الجمعة نوفمبر 8, 2024

إدخال السرور على الناس:

لو راقب الواحد منا نفسه حينما يكون مسروراً فماذا يشعر؟ بلا تردد إنه يشعر بانبساط في نفسه وبانشراح في صدره وبانفتاح في آفاقه وتنهض به همته وتنعكس آثار ذلك النشاط على جسمه وعلى أعماله، أما إذا تكدر فخلاف ذلك حاصل عادة.

ومن أهم الأمور التي تجعل الآخرين مسرورين وسعداء أن يجدوا من يتحدث معهم في الأمور التي يحبونها وتسرهم وتلذ لهم.

فالمطلوب من المرء لكي يسر به الناس أن يحدثهم في المشروع أو المأذون به مما يسرهم ويلذ لهم وليس في أي حديث، وبعبارة أخرى: ليس المطلوب من المرء الذي سر بالناس أن يهمل أمر القيم الحسنة والمبادئ السليمة فيتكلم فيما يطيب لهم ويرضي شهواتهم وغرائزهم حتى لو كان ذلك مخالفاً للحق.

ومن هنا فالتحدث فيما يسر الشخص الآخر ويلذ له من الأمور اللطيفة الحسنة التي تساعد على الدخول إلى قلبه أمر مفيد ونافع جداً.

وهكذا فإذا جمع المجلس المرء مع شخص أو جماعة وكانوا يتحدثون في موضوع خير يميلون إليه ويرغبون فيه فلا يزدر بهم ذلك الميل والرغبة بل ليشجعهم على ذلك، وإن استطاع أن يشاركهم فلا بأس بذلك شرط أن يكون الحديث في الحدود المشروعة، وسيجد أنهم يسرون به ويحبونه وينجذبون إليه.

فلكي يسر الناس بالمرء ويصبح محبوباً بينهم ليكن حكيماً في أن يدخل السرور إلى قلوبهم وأن يتحدث فيما يسرههم ويلذ لهم ويطيب لو أن يجمل طبعه ومعاملته بشيء من الدعابة والمطايبة.

مثل ذلك ما روي أن بعض الصحابة جاؤوا يطلبون من الرسول عليه الصلاة والسلام ما يركبونه من الدواب قالوا له: “احملنا يا رسول الله” معناه أعطنا مركوبا من الدواب فقال لهم: “أحملكم على ولد الناقة” فقالوا: “يا رسول الله ماذا يغني ولد الناقة أي ماذا ينفعنا هل يقضي حاجاتنا، قال: “وهل تلد الإبل إلا النوق” معناه البعير الكبير والبعير الصغير كل ولد الناقة، الرسول صلى الله عليه وسلم ما كذب، مثل هذا المزح الذي ما فيه كذب ولا فيه إيذاء لمسلم يجوز على الرسول صلى الله عليه وسلم فقال بعض أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم إنك لتداعبنا لما وجدوا منه من المزح اللطيف الذي ما فيه ضرر ولا كذب انبسطوا لذلك قالوا: إنك لتداعبنا، قال: نعم ولا أقول إلا حقاً.

وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يضع الحسن والحسين أحياناً على حضنه وأحياناً يحملهما وكان يلاعب أولاده لإدخال السرور إلى قلوبهم.

بينما ان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في بعض شوارع المدينة رأى زاهر بن حزام اقترب من ورائه واحتضنه من خلفه من غير أن يراه. فقال صلى الله عليه وسلم: من يشتري هذا العبد؟ هذا له تأويل أي صورته صورة عبد فلما انتبه له زاهر قال: فما فرحت بشيء أكثر من التصاق جسدي بجسد رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وقد ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم رأى صحابية اسمها أم خالد تلبس ثوبا جميلاً فقال: أم خالد سناه سناه أي حسن حسن.

فإن إدخال السرور إلى قلوب الناس من الأمور التي تكسب ودهم وحبهم، فمن طبعهم أنهم يرغبون فيمن يدخل السرور إلى نفوسهم ويحبونه. وإضافة إلى هذا فإن المداعبة والمطايبة والمفاكهة تعين على هذا إذا كانت في محلها المناسب، فهناك من الأحوال ما يحتاج إلى مطلق الجدية، ومنها ما يسمح بشيء من المداعبة.

والمداعبة والمطايبة تدخلان على قلوب الناس السرور، وتزيلان ما أصابها من ملل وضجر.