الثلاثاء يناير 14, 2025

روى البخاري في صحيحه في كتاب تفسير القرءان باب قوله تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} [(172)]: حَدَّثَنَا آدَمُ حَدَّثَنَا اللَّيْثُ عَنْ خَالِدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلاَلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يَكْشِفُ رَبُّنَا عَنْ سَاقِهِ فَيَسْجُدُ لَهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ وَمُؤْمِنَةٍ فَيَبْقَى كُلُّ مَنْ كَانَ يَسْجُدُ فِي الدُّنْيَا رِيَاءً وَسُمْعَةً فَيَذْهَبُ لِيَسْجُدَ فَيَعُودُ ظَهْرُهُ طَبَقًا وَاحِدًا» اهـ.

وأيضًا في كتاب التوحيد[(173)]، باب قول الله تعالى {وَجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ *إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ *} .

نقل الذهبي في كتابه «سير أعلام النبلاء» [(174)] إنكار الإمام مالك (93هـ) للفظ ساقه: «أبو أحمد بن عَدي: حدثنا أحمد بن علي المدائني، حدثنا إسحاق ابن إبراهيم بن جابر، حدثنا أبو زيد ابن أبي الغمر، قال: قال ابن القاسم: سألت مالكًا عمَّن حدَّث بالحديث، الذين قالوا: (إن الله خلق آدم على صورته)، والحديث الذي جاء: (إن الله يكشف عن ساقه)، وأنه (يُدخل يده في جهنم حتى يُخرج من أراد). فأنكر مالك ذلك إنكارًا شديدًا، ونهى أن يُحدِّثَ بها أحد» اهـ. لا شك أن مالكًا أوسع اطلاعًا ممَّن أثبت هذا اللفظ من غير تحقيق فلذلك أُكره هذا الإمام الكبير الذي هو من أئمة أهل السنة والجماعة ولا يخفى أنه عاش في زمن السلف الصالح.

وقال الإمام أبو سليمان الخطَّابي (388هـ) في كتابه «أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري»[(175)]: قلتُ: وهذا الحديث مما قد تهيَّب القولَ فيه شيوخنا، فأَجْروهُ على ظاهر لفظه ولم يكشفوا عن باطن معناه على نحو مذهبهم في التوقف عن تفسير كل ما لا يُحيط العلم بكنهه من هذا الباب، وقد تأوَّله بعضهم على معنى قوله (يوم يُكشف عن ساق)، فروي عن ابن عباس أنه قال: عن شدّة وكرْب» اهـ. ونقله البيهقي (458هـ) عنه في كتابه «الأسماء والصفات»[(176)] وعلَّق المحدّث الكوثري بقوله[(177)]: «هذا لفظ سعيد بن أبي هلال، وهو لفظ منكر. قال الإسماعيلي في قوله (عن ساقه): نكرة، ثم ساق بطريق حفص ابن ميسرة بلفظ (يكشف عن ساق) من غير ضمير، وقال: هذه أصح لموافقتها لفظ القرءان في الجملة، ولا يظن أن الله ذو أعضاء وجوارح لما في ذلك من مشابهة المخلوقين، تعالى الله عن ذلك» اهـ.

ونقل قول الخطابي أيضًا محمد بن يوسف الكرماني (786هـ) في كتابه «شرح الكرماني على صحيح البخاري»[(178)].

وهو ما نقله الحافظ ابن حجر العسقلاني (852هـ) في كتابه «فتح الباري بشرح صحيح البخاري»[(179)].

وكذا قال التَّاوُدي (1209هـ) في «حاشية التَّاوُدي ابن سودة على صحيح البخاري»[(180)].

وكذا نقله شهاب الدين أحمد بن محمد الشافعي القسطلاني (923هـ) في كتابه «إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري»[(181)].

وأهل السنة والجماعة ينزهون الله تعالى عن الساق الحقيقية، ويؤولون ما ورد في القرءان على معنى الشدة الشديدة والأمور العظيمة التي يُظهرها الله يوم القيامة، والله منزه عن الجسم والأعضاء والجوارح والآلات والأدوات والحركات والسكنات وكل ما كان من صفات المخلوقين، لأنه سبحانه ليس كمثله شىء، ومن وصف الله بمعنى من معاني البشر فقد كفر.

وقال بدر الدين العيني الحنفي (855هـ) في كتابه «عمدة القاري شرح صحيح البخاري»[(182)]: قوله (يكشف ربنا عن ساقه) من المتشابهات، ولأهل العلم في هذا الباب قولان: أحدهما: مذهب معظم السلف أو كلهم تفويض الأمر فيه إلى الله تعالى والإيمان به، واعتقاد معنى يليق لجلال الله عز وجل، والآخر: هو مذهب بعض المتكلمين أنها تتأول على ما يليق به، ولا يسوغ ذلك إلا لمن كان من أهله بأن يكون عارفا بلسان العرب وقواعد الأصول والفروع، فعلى هذا قالوا: المراد بالساق هنا الشدة، أي: يكشف الله عن شدة وأمر مهول وكذا فسره ابن عباس» اهـ

وقال أبو يحيى زكريا بن محمد الأنصاري (926هـ) في كتابه «تحفة الباري بشرح صحيح البخاري»[(183)]: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ} أي عن أمر شديد» اهـ.

ـ[172]   كتاب تفسير القرءان (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1421هـ ص922 رقم الحديث 4919).

ـ[173]   كتاب التوحيد، (ص1344 رقم الحديث 7439).

ـ[174]   سير أعلام النبلاء (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1425هـ، الجزء السادس ص329).

ـ[175]   أعلام الحديث في شرح صحيح البخاري، المملكة العربية السعودية، جامعة أم القرى، المسمى معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، (الطبعة الأولى 1409هـ الجزء الثالث ص1930).

ـ[176]   الاسماء والصفات (الناشر المكتبة الأزهرية للتراث، الطبعة الأولى ص325).

ـ[177]   تعليق المحدث الكوثري (ص/324).

ـ[178]   شرح الكرماني على صحيح البخاري (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1431هـ الجزء التاسع ص161).

ـ[179]   فتح الباري بشرح صحيح البخاري (دار الريان – القاهرة، الطبعة الأولى 1407هـ، كتاب التفسير، الجزء الثامن ص532).

ـ[180]   حاشية التَّاوُدي ابن سودة على صحيح البخاري (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1428هـ، الجزء الرابع ص570).

ـ[181]   إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1416هـ، الجزء الحادي عشر ص171).

ـ[182]   عمدة القاري شرح صحيح البخاري (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1421هـ، كتاب التفسير، الجزء التاسع عشر ص369 – 370).

ـ[183]   تحفة الباري بشرح صحيح البخاري (دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى 1425هـ، الجزء الخامس ص245).