أَعْظَمُ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ)
(اعْلَمْ أَنَّ أَعْظَمَ حُقُوقِ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ) أَىْ أَعْظَمَ الْفَرَائِضِ الَّتِى أَمَرَ اللَّهُ بِهَا (هُوَ تَوْحِيدُهُ تَعَالَى) أَىْ مَعْرِفَتُهُ مَعَ إِفْرَادِهِ بِالْعِبَادَةِ (وَأَنْ لا يُشْرَكَ بِهِ شَىْءٌ لِأَنَّ الإِشْرَاكَ بِاللَّهِ) وَغَيْرَهُ مِنْ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ (هُوَ أَكْبَرُ ذَنْبٍ يَقْتَرِفُهُ الْعَبْدُ) وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ أَنَّهُ قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَىُّ الذَّنْبِ أَشَدُّ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ أَىْ أَنْ تُشْرِكَ بِاللَّهِ، قِيلَ ثُمَّ أَىُّ قَالَ أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ مَخَافَةَ الْفَقْرِ قِيلَ ثُمَّ أَىُّ قَالَ أَنْ تُزَانِىَ حَلِيلَةَ جَارِكَ. فَالْكُفْرُ هُوَ أَشَدُّ الذُّنُوبِ عَلَى الإِطْلاقِ (وَهُوَ الذَّنْبُ الَّذِى لا يَغْفِرُهُ اللَّهُ) أَىْ لِمَنِ اسْتَمَرَّ عَلَيْهِ إِلَى الْمَوْتِ أَوْ وَصَلَ إِلَى حَالَةِ الْيَأْسِ مِنَ الْحَيَاةِ بِرُؤْيَةِ مَلَكِ الْمَوْتِ وَمَلائِكَةِ الْعَذَابِ أَوْ إِدْرَاكِ الْغَرَقِ بِحَيْثُ أَيْقَنَ بِالْهَلاكِ كَفِرْعَوْنَ الَّذِى لَمْ يَقْبَلِ اللَّهُ تَوْبَتَهُ حِينَ أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ وَعَلِمَ أَنَّهُ هَالِكٌ لا مَحَالَةَ (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ) أَىْ مَا دُونَ الْكُفْرِ مِنَ الْكَبَائِرِ وَالصَّغَائِرِ (لِمَنْ يَشَاءُ) مِنْ عِبَادِهِ الْمُسْلِمِينَ الْمُتَجَنِّبِينَ لِلْكُفْرِ بِنَوْعَيْهِ الإِشْرَاكِ بِاللَّهِ الَّذِى هُوَ عِبَادَةُ غَيْرِهِ وَالْكُفْرِ الَّذِى لَيْسَ فِيهِ إِشْرَاكٌ كَسَبِّ اللَّهِ أَوْ نَبِىٍّ مِنْ أَنْبِيَائِهِ (قَالَ) اللَّهُ (تَعَالَى ﴿إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ﴾) وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إِنَّ اللَّهَ لَيَغْفِرُ لِعَبْدِهِ مَا لَمْ يَقَعِ الْحِجَابُ قَالُوا وَمَا وُقُوعُ الْحِجَابِ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ أَنْ تَمُوتَ النَّفْسُ وَهِىَ مُشْرِكَةٌ، رَوَاهُ أَحْمَدُ وَابْنُ حِبَّانَ (وَكَذَلِكَ جَمِيعُ أَنْوَاعِ الْكُفْرِ لا يَغْفِرُهَا اللَّهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾) أَىْ مَنَعُوا النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ (﴿ثُمَّ مَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ﴾) وَهَذَا قَيْدٌ لِعَدَمِ الْمَغْفِرَةِ لَهُمْ فَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ مَاتَ كَافِرًا فَهُوَ مَحْرُومٌ مِنَ الْمَغْفِرَةِ إِنْ مَنَعَ النَّاسَ مِنَ الدُّخُولِ فِى الإِسْلامِ أَوْ لَمْ يَمْنَعْ.
(وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ) أَىْ أَنَّ الإِنْسَانَ إِذَا مَاتَ وَهُوَ يَشْهَدُ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يَعْبُدْ غَيْرَهُ (وَ)يَشْهَدُ (أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ) أَىْ أَنَّ عِيسَى بِشَارَةُ اللَّهِ لِمَرْيَمَ الَّتِى بَشَّرَتْهَا بِهَا الْمَلائِكَةُ بِأَمْرِهِ قَبْلَ أَنْ تَحْمِلَ بِهِ (وَرُوحٌ مِنْهُ) أَىْ أَنَّ رُوحَ عِيسَى رُوحٌ مُشَرَّفٌ أَىْ عَظِيمٌ عِنْدَ اللَّهِ صَادِرٌ مِنَ اللَّهِ خَلْقًا وَتَكْوِينًا (وَ)يَشْهَدُ أَنَّ (الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارَ حَقٌّ) أَىْ أَنَّهُمَا مَوْجُودَتَانِ وَبَاقِيَتَانِ وَأَنَّهُمَا دَارَا جَزَاءٍ فَالْجَنَّةُ دَارُ نَعِيمٍ لِلْمُؤْمِنِينَ وَالنَّارُ دَارُ عِقَابٍ لِلْكَافِرِينَ (أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنَ الْعَمَلِ) أَىْ وَفَّقَهُ اللَّهُ إِذَا دَاوَمَ عَلَى هَذِهِ الشَّهَادَةِ كُلَّ يَوْمٍ إِلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ بِحَيْثُ يَحْسُنُ حَالُهُ وَخِتَامُهُ فَيَدْخُلُ الْجَنَّةَ بِلا عَذَابٍ وَالْحَدِيثُ (رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ وَمُسْلِمٌ، وَفِى حَدِيثٍ ءَاخَرَ فَإِنَّ اللَّهَ حَرَّمَ عَلَى النَّارِ) أَىْ حَرَّمَ أَنْ يَبْقَى فِيهَا إِلَى الأَبَدِ (مَنْ قَالَ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ يَبْتَغِى بِذَلِكَ وَجْهَ اللَّهِ) أَىْ يَبْتَغِى الْقُرْبَ إِلَى اللَّهِ لا نِفَاقًا مِنْ غَيْرِ اعْتِقَادٍ وَالْحَدِيثُ (رَوَاهُ الْبُخَارِىُّ). (وَ)لَيْسَ الْمُرَادُ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّ الاِقْتِصَارَ عَلَى شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ بِدُونِ الشَّهَادَةِ الثَّانِيَةِ يَكْفِى لِلنَّجَاةِ مِنَ الْخُلُودِ الأَبَدِىِّ فِى النَّارِ بَلْ (يَجِبُ قَرْنُ الإِيمَانِ بِرِسَالَةِ مُحَمَّدٍ بِشَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) أَىْ لا بُدَّ مِنَ النُّطْقِ بِالشَّهَادَتَيْنِ مَعَ اعْتِقَادِ مَعْنَاهُمَا (وَذَلِكَ أَقَلُّ شَىْءٍ يَحْصُلُ بِهِ النَّجَاةُ مِنَ الْخُلُودِ الأَبَدِىِّ فِى النَّارِ) بِدَلِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَمَنْ لَّمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ فَإِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَعِيرًا﴾ أَىْ أَنَّ مَنْ لَمْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ مُحَمَّدٍ فَهُوَ كَافِرٌ وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَدَّ لَهُ سَعِيرًا أَىْ نَارَ جَهَنَّمَ.