الحسد والتباغض
العناوين الداخلية:
من داء القلب: الحسد والبغض:
قال المحدث الشيخ عبد الله الهرري حفظه الله تعالى:
الحمد لله رب العالمين، له النّعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، وصلوات الله البر الرحيم والملائكة المقربين، على سيدنا محمد أفضل المرسلين، وعلى جميع إخوانه النبيين وآل بيته الطيبين الطاهرين. أما بعد، فقد قال رسول الله ﷺ “لا تحاسدوا ولا تباغضوا ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا”.
من داء القلب: الحسد والبغض وضرره كبير، لأن المسلمين إذا تحاسدوا وتباغضوا يتقاعسون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهذا خلاف التعاون على البر والتقوى، فالمسلمون إذا تحاسدوا وتباغضوا يتقاعسون عن البر والتقوى.
التعريف بالحسد والتدابر:
الحسد الذي هو حرام هو تمني زوال النعمة عن المسلم مع السعي لذلك بالفعل بالبدن أو بالقول باللسان، فهذا هو الحسد المحرم، أما ما لم يحصل ذلك هذا ليس فيه معصية. أما التدابر هو أن يواجه هذا أخاه المسلم ثم يوليه ظهره للإشعار أنه يكرهه، أو يصرف وجهه إلى الجانب الآخر، هذا فيه إيذاء للمسلم، فيتولد من ذلك التهاجر وترك التعاون لما هو مأمور به من التعاون على إزالة منكر أو اداء فرائض.
مخالفة النفس تعين على الخلاص من الحسد:
والأمر الذي يعين على الخلاص من هذه الأشياء هو مخالفة النفس، مخالفة النفس تعين على كثير من أعمال البر التي تقرب إلى الله، هؤلاء الأولياء ما صاروا أولياء إلا بمخالفة النفس هواها، التقى رجلان من عباد الله الصالحين، فوجد أحدهما الآخر متربعاً في الهواء، فقال الآخر له: بم نلت هذا؟ قال: بمخالفة نفسي، معناه خالفت نفسي، جعلت نفسي مقهورة بأداء الفرائض والعمل بالسنن وترك المحرمات وبمخالفة الهوى، فبمخالفة النفس أعطاني الله هذه الكرامة. لأن النفس تحب التكاسل عن مشقة الطاعات، والطاعات فيها مشقة، الصلاة يصادف أحياناً وقتها وقت البرد الشديد، قد يكون الإنسان لا يميل لاستعمال الماء البارد فالمؤمن الذي أراد أن يترقى في الكمالات يخالف نفسه في تحمل البرد القارس، كذلك الصيام قد يوافق يوم عطش شديد، فالمؤمن يقهر نفسه على تحمل العطش الشديد، وأمثال ذلك. كذلك المريض يتكاسل عن أداء الصلوات وما أمر الله، فالذي يقهر نفسه بأداء ما افترض الله عليه مع المرض فهذا لكي يرضي الله لا بد أن يتحمل هذه المشقات.
هل جزاء الإحسان إلا الإحسان:
كذلك إذا إنسان لقي إنساناً فأحسن إليه ثم ذلك لا يقابل الإحسان بالإحسان، النفس تأمره بقطع هذا الإنسان، تقول له: اقطعه، اقطع الإحسان عنه وعامله كما يعاملك! هو هنا أيضاً مطلوب أن يخالف نفسه ويبقى على الإحسان إليه مهما تمادى الآخر. ثم أيضاً بعض الناس يسيئون إلى إنسان بدون سبب، ويسبونه ويشتمونه من دون أن يكون لذلك سبب، الذي يخالف نفسه ويترك مقابلته بالمثل مقابلة الإهانة بالإهانة والسب السب يكون مترقياً بالدرجات التي تقرب إلى الله وهذا حال الأولياء والأنبياء، الأنبياء يكلمون الناس الذين أرسلهم الله إليهم ليهدوهم يكلمونهم بما فيه نجاتهم في الآخرة، ثم أكثر الناس يقابلونهم بالشتم والهجر ويبقى الأنبياء على الصبر يدعونهم إلى ما ينفعهم في الآخرة مع تحمل الأذى الشديد منهم، ومع ذلك كان يضربهم بعض الكفار!
تحمل سيدنا نوح عليه السلام لإيذاء قومه له:
نبي الله نوح عليه السلام عاش في قومه تسعمائة وخمسين سنة يدعوهم إلى الإيمان إلى الإسلام، كانوا يعبدون الأوثان وهم متمادون في عبادة الأوثان ويقابلونه- لنوح عليه السلام- بالسب والأذى، وأحياناً يضربونه حتى يغشى عليه! وهو طيلة هذا الزمن الطويل ما غير حاله، بل ظل يدعوهم ويصبر على أذاهم. ثم الله تبارك وتعالى أوحى إليه أن هؤلاء لا يؤمنون، أن قومه لا يؤمنون إلا القليل قريب ثمانين شخصاً أكثرهم ذكور الإناث قلة، فصار يدعو عليهم فاستجاب الله دعاءه (دعاء عليهم أن لا يبقي الله منهم أحداً على الأرض) فأمر الأرض أن تخرج ماءها، فارتفع عن الأرض أربعين ذراعاً، ثم صار الماء ينزل من السماء كالجبال ليس كالقطرات في هذه الأيام، ولولا خروج الماء من الأرض لخرّب الماء الذي ينزل من السماء الأرض، لكن هذا الماء الذي ينزل كالجبل تحملته الأرض بسبب خروج الماء من الأرض وارتفاعه أربعين ذراعاً، فأبادهم الله تعالى فجازاهم في الدنيا بهذا وفي الآخرة اشد من هذا. فمن اقتفى أثر الأنبياء بالعفو عن الإساءة والصبر على المشقات وأذى الناس عند الله يترقى في الخير.
ضبط النفس عند الغضب من أكبر الوسائل للنجاة، فيه حفظ الدين وحفظ بدنه، لأن الإنسان إذا غضب فأراد أن ينتقم من الآخر فقد يصاب في جسمه فيهلك أو يصاب بجروح أو بمرض، الصبر بأنواعه الثلاثة فيه قربة إلى الله وسلامة من كثير من آفات الدنيا. وأشد هذه الأنواع هو الصبر عن المحرمات، هو أشد الأنواع على النّفس، كفّ النفس عن المعاصي هذا أشدّ أنواع الصّبر.
والحمد لله أولاً وآخراً.