قال العلامة الشيخ عبد الله بن محمد الهرريّ رحمه الله تعالى رحمةً واسعةً:
الحمد لله ربّ العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن صلوات الله البرّ الرحيم والملائكة المقربين على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى ءاله الطيبين الطاهرين.
أمَّا بعدُ: فإن رسول الله r حث أمته على ترك الغضب لما فِي الغضب من المفاسد والمهالك قال رجل يا رسول الله ما ينجيني من غضب الله قال: «لا تغضب»([i]).اهـ. هذا الحديث فيه الحث الأكيد على ترك الغضب وفي هذا الحديث أن الذي يترك الغضب يملك نفسه فبتركِ الغضب ينجو من غضب الله أما الذي لا يمسك نفسه إذا غضب، فإنه لا بد أن يَهْلِكَ هكذا يفهمنا رسول الله r، ولهذا أمثلة كثيرة: كان فِي العرب الماضي فِي عاد وهم قوم من العرب من أقدم الناس كانوا أيام سيدنا هود u ويمكن بيننا وبينهم عشرات الألوف من السنين، الله أعلم كم مضى من عمر الدنيا إلى يومنا هذا، هذا لا يعلمه أحد من البشر إلا الله، كان من هؤلاء رجل يقال له: حمار بن مالك هذا كان زعيمًا على وادٍ طويل وعريض كان فِي هذا الوادي أشجار ومياه يقال لهذا الوادي: جوفٌ، هذا الرجل الله ابتلاه لكنه ما صبر غضب على ربه؛ لأنه ابتلاه، الله أرسل صاعقة فقتلت أولاده فغضب غضبًا شديدًا على ربه، قال: لا أعبدك لأنك قتلتَ أولادِي وكان عاش فِي الإسلام أربعين سنة قبل أن تحصل هذه الحادثة، كان مسلمًا عاش أربعين سنة على الإسلام ثم كفر وكان إذا أتى أحدٌ إلى هذا الوادي يقول له: اكفر بالله وإلا قتلتُك، صار طاغيًا جبارًا، ثم لم ينفعه غضبه على ربه؛ بل زاده الله بلاءً أرسل الله نارًا من أسفل الوادِي فأكلت الوادِي كله، هلك هو ومن أطاعه. هذا الرجل سبب كفره وهلاكه الغضبُ لو لم يغضب على ربه؛ بل قال: الحمد لله أنت أعطيتنيهم وأنت أخذتَهم لكان له أجر كبير لكان جزاؤه الجنة؛ لأن الرسول u روى عن ربنا تبارك وتعالى: «إذا قبضتُ صَفِيَّ عَبْدي فَصَبَر وَاحْتَسَبَ ليس له عندي جزاءٌ إلا الجنة»([ii]).اهـ. معناه: أجرُهُ شيءٌ عظيم، الذي يفقد إنسانًا يَعِزُّ عليه أباه أو أمه أو أخاه أو أخته أو زوجته أو نحو ذلك من فقد مَن يعزّ عليه فصبر واحتسب الأجر على الله فجزاؤه الجنّة، هذا الرجل بسبب الغضب على الله أهلك نفسه وحُرِمَ الجنّة وصار من أهل النار المخلدين فيها هكذا يفعل الغضب.
كثير من الناس إنما يكفرون بسبب الغضب هذا يغضب لأنه سلط الله عليه مصيبة كبيرة يغضب فيكفر، وهذا يغضب من إنسان ظلمه فيقول كلمة كفر فيكفر، وهذا يغضب من قريبه فيقاطع قريبه فيصير قاطعَ رَحِمٍ، قاطعُ الرحم عذابه شديد عند الله، الذي يقطع رحمه فلا يزوره ولا يرسل له سلامًا وإذا وقع فِي ضيق لا يساعده هذا عذابه شديد، الغضب يوقع فِي هذا أيضًا، فمن أخذ بقول رسول الله r: «لا تغضب» فملك نفسه عند الغضب سلم من المهالك سلم من مهالك الدنيا ومن مهالك الآخرة لأن كثيرًا من الناس يغضبون فيقولون كلمة أو يفعلون فعلًا فيؤدّى به هذا الفعل وهذه الكلمة إلى مصيبة شديدة فِي الدنيا قبل الآخرة قد تصبه مصيبة فِي الدنيا قبل الآخرة فلذلك أوصى رسول الله r هذا الرجل الذي قال له: يا رسول الله أوصنِي قال: «لا تغضب»([iii]) وللرجل الآخر الذي قال له: يا رسول الله ما ينجيني من غضب الله قال: «لا تغضب» لهذا المعنى العظيم أكد رسول الله r وصية أمته بترك الغضب.
ثم إن من الأمر المهم ما أوصى به رسول الله r طولُ الصمت؛ لأن طول الصمت يُنجِي صاحبه من كثير من المهالك فِي الدنيا وفي الآخرة لأن كثرة الكلام يجر إلى المهالك فِي الدين وفي الدنيا.
كذلك مما ينفع الناس فِي الدنيا والآخرة القناعة بالقليل من الرزق الحلال، فإن الذي يتعلق قلبه بكثير المال ولا يرضى بالقليل ينجر إلى المهالك مهالك الدنيا ومهالك الآخرة لذلك قال رسول الله r: «ما قلَّ وكفَى خيرٌ ممّا كَثُرَ وألْهى»([iv]).اهـ. معناهُ: الرزقُ القليلُ الذي يكفِي قدرَ الحاجةِ يسد حاجات الشخص خير من الكثير الذي يشغل عن طاعة الله، أما إذا إنسان رغب فِي جمع المال الكثير من المال الحلال لينفع به أقاربه والفقراء ويعمل به مبرات لبناء مسجد أو مدرسة أو تكية للفقراء من اشتغل بهذا فليس عليه حرج عند الله تعالى إنما الأمر المذموم هو جمع المال للفخر حتى يقال: انظروا إلى فلان صار من الأغنياء أو يقال ما أغناه، الفخر عند الله حرام حتى الفخر باللباس إذا الإنسان لبس ثوبًا فاخرًا جميلًا للفخر ليعجَب به الناس ويقولوا: انظروا على فلان ما أحسن ثيابَهُ هذا عند الله تبارك وتعالى هلك يستحق عذاب الله، اللهُ تعالى يحب لعباده أن يكونوا متواضعين لا يحب أهل الفخر والعجب والكبرياء.
ثم من أهم ما يكتسبه الإنسان فِي هذه الحياة الدنيا أن يكون على عقيدة أهل السُّنَّة ويثبُتَ عليها يتجنب الكفر الفعلِيَّ والكفرَ اللسانِيَّ والكفر الاعتقاديَّ ويثبت على مذهب أهل السُّنَّة، أهلُ السُّنَّة هم الذين اتبعوا الصحابةَ، الصحابةُ ما كان بينهم خلاف فِي العقيدة كانوا كلهم على عقيدة واحدة أن الله موجود بلا مكان لا يشبه شيئًا، كان قبل المكان ثم خلق المكان فهو كما كان لم يتخذ مكانًا خلق العرش إظهارًا لقدرته لا ليتخذه مكانًا، وأنه تبارك وتعالى منزهٌ عن الأعضاء والحد، الله تبارك وتعالى لا يجوز عليه أن يكون له حد ومساحة لا مساحةٌ واسعة كالعرش أو أوسع منه ولا مساحة صغيرة، المساحةُ شأن المخلوق صفةُ المخلوق، الإنسان له مساحة أربعة أذرع طولًا وذراع عرضًا، وهذه الأرض التي تحملنا لها مساحة يعلمها الله تعالى لها حد يعلمه الله، والعرش الكريم له حد يعلمه الله لا نعلمه، أما الله تبارك وتعالى فلا يجوز عليه الحد والمساحة. كلُّ شيء له حد ومساحة مخلوقٌ هذه الشمس لها مساحة وشكل فهِيَ مخلوقة فلا يجوز أن تُعبد، كل شيء له حد مخلوقٌ وأما الله تعالى فمنزه عن الحد والمساحة والأعضاء قال سيدنا زين العابدين t [عن الخالق U] لا يَمَسُّ ولا يُمَسُّ ولا يُجَسُّ ولا يُحَسُّ([v]).اهـ. معناه: لا يجوز على الله تعالى أن يكون شيئًا يُلْمَس ولا يجوز أن يَلْمِس هو شيئًا من خلقه.
كذلك أهل السُّنَّة يعتقدون أن الله خالق كل شيء، الخيراتُ والحسناتُ والمعاصِي والسيئاتُ هو يخلقها.
كذلك أهل السُّنَّة يعتقدون أن الله تبارك وتعالى يراه المؤمنون بعد أن يدخلوا الجنة يرونه هم يكونون فِي الجنة أما هو فليس فِي مكان كما هو اليوم ليس فِي مكان وفي الآخرة أيضًا عندما يكون المؤمنون فِي الجنة يرونه من غير أن يكون له جهة ولا مكان، لا يُرى كما يُرى المخلوق، المخلوق إما أن تراه منتصبًا أمامك أو فوقك أو على يمينك أو على يسارك أو فِي خلفك أو تحتك المخلوق هكذا يُرى، المؤمنون لما يرون الله تعالى لا يرونه كما يُرى المخلوق؛ لأنه ليس له شبيه هذه أيضًا من عقائد أهل السُّنَّة الذين اتبعوا الصحابة.
وكذلك من عقائد أهل السُّنَّة أن أفضل هذه الأمة بعد الرسول r أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليٌّ y. هذه عقيدة الصحابة التي تناقلها المسلمون إلى عصرنا هذا، الجمهورُ على هذا وهذه هي عقيدة سيدنا عليّ t، كان يعتقد أن أبا بكر وعمر وعثمان أخذوا الخلافة بحق وأنهم أفضل وكذلك ذرية الحسن والحسين إلى يومنا هذا جمهورهم على هذا الاعتقاد أن أفضل هذه الأمة أبو بكر ثم عمر ثم عثمان ثم عليٌّ وأن هؤلاء الثلاث أبا بكر وعمر وعثمان ما ظلموا عليًّا ما أخذوا الخلافة قبله ظلمًا؛ بل أخذوها بحق، هذه عقيدة سيدنا عليّ لو كان يعتقدهم أخذوا الخلافة قبله ظلمًا كان كرههم وأبغضهم لكن كان يحبهم محبة شديدة والدليلُ على ذلك أنه سمّى ابنًا له أبا بكر، هو غير الحسن والحسين، كان له أربعة وثلاثون ولدًا ما بين ذكور وإناث واحدًا سمّاه: أبا بكر وءَاخَرَ سماه: عمر وءاخر سماه: عثمان، ورابعًا: عثمان كان عنده عثمانان، ثم سيدنا عمر من أجل التبرك بذرية الرسول r خطب بنت عليّ أم كلثوم وكانت صغيرة وعمر بذلك الوقت كان نحو الستين من العمر فِي العقد السادس فزَوَّجهُ سيدنا عليّ t فولدت له ولدًا اسمه زيد هكذا كان الأربعة متحابين. كذلك زين العابدين t كان له ولدٌ سماه: عمر الأشرف.
ثم أيضًا أهل السُّنَّة من عقائدهم عذاب القبر للكفار ولبعض المسلمين كالذين لا يتحفظون من النميمة الذين يقعون فِي النميمة فِي الإفساد بين اثنين فينقل كلام هذا إلى هذا وكلام هذا إلى هذا حتى يصير بينهما عداوة هؤلاء إذا لم يتوبوا؛ بل ماتوا قبل التوبة يستحقون عذاب القبر، كذلك الذي لا يتحفظ من البول هؤلاء شباب المدارس العصرية الله تعالى يهديهم هؤلاء مبتلَوْنَ بهذه المعصية الكبيرة لا يستبرئون لا يستنجون. ثم عذاب القبر بالنسبة للمسلم الذي مات قبل التوبة ينقطع أما الكافر فعذابه لا ينقطع، كلَّ يوم قبل الظهر أول النهار مرة وءاخر النهار مرة ملائكة العذاب يأخذون روحه يُرُوْنَه مقعده فِي جهنم يوم القيامة تقعد هناك([vi]) يكفيه هذا لو لم يكن غيره يكفيه ثم يوجد له غير هذا من عذاب القبر تسلط عليه ثعابين، توجد ثعابين خلقها الله للقبور لا تظهر على وجه الأرض أشدُّ من الثعابين التي على وجه الأرض. أما المؤمن التقيُّ فهو كأنه فِي روضة من رياض الجنة لكن الله تبارك وتعالى يحجب هذا عن أبصار الناس، الآن لو فتحنا قبر وليّ كبير من الأولياء نجد البقعة بحسب مرأى أعيننا بحسب رأى العين بقعة صغيرة بحسب حاله يوم حفرت للدفن لكنها فِي الحقيقة هي واسعةٌ ومنوَّرةٌ الله تعالى يحجب أشياء حقيقية واقعة عن أبصار الناس إلا من شاء له، هذه ليلة القدر جماعة يكونون نائمين فِي بيت والضوء مطفأٌ واحدٌ من بينهم الله يريه ليلة القدر امتلأ البيت ضوءًا والخارجُ أيضًا امتلأ نورًا ضوءًا أما الذين معه لا يرون، وهكذا حال القبر فيه حقائق لا يراها أكثر الناس. هذه عقيدة أهل السُّنَّة.
ثم أيضًا من عقيدة أهل السُّنَّة جواز التوسل بالرسول r والأولياء اللَّهُمَّ اقض الحاجة بجاه رسول الله هذا يقال للتوسل، اللَّهُمَّ بجاه رسول الله فرّج كربتي هذا توسل. من أيام الصحابة إلى يومنا هذا المسلمون على هذا أن الله لا يشبه شيئًا ليس قاعدًا على العرش؛ بل هو موجود بلا مكان وأنه يجوز التوسل بالأنبياء والأولياء وأنه يجوز زيارة قبورهم للبركة، أي: ليعطِي اللهُ الزائر البركة. هذه عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة ومن خالف هذا فلا تلتفتوا إليه فهو ضال تائه كالوهابية، الوهابيةُ يعتقدون أن الله جالس على العرش ويعتقدون أن الذي يقول يا رسول الله كافرٌ وأن الذي يقول اللَّهُمَّ أسألك بجاه محمد كافرٌ هؤلاء ليسوا من أهل السُّنَّة هم يدَّعون أنهم سلفية، أي: مع المسلمين القدماء الصحابة ومن تبعهم وهم كاذبون فِي ذلك فأوصيكم بالتمسك بعقيدة أهل السُّنَّة ولا تسمعوا لمن يخالف ذلك. مئات الملايين من المسلمين على هذا الاعتقاد ليسوا على عقيدة الوهابية علماءُ مئات الملايين من المسلمين يعلّمون هذه العقيدة التي تتعلمونها أنتم أن الله موجود بلا مكان وأنه منزه عن الحد والأعضاء وأنه يجوز التوسل بالرسول r والأنبياء عليهم الصلاة والسلام والأولياء وأنه يجوز زيارة قبورهم للتبرك. المسلمون على هذا من أيام الصحابة إلى يومنا هذا لكن هذا الذي كان فِي نجد الحجاز أرض تبعد من مكة ألف كيلومتر ناحية الرياض واحد اسمه محمد بن عبد الوهاب هذا الرجل طلع فِي القرن الثاني عشر الهجري بعد ألف ومائة وخمسين ظهر أظهر هذه العقيدة الخبيثة أن الله قاعد على العرش وأن له حدًّا وأعضاء وأن الذي يتوسل بالرسول r والذي ينادي الرسول فيقول: يا رسول الله أو يا عبد القادر أو يا رفاعي أو يا أبا بكر أو يا عليّ قال: هذا كافر، هذه عقيدة هذا الرجل الذي ظهر سنة مائة وألف وخمسين ثم هذا الرجل توفي سنة مائتين بعد الألف وست سنوات، اسمه محمد بن عبد الوهاب هم يسمونه شيخ الإسلام وهو عدو الإسلام، الذي يكفّر المسلمَ؛ لأنه يقول: يا رسول الله هذا يكون شيخ الإسلام؟!
صلاح الدين الأيوبي رحمه الله تعالى كان على عقيدة الأشاعرة حتى إنه بنى مدرسة فِي القاهرة لتعليم عقيدة الأشعرية عقيدة أهل السُّنَّة التي نحن ندرسها ويدرّسها علماء مئات الملايين فِي الشرق والغرب بنى مدرسة للعقيدة الأشعرية وكان فِي أيامه أَمَرَ المؤذنين أن يقرأوا العقيدة الأشعرية على المآذن فِي ءاخر الليل حتى يتعلم الناس العوام عقيدة أهل السُّنَّة. انتهى.
وسبحان الله والحمد لله رب العالمين.
والله أعلم وأحكم.
[i])) رواه الطبرانيّ فِي مكارم الأخلاق، باب: فضل من يملك نفسه عند الغضب.
[ii])) رواه البخاريّ فِي صحيحه، باب: العمل الذي يبتغي به وجه الله.
[iii])) رواه البخاريّ فِي صحيحه، باب: الحذر من الغضب.
[iv])) رواه ابن حبّان فِي صحيحه، باب: صدقة التطوع.
[v])) رواه الحافظ مرتضى الزبيديّ بإسناده فِي شرح الإحياء.
[vi])) معناه: يقال له: تقعد هناك والعرب كثيرًا ما يحذفونَ أداةَ الحكايةِ.