الأحد يونيو 22, 2025

الحمد لله حمدًا يرضاه لذاتِه والصلاةُ والسلام على سيدِ مخلوقاتِه ورضي اللهُ عن الصحابة والآل وأتْباعِهم من أهلِ الشرع والحال والسلامُ علينا وعلى عبادِ الله الصالحين
اللهم صلِّ صلاةً كاملة وسلّمِ سلامًا تامًّا على سيدِنا محمد الذي تنحلُّ به العقد وتنفرِجُ به الكرب وتُقضى به الحوائج وتُنالُ به الرغائب وحُسنُ الخواتيم ويُستسقى الغمامُ بوجهِه الكريم وعلى آلهِ وصحبِه وسلّم

اللهم اجعل نيّاتِنا وأعمالَنا خالصةً لوجهِك الكريم

يقولُ الإمام الكبير أحمدُ الرفاعي رضي الله عنه في برهانِه المؤيد

“أيْ سادة، الزهدُ أولُ قدَمِ القاصدينَ إلى الله عز وجل وأساسُه التقوى وهي خوفُ الله رأسُ الحكمة وجِماعُ كلِّ ذلك حُسنُ متابعةِ إمامِ الأرواحِ والأشباح -أي الأجساد- السيدِ المكرَّمِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم”

المجلسُ الرفاعي في هذا اليوم بإذن اللهِ تعالى في حُسنِ المتابَعة للنبيِّ عليه الصلاة والسلام.

اتّباعُ المصطفى، اتّباعُ هَديِه الشريف، التمسُّكُ بسنّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، ما يَجمَعُ كلَّ ما تقدَّمَ حُسنُ المتابَعة حُسنُ الاقتِداء بسيّدِ الأنبياء وإمامِ الأنبياءِ رسولِ الله محمد صلى الله عليه وسلم.

سُنّةُ النبيّ، ما معنى السنة؟

لا بدّ منَ اتّباعِ السنة لمَن أرادَ أنْ يكونَ على تقوى الله

مَن أطاعَ الله عمِلَ بسنّةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فما معنى السنّة إذا جاءت في حديثِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم؟

يروي الإمامُ البيهقيُّ أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال “المُتمَسِّكُ بسنّتي عندَ فسادِ أمتي له أجرُ شهيد”

المتُمسِّكُ بسنّتي معناه المُتمسِّكُ بشريعتي، هكذا يقول الرسول عليه الصلاة والسلام.

فالسنّةُ في حديثِه عليه الصلاة والسلام المُرادُ بها الشريعة، العقيدةُ والأحكام.

قولُه عليه الصلاة والسلام “المتمسِّكُ بسنتي” أي بشريعتي أي الذي يكونُ على ما أنا عليه في العقيدةِ والأحكام، أي الذي يكونُ على عقيدةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وعلى ما جاء به عليه الصلاة والسلام في الأحكام، هذا هو معنى السنة في حديثِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم.

نعم صار بعدَ ذلك في اصطِلاحِ الفقهاء يقولون هذه سنّة أي نافلة -عن بعضِ النوافل- يقولون هذه سنةُ المغرب وهذه سنةُ الفجر وهكذا على معنى النافلة، لكنْ في الأصلِ في حديثِه عليه الصلاة والسلام السنّةُ معناها الشريعة ومعنى الشريعةِ العقيدةُ والأحكام.

فقولُه صلى الله عليه وسلم “المتمسكُ بسنتي عندَ فسادِ أمتي له أجرُ شهيد”

المتمسكُ بالسنة، المتمسكُ بالشريعة، بعقيدةِ النبيّ عليه الصلاة والسلام بما كان عليه صلى الله عليه وسلم وكذلك في الأحكام، عقيدةً وأحكامًا

وهذه بشارةٌ عظيمة من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فيمَن تمسّكَ بسنّةِ النبيّ عليه الصلاة والسلام، تمسّكَ بشريعةِ النبي، بما كان عليه رسولُ الله صلى الله عليه وسلم في العقيدةِ والأحكام.

فمَن كان مُتَمَسِّكًا بشريعةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم بالعقيدةِ والأحكام فهذا له أجرُ شهيد وهذه بشرى عظيمة من رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

فمعنى المتمسك بالسنةِ المتمسك بالشريعة أي الذي يكونُ على عقيدةِ النبيّ عليه الصلاة والسلام يكونُ على ما جاء به رسولُ الله صلى الله عليه وسلم ثم بعدَ ذلك يكونُ مُجِدًّا مجُتهدًا في الدفاعِ عن عقيدةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم

فإذا كان شديدَ الدفاعِ عن رسولِ الله، عن عقيدةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فهذا ولو ماتَ على فراشِه له أجرُ شهيد.

لكنْ حتى يُحَصِّلَ هذه البشرى لا بدَّ أنْ يكونَ على عقيدةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم العقيدة الحقّة والتي هي عقيدةُ الأنبياءِ والمرسلين والتي هي عقيدةُ أهلِ السنةِ والجماعة، فالعقيدةُ واحدة عقيدةُ الحق عقيدةُ محمد عليه الصلاة والسلام، أنْ يكونَ على هذه العقيدة على توحيدِ الله على الإيمانِ بالله عز وجل على الإيمانِ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم ثم بعدَ ذلك يعملُ بذلك ينصرُ هذه العقيدة

ما معنى نُصرةِ العقيدة؟

الرفاعية كان من شأنِهم أنهم ينصرونَ العقيدة أظهرُ ما تراهُ في الرفاعية أنهم على جِدٍّ ونشاطٍ في نُصرةِ الدين في نصرةِ العقيدة في الأمرِ بالمعروف في النهيِ عن المنكر يُدافعونَ عن دينِ الله يُعلِّمونَ سنةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

فمَن أرادَ الدخولَ في هذه البِشارةِ النبوية فلْيَنصُرْ دينَ الله ويُدافعْ عن عقيدةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وخصوصًا عند الفساد

كما قال عليه الصلاة والسلام “المتمسكُ بسنتي عند فسادِ أمتي -عند حصول الفساد عندما يَكثرُ أهلُ الضلال عندما يكثُرُ مَن يحرِّفُ العقيدة، عندما يكثرُ مَن يكذِبُ على دين الله، عندَ تحقُّقِ هذا الفساد هذا الذي ينصرُ العقيدةَ المحمدية يدافعُ عن الدين يمضي في ذلك مجتهدًا مُجِدًّا غيرَ مقصِّر، يعطي وقتًا كافيًا في خدمةِ الدعوة في نُصرةِ الدين في الدفاعِ عن الحق، يبذُلُ فِكرَه ووقتَه ومالَه وجسدَه بنفسِه بمالِه بولدِه نُصرةً لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، هذا الذي يقولُ له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم “المتمسكُ بسنتي عندَ فسادِ أمتي له أجرُ شهيد” عند فسادِ الأمة، عند فساد العقيدة-

اليومَ يا سادة، يا صوفية، يا رفاعية يا أشاعرة يا ماتريدية يا شافعية يا مالكية يا حنفية يا حنبلية يا أهلَ السنةِ والجماعة، اليومَ مذهبُ أهلِ السنةِ والجماعة صار كاليتيمِ بلا كافل

قد تجدُ اليوم مَن يكفُلُ اليتيم ويأتي مَن يقول أنا أحبُّ أنْ أبذُلَ مالًا كفالةً ليتيم -وهذا خير- لكنّك لا تجدُ إلا القليل مَن يأتي بنُصرةِ مذهبِ أهلِ السنةِ والجماعة.

فمَن نصرَ مذهبَ أهلِ السنةِ والجماعة في مثلِ هذا الوقت فهذا له أجرُ الشهيد وهذا ولا شكّ مِن حُسنِ المتابعةِ للنبيِّ المكرّم صلى الله عليه وسلم.

سنّةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم تُطلَقُ في الشرع كذلك ويُرادُ بها حكمُه وأمرُه ونهيُه، أي ما أمرَ به النبيُّ صلى الله عليه وسلم ونَهى عنه وندَبَ إليه قولًا وفعلًا مما لم ينطق به الكتابُ العزيز.

ولهذا يُقالُ أدلةُ الشرعِ هي الكتابُ والسنة أي القرآنُ الكريم والحديثُ النبويُّ الشريف.

فإذًا كتابُ الله القرآن حجّة في الدين وكذلك ونحن نتكلمُ في الاتّباعِ للنبيّ صلى الله عليه وسلم فإنّ قولَه عليه الصلاة والسلام حجّة وفعلَه حجة وإقرارَه حجة عليه الصلاة والسلام.

فالحديثُ النبويُّ الشريف حجةٌ في دينِ الله ومَنِ ادّعى أنه يتمسكُ بالقرآنِ الكريم نقولُ له -وكما سيأتي معنا بإذن الله- القرآنُ الكريم يأمرُ باتّباعِ ما يقولُه محمدٌ صلى الله عليه وسلم.

يقولُ الأزهريّ “السنةُ الطريقةُ المحمودةُ المستقيمة”

ولذلك قيل فلانٌ من أهلِ السنة معناه من أهلِ الطريقة المستقيمة المحمودة، والحمدُ لله أننا على مذهبِ أهلِ السنةِ والجماعة، الحمدُ لله أننا منْ حصّةِ الأئمةِ الأربعة، الحمدُ لله أننا من حصةِ الصوفية، الحمدُ لله أننا من حصةِ أحمدَ الرفاعي

تُطلَقُ السنةُ كذلك على ما عملَ به الصحابةُ رضي الله عنهم بعدَ رسول الله صلى الله عليه وسلم

ومن ذلك قولُه عليه الصلاة والسلام “أوصيكمْ بتقوى الله والسمعِ والطاعة وإنْ عبدٌ حبشيٌّ فإنه مَن يَعِشْ منكم يرى اختلافًا كثيرًا وإياكم ومُحدَثاتِ الأمور فإنها ضلالة فمَن أدركَ ذلك منكم فعليه بسنّتي وسنةِ الخلفاءِ الراشدينَ المَهدِيين عَضّوا عليها بالنّواجذ” رواه الترمذي.

وتُطلَقُ السنةُ كذلك عند المحَدِّثين على ما أُضيفَ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم مِن قولٍ أو فعلٍ أو تقريرٍ أو صفةٍ خُلُقيةٍ أو خِلقيةٍ فكلُّ ذلك يقالُ عنه سنة.

وعندما نقول أهلُ السنة والجماعة ونتشرف أننا على مذهب أهل السنة، السنة معناها السبيلُ الذي كان عليه الرسولُ صلى الله عليه وسلم وأصحابُه.

قال اللهُ تعالى لنبيِّه {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرةٍ أنا ومَنِ اتّبَعَني} [سورة يوسف/١٠٨].

ما معنى السبيل في الآية؟ السبيلُ في الآية سنّةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وشريعتُه، أي العقيدةُ والأحكام.

فأهلُ السنةِ هم الصحابةُ ومَن تبِعَهم من المسلمينَ في المُعتقَد، والسنةُ بمجموعِها حجةٌ ومصدرٌ من مصادرِ الأحكام.

ماذا يدلُّ على ذلك؟

الكتاب يدلُّ على ذلك، الحديث يدلُّ على ذلك والإجماعُ يدلُّ على ذلك والمعقولُ يدلُّ على ذلك

اللهُ تعالى قال {ربَّنا وابعَثْ فيهم رسولًا منهم يتلو عليهم آياتِكَ ويُعلِّمُهمُ الكتابَ والحكمةَ ويُزَكِّيهم إنك أنتَ العزيزُ الحكيم}[البقرة/١٢٩]

اتّباعُ النبيِّ عليه الصلاة والسلام يأمرُنا اللهُ تعالى به
{ويُعلِّمُهمُ الكتابَ والحكمة} الكتابُ القرآن والحكمة حديثُ محمدٍ عليه الصلاة والسلام.

فلا بدَّ إذًا من اتّباعِ إمامِنا الكريم محمد عليه الصلاة والسلام، وهذا ما نذكرُه في هذه الآيات الكريمة، فإنّ الصوفية على حُسنِ الاتباعِ وعلى حسنِ الاقتداءِ برسولِ الله صلى الله عليه وسلم

ولا والله لا يكونُ مؤمنًا مَن كان مُكذِّبًا برسولِ الله صلى الله عليه وسلم.

ويقولُ سبحانه {كما أرْسَلْنا فيكم رسولًا منكم يتلو عليكم آياتِنا ويُزَكّيكم ويُعلِّمُكمُ الكتابَ والحكمة ويُعلِّمُكم ما لم تكونوا تعلمون}[البقرة/١٥١]

ومَن الذي علّمَنا الكتاب؟ رسولُ الله، مَن الذي علّمَنا الحكمة؟ رسولُ الله، ومَن الذي علّمَنا ما لم نكن نعلم؟ رسولُ الله

فالإيمانُ به هو طاعةٌ لله عز وجل

ولذلك قد فرض اللهُ تعالى طاعةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم وذكرَها مقرونةً بطاعةِ الله ومنفرِدة

قال الله تعالى {وما كان لمؤمنٍ ولا مؤمنةٍ إذا قضى اللهُ ورسولُه أمرًا أنْ يكونَ لهمُ الخِيَرةُ مِن أمرِهم ومَن يعصِ اللهَ ورسولَه فقد ضلَّ ضلالًا مُبينًا}[الأحزاب/٣٦]

لا بدّ من طاعةِ رسول الله صلى الله عليه وسلم طاعةً لله.

ويقولُ سبحانه {يآ أيها الذين آمنوا أطيعوا اللهَ وأطيعوا الرسولَ وأُولي الأمرِ منكم فإنْ تنازَعتمْ في شىءٍ فرُدُّوهُ إلى اللهِ والرسولِ إنْ كنتم تؤمنونَ باللهِ واليومِ الآخر ذلك خيرٌ وأحسنُ تأويلًا}[النساء/٥٩]

ويقولُ سبحانه {ومَن يُطِعِ اللهَ والرسولَ فأولئكَ معَ الذين أنعمَ اللهُ عليهم منَ النبيينَ والصدّيقينَ والشهدآءِ والصالحين وحَسُنَ أولئكَ رفيقًا}[النساء٦٩]

هؤلاء رُفَقاء محمد عليه الصلاة والسلام وأحبابُها الذين يؤمنونَ به، الذين يتّبعونَه، الذين يَهتَدونَ بهَديِه الشريف، الذين يقتَدونَ برسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد أمرَ اللهُ سبحانه وتعالى بطاعةِ النبيِّ عليه الصلاة والسلام فقال {إنّ الذين يُبايِعونَك إنما يُبايِعونَ الله يدُ اللهِ فوقَ أيديهم فمَن نكثَ فإنما يَنكثُ على نفسِه ومَن أوْفَى بما عاهدَ عليه اللهَ فسَيُؤتِيهِ أجرًا عظيمًا} [سورة الفتح/١٠].

إنّ الذين يُبايعونَك يا محمد إنما يبايعونَ الله، يد الله فوق أيديهم: عهدُ الله تعالى ثبتَ عليهم.

ويقولُ سبحانه {فلا وربِّكَ لا يؤمنونَ حتى يُحَكِّموكَ فيما شجرَ بينَهم ثم لا يجدوا في أنفسِهم حرَجًا مما قضَيْتَ ويُسَلِّموا تسليمًا} [سورة النساء/٦٥].

الصلاة والسلام عليك يا رسولَ الله جُعِلْت حَكَمًا ومرجِعًا، حكْمُكَ هو الحكمُ الماضي، {فلا وربِّكَ لا يؤمنونَ حتى يُحَكِّموكَ فيما شجَرَ بينَهم ثم لا يجدوا في أنفسِهم حرجًا مما قضيْت ويُسلِّموا تسليمًا}[النساء/٦٥] هذه الآية نزلَت في رجلٍ خاصمَ الزبيرَ بنَ العوام رضي الله عنه في أرضٍ، فقضى النبيُّ صلى الله عليه وسلم بها للزبير، وهذا القضاء هو من سنةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم، أي من قولِه وليس حكمًا منصوصًا  في القرآن، ولو كان قضاءً بالقرآن لكان حكمًا منصوصًا عليه في كتابِ الله لكنّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم هو الذي حكمَ بهذا الحكم للزبيرِ بنُ العوام رضي اللهُ تعالى عنه فنزلَت هذه الآيةُ الكريمة فلا بدَّ من التسليمِ للنبيّ صلى الله عليه وسلم.

نسألُ اللهَ تبارك وتعالى أنْ نكونَ على حُسنِ الاتّباعِ والاقتداءِ بخيرِ الأنبياء رسولِ الله محمد صلى الله عليه وسلم

اللهم أحْيِنا على سنةِ محمد وأمِتْنا على سنةِ محمد وابعثْنا على سنةِ محمد

سبحانك اللهم وبحمدِك نشهدُ أن لا إله إلا أنت نستغفرك ونتوبُ إليك سبحانَ ربِّك ربِّ العزةِ عما يصفون وسلامٌ على المرسلين والحمدُ لله رب العالمين

وصلى الله على سيدِنا محمد وعلى آله وأصحابه الطيبين الطاهرين.