الأربعاء سبتمبر 11, 2024

كتاب البرهان المؤيَّد

للقطب الكبير سيدنا الغوث أبي العلمين شيخ العريجاء

رضي اللهُ عنه وأرضاه وأمدّنا بمدده

قال فضيلة الشيخ مازن غانم حفظه الله تعالى

نقولُ جماعةً لله تعالى أشهدُ أنْ لا إله إلا الله وحدَه لا شريك وأنّ محمدًا عبدُه ورسولُه وأنّ عيسى عبدُ الله وابنُ أمَتِه وكلِمَتُه ألقاها ألْقاها إلى مريم وروحٌ منه وأنّ الجنةَ حق وأنّ النارَ حق

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله الذي صدَحَتْ بالثناءِ عليه ألْسُنُ العابدينَ والعارفين واسْتَمْطَرَت سحائبَ الأمدادِ بأسرارِ تَحْميدِه وأنوارِ تَمجيدِه ابتِهالاتُ الذاكرين ودموعُ الخاشعين فلبِسَتْ قلوبُهم مِن صفاءِ اليقينِ حُلَلًا ومن التقوى تفاصيلَ وجُمَلًا فهمُ الهُداةُ المُهتدون على سُننِ الأمين وقدَمِ التمكين

والصلاةُ والسلامُ الأتَمّانِ الأكملانِ على طبِّ القلوبِ ودوائِها وعافيةِ الأبدانِ وشفائِها ونورِ الأبصارِ وضيائِها النبيِّ المصطفى والرسولِ المُجتَبى صاحبِ الكرامةِ والتكريم والتقديمِ والتعظيمِ سيدِنا محمد الذي مدَحَهُ ربُّه في الذكرِ الحكيم وقال {وإنك لعَلى خُلُقٍ عظيم} (القلم/٤)

اللهم صلِّ صلاةً كاملة وسلِّم سلامًا تامًّا على سيّدِنا محمدٍ الذي تنْحَلُّ به العقَد وتنفرِجُ به الكُرَب وتُقضى به الحوائج وتُنالُ به الرغائبُ وحُسنُ الخواتيم ويُستَسْقى الغمامُ بوجهِه الكريم وعلى آلِه وصحبِه وسلِّم

نسألُ اللهَ عزّ وجل أنْ يجعلَ نيّاتِنا وأعمالنا خالصةً لوجهِه الكريم

يقول الحقُّ سبحانه {ألا إنّ أوليآءَ اللهِ لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون}(يونس/٦٢)

 مجالسُنا هذه بإذن اللهِ عزّ وجلّ هي المجالسُ الرفاعية نقرأُ فيها كتابَ البرهانِ المؤيّد لسيِّدنا الإمامِ الغوثِ أحمدَ الرفاعيِّ الكبير رضي اللهُ عنه وأرضاه

ومجلسُنا الأولُ هذا نذكرُ فيه مَن هو الإمامُ أحمدُ الرفاعيّ

الشيخُ أحمدُ الرفاعيُّ رضي الله عنه كان شديدَ الاهتمامِ بالعقيدةِ والتوحيد

كان يُعلِّمُ أنّ اللهَ تعالى لا يشبهُ شيئًا ليس جسمًا كثيفًا ولا جسمًا لطيفًا، أي أنّ اللهَ عزّ وجل ليس كالجسمِ الذي يُمسَكُ باليد ولا كالجسمِ الذي لا يُمسَكُ باليد كالهواءِ والضوءِ والظلام، ليس كشىءٍ من الأشياء.

كان يؤَكدُ تعليمَ هذا.

 لذلك قال رضي الله عنه “غايةُ المعرفةِ بالله الإيقانُ بوجودِه تعالى بلا كيفٍ ولا مكان”

معناه معرفةُ الله اعتقادُ أنه ليس جسمًا لطيفًا ولا جسمًا كثيفًا ولا هو حجمٌ صغيرٌ ولا هو حجمٌ كبير

عنايةُ هذا الإمام الكبير بعلمِ التوحيد جعلتْني أبدأُ ذكرَ الإمامِ الرفاعي بما كان يعتني به هذا الإمامُ الكبير

فكان يعلّمُ أنّ اللهَ عزّ وجل لا هو حجمٌ صغير ولا هو حجمٌ كبير ولا يوصَفُ بكِبَرِ الحجم ولا بصغَر الحجم، المخلوقُ يوصَفُ بهذا، المخلوقُ يقالُ فيه هذا حجمٌ صغيرٌ وهذا حجمٌ كبيرٌ، المخلوقُ منه ما هو صغيرٌ جدًّا مثلُ حبةِ الخردل ومنه ما هو أكبرُ منها كحبةِ السمسم ثم ما هو أكبرُ من ذلك إلى أن انتهى كِبَرَ الحجمِ في المخلوقِ إلى العرش، ما خلقَ اللهُ أكبرَ حجمًا من العرش.

والعرشُ خلقَه اللهُ ليكونَ كعبةً للملائكة الذين هناك حول العرش، كما نحنُ نستقلُ الكعبةَ التي في مكةِ ونطوفُ بها كذلك هم يطوفونَ بالعرش، مِن كثرتِهم –أي من كثرةِ الملائكة- يحيطونَ بالعرش من كثرةِ عددِهم.

الشيخُ أحمدُ الرفاعيُّ رضي الله عنه كان من العراق، هو رضي الله عنه كان شافعيَّ المذهبِ حافظًا مجتهدًا مُحدّثًا مفسِّرًا، كان يدرِّسُ كلَّ يومٍ أولَ النهارِ وآخرَ النهارِ في العلم، علمِ الفقهِ والحديثِ والتفسير والتوحيد، لشدةِ عنايتِه بأمرِ التعليم مع شديدِ انشغالِه وكثرةِ مُريدِيه رضي الله عنه وقد ملأوا الدنيا في ذلك الوقت حتى قيل إنه قد بلغَ عددُ خلفائِه وخلفاءُ خلفائِه في حياتِه مائةٌ وثمانونَ ألفًا، هؤلاء الخلفاء، فكيف بمنْ تحتَهم من المريدين؟

مع ذلك ما شُغِلَ الإمامُ أحمدُ الرفاعي رضي الله عنه عن تعليمِ علمِ الدين فكان يعلِّمُ الفرضَ العيني وكان له العنايةُ الكبيرة كما قدّم بعلم التوحيد بعلم العقيدة كلَّ يوم أولَ النهار مجلس الرفاعي وآخر النهار مجلس الرفاعي، ثم كان يعقدُ يومَ الخميس مجلسَ الوعظ

أما في يوم الخميس فذلك المجلس الكبير الذي يكونُ مجلس الوعظ، كان يحضُرُ مجلسَ وعظِ الإمام الرفاعي مائةُ ألف

ومن كراماتِه رضي الله عنه كلُّهم يسمعون الدرس، الذي في الصف الأخير يسمع كما الذي في الصف الأولِ يسمع، كان يحضُرُه خلقٌ كثير، الأمراء العلماء الأغنياء الفقراء أهلُ التفسير أهلُ الحديث، وعندما يبدأُ الإمامُ الرفاعي في مجالسه كلٌّ يكتبُ عنه في علمِه وهذا يدلُّ على شدةِ تمكّنِ هذا الإمام الكبير رضي الله عنه الذي كان في مُنتصفِ القرنِ السادس الهجري.

مجلسُ وعظِ الإمام الرفاعي كان يوم الخميس ثم لما بدأ سيدُنا أحمد الوعظ نزلَت الرحمة ورقّت القلوب تاب إلى الله من عوامِّ المسلمين أصحابِ الكبائر أربعونَ ألفًا في المجلس

وكان ذاتَ مرة يسمعُ درسَه ثمانيةُ آلاف من الكفار كان فيهم من الصابئة وفيهم من اليهود ومن غيرِهم، أسلَموا في ذلك المجلس

الشيخُ أحمدُ الرفاعي والشيخُ عبدُ القادر الجيلاني رضي الله عنهما في القرن السادس الهجري عملَ كلٌّ منهما طريقة من طرق الصوفية، وبعدَهما ملِكٌ عادلٌ تقيٌّ عالمٌ شجاعٌ كان ملِكَ إربلَ هو عملَ مولدًا لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم وقبلَه ما كان المسلمونَ يعملونَ مولدًا في شهرِ ربيع شكرًا لله على إظهارِ نبيِّنا محمدٍ صلى الله عليه وسلم في مثلِ ذلك الشهر، شكرًا لله على هذه النعمةِ العظمى

كذلك يتجدّدُ الثوابُ للشيخِ أحمدَ الرفاعي والشيخِ عبدِ القادرِ الجيلانيّ على عددِ مَن اتّبَعهما في ذلك، كذلك يتجددُ الثوابُ لهذا الملِك ملكِ إربل

الثوابُ كلَّما عملَ إنسانٌ المولدَ فرحًا برسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فرحًا بوجودِه في هذا الشهرِ شهرِ ربيعٍ الأول يتجددُ له الثوابُ إلى نهايةِ الدنيا

الطريقةُ الرفاعية أُنشئَت في أثناءِ القرنِ السادس الهجري، كذلك القادرية

الشيخُ أحمدُ الرفاعيُّ رضي الله عنه كان في العراق، والشيخُ عبدُ القادر الجيلاني البازُ الأشهب كذلك

الشيخُ عبدُ القادر ببغداد والشيخُ أحمد الرفاعي بمحافظةٍ يقالُ لها واسط، كان أولياءُ ذلك العصرِ يقولون الشيخُ أحمدُ الرفاعي أجلُّ الأولياءِ قدرًا، وذلك لأنه كان له خالٌ من أولياء الله اسمُه الشيخ منصور البطائحيّ

هذا الشيخ منصور رأى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في المنام قال قال لي: بشِّرْ أختَك بأنها ستحمِلُ بعدَ أربعينَ ليلةً بولدٍ يكونُ سيّدَ الأولياء –أي في زمانِه الآن- فحَمَلت به أمُّه بعد أربعينَ ليلة، ثم بعدَ أنْ ولدَتْه اهتمّ به خالُه هذا الوليُّ الكبير ونشأَ نشأةً طيبةً ثم ترَقّى في العلومِ ومراتبِ الولاية نال المرتبةَ الغوثيةَ مرتين، لذلك الأولياءُ يُسَمّونَه أبا العلمين، أخذَ علمَ الغوثية مرتين.

الطريقةُ الرفاعيةُ والقادرية والطرقُ التي أحدِثَت بعدَهما كالطريقةِ الشاذلية والنقشبندية والبدوية (طريقة سيدِنا أحمد البدوي رضي الله عنهم) كلّ هذه الطرق وغيرِها وهي نحو أربعين طريقةً أحدَثها علماءُ أولياء يتجددُ لهم الثوابُ على عددِ مَن يتّبِعُهم

طريقةُ أهلِ الله كلُّها قربةٌ إلى الله سنةٌ حسنةٌ ليست بدعةً مذمومة.

الإمامُ أحمدُ الرفاعي صباحُ الجمال وعنوانُ الجلال تاجُ الأولياء وعزُّ الضعَفاء وغوثُ الفقراء ينبوعُ الكمال هو مُقتَدى الأئمة وشيخُ كلِّ أمة كشّافُ المهمة وحلّالُ العِقال

هو السيفُ المُهنَّد والسهمُ المُجرَّد شيخُ العُريجاءِ المُؤَيَّدِ محمودُ الخصال هو سيدُ الأقطاب ومَوْئلُ الأحباب مطلَبُ الطلاب ممدوحُ الفِعال مَن أمُّه البتول جدُّه الرسول سيفُه مسلول يومَ ضيقِ الحال

هو فردُ أهلِ الله وركنُ أهلِ الجاه وذو القلبِ الأوّاهِ والمقامِ العالِ هو كاشفُ التقييدِ عن حِمى التوحيد وكافلُ المريد وحاملُ الأثقال هو فاتحُ الأبواب وناصرُ الكتاب وحجّةُ الأنجاب وملجأُ الأبدال هو مرجِعُ الأفراد ومقصدُ الأوتاد وسيّدُ الزهاد وقائدُ الأبطال هو الذي نال السرَّ المَخفيّ يومَ لَثْمِ الكفِّ وعَلا بالوصفِ كلَّ غوثٍ عالِ، هو وارثُ الأنبياء وسلطانُ الأولياء وعزُّ الضعَفاء، مَن سبقَ في عصرِه أهلَ الكمال وسادَهم بالمعالي بكلِّ علمٍ وحال فأضحى الكبارُ صغارَه هو مَن وَطىءَ بالانكسارِ هامَ مقامِ الفَخار واللهُ في كلِّ دارٍ أعلى على الناسِ دارَه هو مَن تركَ التباهي وكان الافتقارُ شعارَه مَن هو للعارفينَ طريقُ الوصال هو بحرٌ ولكنه عميق ما جازَ شيخٌ قرارَه هو سيّدُنا وسندُنا ومولانا وغوْثُنا وملجؤُنا السيّدُ أحمدُ بنُ عليٍّ الرفاعيُّ الكبير قدّسَ اللهُ سرَّه.

ومما لا يخفى عليكم أنّ أفضلَ الخلقِ على الإطلاق الأنبياء. نبيٌّ واحد أفضلُ عند الله من كلّ الأولياء ولا يخفى أيضًا أنّ أفضلَ أولياءِ البشر الصديقُ أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليّ لكننا نذكرُ شيخَنا هذا الذي جعلَهُ اللهُ تعالى من كبار الأولياء

فليس فيما ذكرتُه أنّ الإمامَ الرفاعي هو فوقَ أبي بكر، لا، بل لا يصلُ أحدٌ من أولياءِ هذه الأمة درجةَ الصديقِ أبي بكر

ولا درجةَ العشرةِ المبشّرينَ بالجنة لكنّ اللهَ تعالى خصّ هذا الإمام في عصرِه بهذه الصفات فكان ما ذُكرَ في وصفِ الرفاعي مما كان قد أعلى اللهُ تعالى مقامَه به على أولياءِ زمانِه وما جعلَه اللهُ سبحانه وتعالى لهذا الإمامِ الكبير من عظيمِ الخصال

أما نسبُ الإمامِ الرفاعي رضي اللهُ عنه إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم فهو نسبٌ ثابت

قال المحدّثُ الفقيهُ الشافعيُّ المؤرِّخ المعروفُ بابنِ الساعي عليّ بنِ أنجب بنِ عثمان بنِ عبدِ الله بنِ عبيدِ الله بنِ عبد الرحيم البغدادي أبو طالب تاجُ الدين المتوفى سنةَ ستمائة وأربعةٍ وسبعين في كتابِه تاريخ الخلفاء العباسيين يقول

“تنبيه: أما نسبُ الرفاعي-الآن نذكرُ نسبَ الإمامِ الرفاعي إلى جدِّه رسولِ الله صلى الله عليه وسلم- فهو أبو العباس أحمدُ بنُ أبي الحسن عليِّ بنِ أبي أحمد يحيى نقيبِ البصرة المهاجرِ من المغرب ابنِ أبي حازمٍ ثابتِ بنِ أبي الفوارس عليٍّ الحازم بنِ أبي عليٍّ أحمدَ المرتضى ابنِ أبي الفضائل عليِّ بنِ أبي محمد رِفاعةَ الحسنِ الأصغر المكي نزيلِ باديةِ أشبيليّةَ المغرب ابنِ أبي رِفاعةَ المهديّ ابنِ أبي القاسمِ محمدِ بنِ أبي موسى الحسن رئيسِ بغدادَ نزيلِ مكة بنِ أبي عبدِ اللهِ الحسينِ بنِ عبدِ الرحمنِ الرضا بنِ أحمدَ الصالحِ الأكبر ابنِ أبي يحيى موسى الثاني بنِ أبي محمد إبراهيمَ المرتضى المُجاب ابنِ الإمامِ أبي الحسنِ موسى الكاظمِ ابنِ الإمامِ أبي موسى جعفرٍ الصادق ابنِ الإمامِ أبي جعفر محمدٍ الباقر ابنِ الإمامِ أبي محمدٍ زينِ العابدين عليِّ بنِ الإمامِ أبي عبدِ اللهِ الحسينِ الشهيد سلامُ اللهِ عليه ابنِ الإمامِ أبي الحسنيْنِ أميرِ المؤمنينَ عليِّ بنِ أبي طالب كرّمَ اللهُ وجهَه ورضيَ عنه وأكرَمَه بتسْليماتِه وتحيّاتِه والإمامُ الحسينُ الشهيدُ عليه السلامُ والرضوان ابنُ السيدةِ  فاطمةَ الزهراء عليها السلام والتي هي بنتُ سيّدِ السادات صلى الله عليه وسلم وعلى آلِه وأصحابِه وأتباعِه أجمعين.

هذا نسبُ بني رِفاعة ساكنِ أمِّ عَبيدةَ الذي هو مشهورٌ مذكور الذي وقعَ عليه الإجماع وشاعَ في جميعِ الأنحاءِ والبقاع وهذا كان من جملةِ كلامِ ابنِ الساعة

وهذا إجماعٌ لا شكّ فيه على صحةِ نسبِ الغوثِ الرفاعي إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولا يُشَكُّ في نسبِ الرفاعي ولا يطعنُ في هذا النسب إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولا يُنكرِهُ إلا كلُّ مخذولٍ أعمى القلب بعيدٍ عن الخيرِ والتحقيقِ والإنصاف

يقولُ الإمامُ الأستاذُ الفقيهُ التقيُّ النقيُّ عَلمُ رفاعيةِ زمانِه الشيخُ السيدُ الجليلُ والأستاذُ النبيل أبو الهدى أفندي الصيادي الرفاعي في كتابِه هذا كتابُ الفرقانِ الدامغِ بالحقِّ أباطلَ أهلِ البهتان يقول

“تنبيه: فقد اتّفَقت كلمةُ الأمة على أنّ السيدَ أحمدَ الرفاعي رضي اللهُ عنه من أهلِ بيتِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم ولم يمسَّ نسبُه الشريف غمزٌ ولا طعنٌ لا في السالفين ولا في الخالِفينَ أحدٌ سوى ابنِ عِنبةَ الرافضي في كتابِه عمدة الطالب هذا الذي طعنَ في نسبِ الإمامِ أحمد الرفاعي الكبير رضي الله عنه وكذلك أهلُ الحسدِ من أهلِ البدع الذين طعنوا في نسبِ هذا الإمامِ الكبيرِ الذي يذكرُ أهلُ العلم الإجماعَ بين العلماء على ثبوتِ نسبِه الشريف إلى جدِّه رسولِ الله صلى الله عليه وسلم”  

وبعدَ أنْ ذكرْنا عن نسبِ الإمامِ أحمدَ الرفاعي نمضي بعدَ ذلك في سيرةِ هذا الإمام أحمد وكم يصعبُ أنْ أختصرَ سيرةَ هذا الإمامِ الكبير في مجلسٍ واحد

لكني أعملُ جهدي أنْ أجمعَ عن سيرةِ هذا الإمام الذي جهلَه كثيرٌ من الناس في هذا الزمان حتى إنّ بعضَهم لا يعرفُ مَن هو الإمامُ الرفاعيُّ، وهو الذي كان ملأَ الدنيا اسمُه في القرنِ السادسِ الهجريّ وطريقتُه إلى الآنَ موجودةٌ وباقية في بلادِ الشام وفي العراق وفي كثيرٍ من بلادِ الدنيا

قال: أذكرُ ما يسّرَهُ اللهُ سبحانه وتعالى في ذكرِ هذا الإمام نُصرةً للطريقةِ الرفاعية وما ذاك إلا لأنهم نصروا السنةَ المحمدية فقصْدُنا بذلك مرضاةُ اللهِ تبارك وتعالى وخدمةُ الإسلامِ والمسلمين

الإمامُ أحمدُ الرفاعي أبوهُ قدِمَ البطائح وسكنَ فيها في قرية اسمُها أمُّ عَبيدة في العراق وتزوج بفاطمة، أبوه للإمامِ الرفاعي كان من الأولياءِ أيضًا ولوْلا ضيقُ الوقتِ لتتَبَّعتُ معكم أسماءَ مَن ذكرتُ في ذلك النسبِ الشريف والعِقدِ المُتَلألىء لنَجِدَ مع كلِّ جَدٍّ مِن أجدادِ الإمامِ الرفاعيِّ قصةَ خيرٍ وتُقًى وعلمٍ وصلاح، بعِقدٍ ناصعٍ مُتلألِىءٍ وصولًا إلى سيّدِ الكائنات محمد عليه الصلاةُ والسلام.

أبوه للإمام أحمد كان يقال له السلطان وكان أيضًا من أولياء الله الصالحين، أبوه جاء إلى أمِّ عَبيدة في البطائح في أرض العراق وأهلُ العراق يعرفونَ جيِّدًا هذا المكان

هناك تزوّج بفاطمة أختِ القطبِ الشيخ منصورٍ البطائحيّ الزاهد ورُزقَ منها أولادًا أعظمُهم قدرًا وأرفَعُهم ذكرًا السيد أحمد الرفاعيّ الكبير

سيدنا أحمدُ الرفاعي وُلِدَ سنةَ اثْنتَي عشْرة وخمسِمائة في النصفِ الأولِ من رجب ونشأ في حجرِ خالِه فأدّبَه وهذّبَه وتلَقّى عن خالِه الطريقةَ الصوفية وعلمَ التصوّف وكلَّما أبْحَرْنا ولنْ أستعجلَ في ذكرِ مفرَداتِ التصوّفِ فإنّ البرهانَ المؤيّدَ الذي نمضي به إنْ شاء اللهُ تعالى في مجالسِنا القادمة سيُعطينا ما معنى التصوّف ومَن هم الصوفية.

تلَقّى الإمامُ أحمدُ الرفاعيُّ عن خالِه الشيخ منصور البطائحي الطريقةَ الصوفية وعلمَ التصوّف ولبسَ خِرْقتَه وأخذَ عنه علومَ الشريعةِ وتفقَّه على الشيخِ أبي الفضل عليٍّ الواسطيِّ المعروفِ بابنِ القاري وعن جماعةٍ من أعيانِ الواسِطيين منهم خالُه الصوفيّ الشيخ أبو بكرٍ الواسطي الذي هو شقيقُ الشيخِ منصور المذكور وانتهَت إلى الرفاعي الرياسةُ في علومِ الشريعة وفنونِ القومِ وانعقدَ عليه إجماعُ الطوائف واعترفَ رجالُ وقتِه بعُلُوِّ قدَمِه ورفعةِ مرتبَتِه.

وكما قدّمتُ كان الرفاعيّ بشارةَ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم في المنام الذي رآهُ الشيخ منصور البطائحيّ رضي الله عنه.

تفجّرَ نورٌ محمديّ عندَ مولدِ أحمدَ الرفاعيّ ليَنشرَ شُعاعَ الإيمانِ واليقين ولِيَبُثَّ دعوةَ الإصلاحِ الروحيّ ويُحْيِيَ مَعالِمَ الهديِ المحمديِّ الوَضّاء، لاحَتْ سِماتُ التفرُّدِ الاصطفائيّ منذ أنْ أشرَقَت حياةُ الإمامِ الرفاعي، فالأوساطُ الصوفيةُ كلُّها كانت على موعدٍ مع فجرِ ميلادِه سواء بما قدّمتُ من الرُّؤى والبشائر أو ما كان منَ الكشفِ الذي كشفَ اللهُ تعالى لبعضِ أوليائِه بما سيكونُ مِن ولادةِ هذا الإمام الكبير رضي اللهُ تعالى عنه وأرضاه.

السيد أحمدُ الرفاعيّ رضي الله عنه الذي كان في حجرِ خالِه الشيخ منصور البطائحيّ وكانت الوصية في المنام من خيرِ الأنام عليه الصلاة والسلام للشيخِ منصور بالعنايةِ الكبيرة بالإمامِ أحمدَ الرفاعي، فعمِلَ الشيخُ منصور رحمه اللهُ بالوصية وأخذَ الإمامَ أحمد الذي كان صغيرًا وقتَها إلى الشيخِ عليٍّ الواسطيّ

بعد أنْ حفظَ القرآنَ الكريمَ وجمعَه عليه ليُرَبِّيَه في الطريق وليأخذَ عليه العهدَ الوثيق.

وبهذا اجتمَعت لسيّدي أحمد روافِدُ العرفانِ والتحقيق مُمَثَّلةً في خالِه القطبِ الشيخِ منصور وشيخِه عليٍّ القاري، فلمّا دخلَ الشيخُ منصور بالسيدِ أحمد على الشيخِ عليّ الواسطيّ أعْظَمَه وقال للشيخِ منصور أنْ سيّدي يوشِكُ أنْ ينتهيَ هذا الأمرُ إلى هذا الصبيّ ويكونُ إمامَ الطوائف ومَرجِعُ أهلِ الله ودعا له دعاءً عظيمًا، فأمّنَ الشيخُ منصور على دعائِه.

ثم إنّ الشيخَ عليًّا الواسطي اعتَنى بالسيّدِ أحمد كلَّ الاعتناء حتى صار إمامَ أصحابِه ورئيسَهم والمُشارَ إليه فيهم وكان على جانبٍ عظيمٍ منَ الحفظِ من علومِ الشريعةِ والأحاديثِ النبوية

كما يُروى أنه أخذ أيضًا عن خالِه سلطان العلماء الشيخِ أبي بكرٍ الواسطيِّ الأنصاريّ علومَ الشريعة وتفنَّنَ بها وألَّفَ الكتبَ الكثيرةَ، فقد تفقّهَ في الدينِ على مذهبِ الإمامِ الشافعيِّ رضي الله عنه ودرسَ التنبيه وألّفَ شرحًا عليه فيما بعد كما صنَّف في التفسيرِ والحديثِ وعلومِ القومِ أسْفارًا كثيرة.

ولقد أقبلَ سيّدي أحمد منذُ صباهُ المُبَكِّر على شتى المناهلِ العذبةِ التي تؤَهِّلُه لسلوكِ الطريقِ والمُضِيِّ على قدَمِ التحقيق.

وكان سيّدي أحمد رضي اللهُ عنه يصعدُ سُلَّمَ الارتِقاء وعيونَ العارِفينَ تَرمُقُهُ بعنايتِها وتتَطلَّعُ إليه بفِراستِها فتكتشفُ فيه أملَ المستقبلِ لأهل الطريق.

ولادةُ الإمام أحمدَ الرفاعي كانت إذًا في ذلك المكان الذي كان فيه أهلُ القرآن وأهلُ الفقه وأهلُ التصوّفِ.

 وكان هذا الإمام الرفاعي رضي الله عنه شديدَ الاهتمامِ بأمرِ العلم منذُ الطفولة.

 حتى يقول عليّ الكرخيّ “سمعتُ سيّدي أحمدَ الزنكيّ يقول: إنّ سيّدَنا السيدَ أحمدَ الرفاعيّ كان أحسنَ أهلِ زمانِه طفلًا ويافعًا وكهلًا وشيخًا وما كان يجلسُ حالَ طفولتِه مع أحدٍ من الناس سوى الفقيهِ أبي الليثِ الحرّانيِّ رضي اللهُ عنه.

وكان أبو الليثِ هذا معروفًا بالصلاحِ والتقوى بينَ الناسِ وكان والدُه أميرُ حرّان فتركَ طريقَ الإمارة التي كانت شأنَ والدِه وتبِعَ طريقَ الفقر ورضيَ بها رضي الله عنه، وكان كلَّ ما كبِرَ يلْتَحِقُ بالمعروفينَ بينَ الناسِ بالصلاحِ والتقوى توَلّى أمرَ تربيتِه الشيخُ عليٌّ القاري الواسطي وسلّكَه الطريق وأخذَ عليه العهد وتلَقّى عندَه علومَ الشرع وانكشفَت له بإذنِ الله أيامَ صحبتِه علومُ الحقائقِ والدقائقِ والظاهرِ والباطن وكان سيّدي عليٌّ  الواسطيّ القاريُّ هذا شيخَ العلماء وأهلَ الخِرقة في البطائحِ وواسط وكان القومُ في عصرِه يذكرونَه بمنزِلة المُساواةِ مع الشيخِ منصورٍ البطائحيّ خالِ السيِّدِ أحمد.

وكان سيّدي منصور هذا في زمانِه قد أجمعَ عليه المشايخ وتخرّجَ السيّدُ أحمدُ الرفاعي رضي اللهُ عنه بصحبتِه وشربَ كأسَه وترَبّى بتربيتِه ولبِسَ خِرقتَه وخلَفَه في مشيخةِ الشيوخ.

كان يقول سيّدُنا أحمدُ الرفاعي رضي الله عنه “رأيتُ جميعَ الطرقِ إلى اللهِ تعالى فما رأيتُ أحسنَ ذخيرة وأقربَ إلى اللهِ تعالى من طريقِ الذلِّ والانكسارِ والمسكنة”.

يعني يقول الإمامُ أحمد هذا الطريق الذي دخلَه فترَقّى فيه ووصلَ ما وصل إلى مراتبِ الولاية طريقُ الذل والافتقار والانكسار.

السيدُ أحمد الرفاعي رضي اللهُ عنه كان يُلازِمُ مجالسَ العلم فكان يلازمُ درسَ خالِه الشيخِ أبي بكر ويتردّدُ على مجالسِ خالِه الشيخِ منصور وحفظَ كتابَ التنبيه في فقهِ الإمامِ الشافعي للإمامِ أبي إسحقَ الشيرازي عن ظهرِ قلب وشرحَه شرحًا جليلًا، ويقالُ إنّ هذا الكتاب ضاعَ في واقعةِ التتار.

واستغرقَ رضي الله عنه أوقاتَه بجمعِ المعارفِ الدينية وقد أفاضَ اللهُ عليه مِن لدُنْهُ علمًا خاصًّا حتى رجعَ مشايخُه إليه وتأدّبَ مؤَدِّبوهُ بين يديه.

في العشرين من عمرِ هذا الشيخ أجازَهُ شيخُه الشيخُ أبو الفضلِ عليٌّ محدّثُ واسط وشيخُها إجازةً عامةً بجميعِ علومِ الشريعةِ والطريقة وألبسَه خِرقتَه المباركة وأعظمَ شأنه ولقّبَه بأبي العلمين وانعقدَ عليه في حياةِ مشايخِه الإجماع واتفقت كلمتُهم على عِظَمِ شأنِه ورفعةِ قدْرِه.

ثم أقامَ بنهرِ دجلة مدةً يسيرة ثم رجَعَ إلى رواقِ أبيه واشتهرَ هناك كلَّ الاشتهار.

لما بلغَ الثامنة والعشرين من عمرِه رضي الله عنه عهِدَ إليه خالُه الشيخ منصور  بمشيَخةِ الشيوخِ ومشيَخةِ الأروِقةِ والرُّبُطِ المنسوبةِ إليه يعني كل الرُّبطُ والزوايا والأروِقة التي كانت تحت الشيخ منصور البطائحي التي هو كان شيخًا عليها ثمان وعشرين سنة من عمر سيّدِنا الرفاعي شيخُه وخالُه عهِدَ إليه بالمشيخةِ على كلِّ ذلك وأمرَه بالإقامة في أمِّ عَبيدة في رُواقِ جدِّه لأمّه الشيخِ يحيى النجاريّ والدِ الشيخِ منصور، فأقامَ فيها وتصدّرَ على سجادةِ الإرشادِ بذلك العام وهو العامُ الذي توفيَ فيه خالُه الشيخُ منصور.

ولما كان له من العمر خمسٌ وثلاثونَ سنة أُحصِيَت الرِّقاعُ التي وردَت إليه من مُريديه الذين دخلوا الخلوة فزادت عن سبعِمائةِ ألفِ رُقعة وكان من جملةِ ما جُمِعَ للسيدِ الرفاعي رضي الله عنه البرهانُ المؤيّد وهو عنوانُ مجالسِنا القادمة بإذن اللهِ عزّ وجل.

والبرهانُ المؤيد من أشهرِ كتبِه وقد وصفَه الإمامُ الرافعيُّ بقولِه “الكتابُ الجليل الذي جمعَه من مجالسِ وعظِه ودوّنَه شيخُ الإسلامِ شرفُ الدينِ ابنُ الشيخِ عبدِ السميعِ الهاشميّ العباسيِّ الواسطيّ نفعنا اللهُ بهم أجمعين.

كان هذا من ترجمةِ الإمامِ أحمدَ الرفاعي رضي الله عنه

لكننا ونحنُ نمضي في البرهانِ المؤيدِ إن شاء اللهُ تعالى سأذكرُ شيئًا من أحوالِ الإمامِ أحمدَ الرفاعي لأنه رضي الله عنه كما كان يرَبّي بمقالِه كان يرَبّي بحالِه

فإنْ ذكرْنا شيئًا مما ذكرَ الإمامُ أحمدُ الرفاعي في التصوف لعلّنا نذكرُ في بعض الأحيان شيئًا من أحوالِ الإمام أحمدَ الرفاعي مما يدلُّ على الذي كان يوصي به ويعلِّمُه ويعظُ به رضي الله تعالى عنه وأرضاه

نفعَنا اللهُ تعالى بالإمامِ أحمدَ الرفاعي أمدّنا الله بأمدادِ الغوثِ أبي العلمينِ الرفاعي وبالباز الأشهب عبدِ القادر الجيلاني وبالإمامِ أحمدَ البدوي وبالإمام الدسوقيّ بالإمام الشاذليّ بالجنيد البغدادي وبأولياءِ الله والصالحين

سبحانَ ربِّكَ ربِّ العزةِ عما يصفون وسلامٌ على المرسلين

والحمدُ لله رب العالمين

سبحانك اللهم وبحمدِك نشهدُ أنْ لا إله إلا أنت نستغفرُك ونتوبُ إليك

وصلى الله على سيّدنا محمد وعلى آلِه وأصحابه الطيبينَ الطاهرين.