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ضيفًا عنده ومكثَ أياما، هذا الصحابي الجليل إذا نحنُ اقْتَديْنا به وفعلْنا فعلَه لا نكونُ قد فعلْنا منكرًا، بل هم يفعلونَ ذلك حبًّا بالنبيّ صلى الله عليه وسلم.

وكان كثيرٌ من التابعين مَن يفعلُ ذلك محبةً له وشوقًا إليه، ومنهم مَن يفعلُه تَهيُّبًا له وتوقيرًا، وكيف لا يكونُ ذلك والرسولُ الأعظم صلى الله عليه وسلم قد جمعَ وحَوى جمالَ الصورةِ في الظاهرِ وكمالَ الأخلاقِ في الباطن؟ وله صلى الله عليه وسلم فضلٌ عظيمٌ على أمتِه مِن حيثُ إحسانُه وإنعامُه عليهم

فمِنَ الأوصافِ التي وصفَهُ اللهُ تعالى بها وصفَ اللهُ رأفتَه بالمؤمنين ورحمتَه لهم وهدايتَه إياهم وشفقتَه عليهم واسْتِنْقاذَهم به من النار وأنّه صلى الله عليه وسلم بالمؤمنينَ رؤوفٌ رحيم ورحمةً للعالمين مُبشِّرًا ونذيرًا وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا ويتلو عليهم آياتِه ويُزَكّيهم ويُعلِّمُهمُ الكتابَ والحكمة ويهديهِم إلى صراطٍ مستقيم.

يقول: فأيُّ إحسانٍ أجلُّ قدْرًا مِن إحسانِه للمؤمنين؟ وأيُّ إفضالٍ أعمُّ منفعةً وأكثرُ فائدةً من إنعامِه على كافةِ المسلمين؟

كان عليه الصلاة والسلام ذريعَتهم إلى الهداية ومُنْقِذَهم منَ العَماية وداعِيَهُم إلى الفلاح والكرامة ووسيلتَهم إلى ربِّهم وشفيعَهم يومَ القيامة والمتكلِّمَ عنهم والشاهدَ لهم وسببَ البقاءِ الدائمِ والنعيمِ السرْمَديِّ في الجنة في الآخرة وذلك لإيمانِهم وإسلامِهم واتّباعِهم له صلى الله عليه وسلم.

لذلك يكونُ النبيُّ صلى الله عليه وسلم مُسْتَوجِبًا شرعًا للمحبةِ الحقيقية، قال الله تعالى {لقد جآءكم رسولٌ مِن أنفُسِكم عزيزٌ عليه ما عَنِتُّم حريصٌ عليكم بالمؤمنينَ رءوفٌ رحيم}[التوبة/١٢٨]

روى أسامة بنُ شريك قال “أتيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه حولَه كأنما على رؤوسِهم الطير” وفي حديثِ صفتِه إذا تكلّمَ أطرقَ جُلَساؤُه كأنما على رؤوسِهم الطير 

قال عروةُ بنُ مسعود الثقَفي حين وجّهَتْه قريشٌ عامَ القضيةِ إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ورأى مِن تعظيمِ أصحابَه ما رأى وأنه لا يتوضأُ إلا ابتدَروا وَضوءَه وكادوا يقتَتِلون عليه -أي يتسابقونَ إليه- إلى أنْ قال: ولا تسقطُ منه شعرةٌ إلا ابتَدَروها وإذا أمرَهم بأمرٍ ابْتَدروا أمرَه وإذا تكلموا خفَضوا أصواتَهم عندَه وما يُحِدّونَ إليه النظرَ تعظيمًا له،  فلما رجعَ إلى قريشٍ قال يا معشرَ قريش: إني جئتُ كسرى في مُلكِه وقيصرَ  في مُلكِه والنجاشيَّ في مُلكِه وإني والله ما رأيتُ ملِكًا في قومٍ قط مثلَ محمدٍ في أصحابِه

وفي رواية: إنْ رأيتُ ملِكًا قطّ يُعَظِّمُه أصحابُه ما يُعَظِّمُ محمدًا أصحابُه وقد رأيتُ قومًا لا يُسَلِّمونَه أبدًا.

وعن أنسٍ رضي الله عنه قال “رأيتُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم والحلاقُ يُحَلِّقُه وأطافَ به -أنْ يُحلِّقُ شعرَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم بالنُّسك- وأطافَ به أصحابُه فما يُريدونَ أنْ تقعَ شعرةٌ إلا في يد رجل.

وهذا يدلُّ على أنّ الصحابةَ كانوا يتبرّكونَ بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم.

هذه إذًا من أخبارِ أصحابِ محمد وأتْباعِ محمد وتابِعي أتْباعِ محمد من سلفِ الأمة وكيف كانوا يُعظِّمونَ محمدًا صلى الله عليه وسلم ويتّبِعونَه.

اللهم إنا نسألك أنْ ترزقَنا من بركةِ محمد، اللهم إنا نسألُكَ أنْ تثبّتَنا على دينِ محمد وأنْ تجعلَنا عاملين بسنةِ محمد وممّن يتبركونَ بمحمد ويشتاقونَ للقاء محمد ويحبونَ محمدًا ويزورونَ محمدًا ويُكثِرونَ من الصلاة والسلام على رسول الله محمد

اللهم أمِدَّنا بمددِه الشريف وبمددِ الأنبياءِ والمرسلين والأولياء والصالحين وبمددِ شيخِنا أبي العلمين أحمدَ الرفاعي الكبير

سبحانك اللهم وبحمدِك نشهدُ أنْ لا إله إلا أنت نستغفرُك ونتوب إليك سبحان ربِّك ربِّ العزةِ عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمد لله رب العالمين

وصلى الله على سيدِنا محمد وعلى آله وأصحابِه الطيبين الطاهرين.