استنزهوا من البول
رَوَى الْبُخَارِيُّ وَمُسلم وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالنَّسَائِيُّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرِ إِثْمٍ، قَالَ: بَلَى، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، ثُمَّ دَعَا بِعَسِيبٍ رَطْبٍ فَشَقَّهُ اثْنَيْنِ فَغَرَسَ عَلَى هَذَا وَاحِدًا وَعَلَى هَذَا وَاحِدًا، ثُمَّ قَالَ: »لَعَلَّهُ يُخَفَّفُ عَنْهُمَا«. هَذَا الْحَدِيثُ حُجَّةٌ بَعْدَ كِتَابِ اللَّهِ عَلَى إِثْبَاتِ عَذَابِ الْقَبْرِ، الرَّسُولُ مَرَّ عَلَى قَبْرَيْنِ فَقَالَ: »إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرِ إِثْمٍ« ثُمَّ قَالَ: »بَلَى«، أَيْ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ بِحَسَبِ مَا يَرَى النَّاسُ لَيْسَ ذَنْبُهُمَا شَيْئًا كَبِيرًا لَكِنَّهُ فِي الْحَقِيقَةِ ذَنْبٌ كَبِيرٌ لِذَلِكَ قَالَ: »بَلَى«، »أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ« وَهِيَ نَقْلُ الْكَلامِ بَيْنَ اثْنَيْنِ لِلإِفْسَادِ بَيْنَهُمَا يَقُولُ لِهَذَا فُلانٌ قَالَ عَنْكَ كَذَا وَيَقُولُ لِلآخَرِ فُلانٌ قَالَ عَنْكَ كَذَا لِيُوقِعَ بَيْنَهُمَا الشَّحْنَاءَ، »وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ« أَيْ كَانَ يَتَلَوَّثُ بِالْبَوْلِ، وَهَذَا مِنَ الْكَبَائِرِ، فَقَدْ قَالَ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ: »اسْتَنْزِهُوا مِنَ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ« رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَعْنَاهُ تَحَفَّظوا مِنَ الْبَوْلِ لِئَلَّا يُلَوِّثَكُمْ، مَعْنَاهُ لا تُلَوِّثُوا جِلْدَكُمْ بِهِ لِأَنَّ أَكْثَرَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ. هَذَانِ الأَمْرَانِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ النَّاسُ لَيْسَ ذَنْبًا كَبِيرًا لَكِنَّهُمَا فِي الْحَقِيقَةِ عِنْدَ اللَّهِ ذَنْبٌ كَبِيرٌ، فَالرَّسُولُ عَلَيْهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ رَءَاهُمَا بِحَالَةٍ شَدِيدَةٍ وَأَنَّهُمَا يُعَذَّبَانِ، وَلَيْسَ مِنْ شَرْطِ الْعَذَابِ أَنْ تَمَسَّ النَّارُ جَسَدَهُ، اللَّهُ جَعَلَ عَذَابًا كَثِيرًا غَيْرَ النَّارِ فِي الْقَبْرِ. الرَّسُولُ رَأَى ذَلِكَ وَبَعْضُ الْمُؤْمِنِينَ الصَّالِحِينَ يَرَوْنَ عَذَابَ الْقَبْرِ وَيَرَوْنَ النَّعِيمَ، اللَّهُ يُكَاشِفُهُمْ، الشَّيْخُ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ السَّلامِ كَانَ يَمُرُّ بِقَبْرِ عَالِمٍ تَقِيٍّ صَالِحٍ يَقِفُ عَلَيْهِ وَيَقُولُ: إِنَّهُ فِي نَعِيمٍ عَظِيمٍ، يَرَاهُ يُكَاشِفُهُ اللَّهُ، يَرَى مَوْضِعَ قَبْرِهِ أَنَّهُ مُنَوَّرٌ وَأَنَّهُ مُوَسَّعٌ وَأَنَّهُ مَمْلُوءٌ خَضِرَةً وَغَيْرَ ذَلِكَ. وَأَمَّا الدَّلائِلُ أَنَّ الْمَقْبُورَ إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ التَّقْوَى يَكُونُ فِي نَعِيمٍ فَالشَّوَاهِدُ وَالأَدِلَّةُ عَلَى ذَلِكَ كَثِيرَةٌ. نسأل الله تعالى أن يلطف بنا فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض والحمد لله رب العالمين.