الحمد لله رب العالمين له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن، صلوات الله البر الرحيم على سيدنا محمد أشرف المرسلين وعلى ءاله وجميع إخوانه من الأنبياء والمرسلين وآل كل والصالحين.
أما بعد فإن الله تبارك وتعالى أنزل دينه ليسعد به السعادة الأبدية من شاء الله له تلك السعادة، ثم كان دين الله تعالى يحوي من أمور الدين أشياء بعضها أهم من بعض والأهم من أمر الدين هو معرفة الله ورسوله أي الإيمان بالله كما يجب والإيمان برسوله كما يجب، ثم بعد ذلك سائر الأمور.
ومعنى الإيمان بالله ورسوله معرفته على ما يليق به وإفراده بالعبادة أي أن لا يعبد غيره، العبادة معناها نهاية التذلل، الله تبارك وتعالى هو الذي يتذلل له إلى النهاية، هو الذي يستحق نهاية التعظيم وهو الذي يستحق نهاية الخشوع.
ومعنى لا إله إلا الله أنه لا يجوز أن يتذلل نهاية التذلل والخضوع لأحد سوى الله، هؤلاء الأنبياء الذين هم أشرف خلق الله لا يجوز أن نتذلل لهم نهاية التذلل، نهاية التذلل لا تكون إلا لله الذي خلق العالم كله، وهذا معنى قوله تعالى: ﱡﱒ ﱓ ﱠ معناه نحن لا نتذلل نهاية التذلل إلا لك يا الله ﱡﭐ ﱒ ﱠ أي يا الله لك فقط ﱡﭐ ﱓ ﱠ نتذلل نهاية التذلل. فمن تذلل لغير الله نهاية التذلل فقد عبد غير الله فهو مشرك بالله لا ينفعه أي عمل يعمله.
تعظيم الأولياء مطلوب وتعظيم الأنبياء الذين هم أفضل خلق الله مطلوب لكن ليس إلى النهاية، نهاية التعظيم لا يكون إلا لله، هذا معنى عبادة الله،
تعظيم الأنبياء واجب، كذلك الأولياء يجوز تعظيمهم بل فيه ثواب، نحن مأمورون بمحبتهم كما أننا مأمورون بمحبة الأنبياء، لكن الذي يحب أكثر من كل شىء الله تبارك وتعالى الذي خلقنا، أخرجنا من العدم فأعطانا ما أعطانا من النعم التي لا نحصيها.
نحن كلنا نحتاج إلى الله حتى الملائكة الذين هم أكثر خلق الله تعالى وأقوى خلق الله تعالى لا يستغنون عن الله طرفة عين هذا جبريل عليه السلام مع ما أعطاه الله تعالى من القوة والقدرة يخاف من ربه أكثر منا لا يخطر له خاطر كبر، خاطر ترفع على العباد من أجل هذه القوة التي أعطاه الله إياها. فمن قوة جبريل عليه السلام الجسمية أنه قلع أربع مدن من مدن قوم لوط، قلبها جعل أعاليها سافلها من دون تعب من دون مشقة، وهذه الأرض عند البحر الميت بالأردن. وكذلك أهلك جبريل عليه السلام بأمر الله تعالى قوم صالح بصيحته، بصوته، صاح عليهم فهلكوا، ماتوا.
هذا الملك الذي أعطاه الله هذه القوة متواضع لله تبارك وتعالى وملازم للخوف من ربه، من شدة تعظيمه لربه لا يطرأ عليه خاطر كبر وعجب وتكبر وتجبر، لأن العبد على قدر ما تعلو درجته عند الله يكون خوفه من الله يكون تعظيمه لله تعالى.
إذا عرف الإنسان الله تعالى بعد أن يعرف هذا أهم شىء معرفة رسوله محمد، وقد قال بعض المادحين له ﷺ إذا قال قولا فالمقال صحيح. وقال بعض فيمن ألف في العقيدة في التوحيد:
وكل ما أتى به الرسول فحقه التسليم والقبول
معناه كل ما جاء به الرسول أمته فعلينا أن نسلم له ونقبل منه.
هذا معنى الإيمان بالرسول، ليس مجرد أن نقول محمد رسول الله.
ومن الملحدين من يقول الرسول كان متعلق القلب بالنساء يقولون عنه “نسونجي” هؤلاء كفار. الرسول لم يكن متعلق القلب بالنساء كان متعلق القلب بربه تبارك وتعالى، ما تزوج مرة من المرات إلا لغرض ديني، إلا لما يحب الله تعالى من نشر دينه، لأنه إذا تزوج من هذه وهذه وهذه، هذه تتعلم منه أمور الدين وهذه تتعلم منه كل يتعلمن منه وينشرن دين الله، لأن النساء ءالف للنساء، أكثر إلفا للنساء من إلفهن للرجال، لهذه الحكمة وغيرها كان عليه الصلاة والسلام أكثر من الزواج.
الله تعالى خصه بحكم لم يجعله لأمته أحل له أن يجمع بين أكثر من أربع في ءان واحد أما غيره لم يحل له ذلك. أمته لا يجوز للواحد منهم أن يجمع في ءان واحد أكثر من أربع. ثم من الشواهد على أن الرسول لم يكن متعلق القلب بالنساء كان هو أجمل خلق الله، لو كان فيه ما يقول هؤلاء كانت ظهرت منه رذالات، أهل بلده كانوا أمسكوا عليه رذالة، لكن ما أحد من أهل بلده شاهد عليه أو عرف عليه رذالة قط بل كانوا يسمونه الأمين، لا شاهدوا منه خيانة ولا كذبة ولا رذالة كانوا يسمونه الأمين، يسمونه باسمه الأصلي الذي سماه به جده وهو محمد، كانوا يسمونه بهذا الاسم، لكن من شدة ما كانوا يعتقدون فيه من الأمانة والصدق والوفاء وحسن الخلق والنزاهة كانوا يسمونه الأمين. ثم أول ما تزوج كان عمره أربعا وعشرين أو خمسا وعشرين من خديجة، ثم بعد ذلك بعد أن ماتت خديجة تزوج امرأة اسمها سودة وهي كانت من قريش، ثم تزوج عائشة رضي الله عنها. عائشة تزوجها لأن جبريل جاءه بصورتها (في خرقة من حرير) قال له: هذه زوجتك، بعد ذلك خطبها من أبيها أبي بكر رضي الله عنه، ثم بعد ذلك بمدة تزوج حفصة بنت عمر، إلى ءاخر من تزوج بها من النساء، وكل منهن لم يشغلن قلبه عن الله تبارك وتعالى. كان يترك عائشة في دورها، كان دورها من الرسول في الأسبوع نحو يوم واحد، كان يتركها على الفراش ويذهب إلى الجبانة ليلا يدعو لأهل الجبانة فيقضي وقتا من الزمن هناك ثم يعود. الذي قلبه متعلق بالنساء لا يترك هذه التي هي فتاة حديثة السن على الفراش في دورها الذي هو يوم من ثمانية أيام تقريبا، فهو ﷺ أنزه خلق الله وأعلمهم بالله وأشدهم خوفا منه وخشية.
ثم إنه لم يدم شرع نبي من الأنبياء مثلما طال زمان أمة محمد على الإسلام. عيسى عليه السلام أمته الذين كانوا مؤمنين به بأنه رسول الله ويؤمنون بالله وحده ويصلون لله صلاة بوضوء وركوع وسجود، ويصومون لله أولئك بعده إلى مائتي سنة عاشوا على هدي عيسى على طريقة عيسى، بعد مائتي سنة دخلهم الانحراف الخروج من الدين صار عدد المؤمنين منهم ينقص شيئا فشيئا ويكثر الآخرون الذين يعبدونه، بنى لهم رجل اسمه قسطنطين ألف كنيسة، كان وثنيا في الأصل، دخل في النصرانية المنحرفة فزادهم ضلالا، صاروا يظهرون في أكثر بلادهم وأماكنهم عبادة غير الله. أما الذين يعبدون الله وحده على حسب ما علم عيسى صاروا قلة حتى إنهم من شدة ضعفهم أحدهم ينفرد إلى الجبال يبني هناك كوخا فيعبد الله هناك، يأكل بعض أوراق الشجر لأن أهل المدن كانوا طغوا وبغوا، كانوا يظهرون خلاف دين المسيح يقولون: هو الله، ومنهم من يقول: ابن الله، ومنهم من يقول: الله ثالث ثلاثة.
هربا من هذا، الذين ظلوا متمسكين بشريعة المسيح يأوون إلى المغارات أو إلى هذه الأكواخ التي يبنونها على الأماكن المرتفعة ويكتفون بأكل ما تيسر من نبات الأرض ونحوه، ثم هؤلاء أيضا فقدوا، صاروا يعبدون المسيح ويختلون في هذه الأكواخ كما كان أولئك المؤمنون المسلمون المتمسكون بدين المسيح، صاروا يقلدون أصحاب المسيح.
وأصحاب المسيح كان فيهم أولياء صادقون كهذا الذي كان يقال له جريج، كان متعبدا، قالت امرأة فاتنة فاسقة: أنا أفتن هذا جريجا، فتزينت فتعرضت له فرءاها من فوق إلى أسفل فلم يهتم بها، فقطعت الأمل منه حين وجدت منه إعراضا، ثم صادفت رجلا راعيا، هذا الراعي وقع بها زنى بها فحملت منه، ثم لما ظهر منها الحمل ثم وضعت قالت: هذا الولد من جريج، كانوا يعتقدون فيه الناس قبل ذلك، يقولون: هذا عابد تقي من أهل الله، ذهبوا فهدموا له صومعته وربطوا به حبلا وجروه إهانة له فطافوا به بين الناس إهانة له، قال لهم: أمهلوني حتى أصلي ركعتين، فأمهلوه تركوه حتى صلى ركعتين ثم قال للمولود الذي ولدته هذه الفاجرة: يا غلام من أبوك؟ قال: الراعي، أنطق الله تعالى الغلام ليبرئ عبده الولي الصالح جريجا، فعادوا يتمسحون به ويقبلونه ليرضى لأنهم رأوا له هذه الكرامة العظيمة أنه أنطق هذا الطفل المولود لتبرئته مما اتهم به، فقالوا له: نبني لك صومعتك من ذهب، قال: لا، أعيدوها من طين كما كانت، مثل هذا كان في أمة المسيح لما كانوا على الإسلام، أمة عيسى كان فيهم مثل هذا الولي الصالح لما كانوا على الإسلام. فالذين كفروا بالمسيح صاروا اثنتين وسبعين فرقة على الضلال كلهم.
فدين المسيح استمر ظاهرا مائتي سنة كانوا فيها على هديه، كانوا فيها متمسكين بشريعة المسيح، كانوا ظاهرين متمكنين في الدين أهل المدن وغيرهم. أما بعد الثلاثمائة خف المتمسكون بالتمام بدين الإسلام على شريعة المسيح، صاروا يقلون، ثم بعد الخمسمائة سنة وشىء بين الخمسمائة والستمائة لم يبق أحد من أولئك المؤمنين المسلمين، وبين المسيح ومحمد صلى الله عليهما وسلم ستمائة سنة.
وكذلك قوم موسى ما ثبتوا على الإسلام كما ثبت أمة محمد على الإسلام ألفا وأربعمائة سنة بل كفروا بعد مئات من السنين، كفروا لما جاء المسيح كذبوه، فمن كان منهم قبل ظهور المسيح مؤمنا كفروا لما ظهر المسيح، لأنهم كذبوا نبي الله عيسى. العباد عليهم أن يصدقوا بالنبي الذي يأتي بعد النبي السابق ليس لهم أن يقولوا نحن كنا تابعين للنبي فلان فنحن لا نعترف بك، كان عليهم لما ظهر المسيح وأظهر المعجزات أن يتبعوه، والأنبياء لا يكذب بعضهم بعضا، كل من الأنبياء يأمر بتصديق سائر الأنبياء لكن الشرع الجديد يجب تطبيقه.
الدين واحد، العقيدة واحدة، يؤمنون بالله ورسوله الذي أرسله واليوم الآخر والكتب السماوية التي أنزلها الله على بعض أنبيائه والقدر خيره وشره أي أن الله خالق كل شىء بعلم وتقدير ومشيئة، هذه العقيدة هي مع الإيمان بالجنة والنار والعقاب والثواب والحساب، هذا أنبياء الله كلهم لم يختلف فيه اعتقادهم، إنما الاختلاف بين الأنبياء في الشرائع. الله تعالى ينزل على هذا النبي حكما وينزل على الرسول الذي بعده حكما جديدا، لكن أصل الدين يبقى على ما عليه.
لما كان ءادم على وجه الأرض كان ينزل عليه وحي، فعلم ذريته الإسلام وأمرهم بما فرض الله من صلاة وغير ذلك وحذرهم من الشرك بالله، ثم لما مات ءادم حرم الله تعالى تزوج الأخ بأخته ولو كان هو متقدما ليس توأما. شرائع الرسل تختلف، أما أصل الدين فهو واحد “عبادة الله وحده”.
أوحى الله تعالى إلى كل نبي أن يحذر الشرك ويحذر أمته، كان كل نبي يحذر أمته من الإشراك بالله أي عبادة غير الله، وأخذ الله عهدا وميثاقا على كل نبي أنه إن ظهر محمد لازم عليك أن تؤمن به وأن تنصره، وأمر كل نبي أن يأمر أمته باتباع محمد، أن يتبعوا محمدا وينصروه إن ظهر، هذا ليعلم كل نبي من الأنبياء وكل أمة نبي أنه لا بد أن يأتي نبي اسمه محمد، حتى يعلموا، والله عالم بأن محمدا لا يخلق إلا بعد المسيح بزمان لكن إظهارا لشرف محمد وأنه أفضل منهم كلهم.
سيدنا محمد خاتم الأنبياء فمن ادعى النبوة بعده فهو كافر. فيما مضى ظهر أناس ادعوا أنهم أنبياء، اثنان من هؤلاء ظهرا في أواخر حياة رسول الله، ثم قتلا بعد وفاة رسول الله، قتلهما المسلمون؛ أحدهم كان ظهر في اليمن والآخر كان ظهر في اليمامة وكلاهما عربي، وكذلك من حوالي مائة وثلاثين سنة ظهر في الباكستان رجل اسمه غلام أحمد([1]) ادعى النبوة، ولما حاول المسلمون قتله حماه الإنكليز، لكن الله تعالى أخزاه وأماته في المرحاض([2]).
الرسول ﷺ قال: «لو عاش ابني إبراهيم لكان نبيا» رواه أبو نعيم، معناه أنه لا نبي بعدي، لو كان يجوز أن يكون بعدي نبي لعاش ابني إبراهيم وصار نبيا لكن مات وهو ابن سبع عشرة شهرا.
ثم من علم الدين الضروري معرفة أحكام الصلاة، أركانها وشروطها، أما هؤلاء جماعة رجب ديب عندهم أن يطأطئوا رؤوسهم ويتصوروا شيخهم ويذكروا بقلوبهم، عندهم هذا أفضل من الصلاة، رجب علمهم هذا قال: ولذكر الله أكبر (45) ” يعني أفضل من الصلوات الخمس”، لعنة الله عليه، الصلاة هي ذكر، الصلاة أولها “الله أكبر” وكذلك الفاتحة أليس قراءتها فيها ذكر؟! الله تعالى قال: ولذكر الله أكبر (45) سورة العنكبوت. معناه أن الذكر الذي في الصلاة أكبر أعمال الصلاة، الذكر الذي فيها؛ فيها الشهادتان “أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله” هذا أفضل الذكر، وفيها “الحمد لله رب العالمين”، وفيها التسبيح وفيها التكبير، وفيها الدعاء، هي الصلاة ذكر، ولذكر الله أكبر (45) معناه الصلاة الذكر الذي فيها أكبر من سائر أعمالها.
رجب ديب كفر كفرين في هذه المسئلة، قوله: “إن هذا الذي يفعلونه أفضل من الصلوات الخمس” كفر، ثم تفسيره لهذه الآية على هذا التحريف كفر، قال الله تعالى: إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون (45)
ربنا ءاتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة، وقنا عذاب النار، اللهم إنا نسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة. وسبحان الله، والحمد لله، والله تعالى أعلم.
([1]) غلام أحمد القادياني (1839-1908ر)، ادعى النبوة وهو في الخمسين من عمره.